ارتفاع أسعار المحروقات يلهب الاحتجاجات في الأردن

اتساع إضرابات قطاع النقل يفاقم الضغوط على الحكومة الأردنية المأزومة.
الأربعاء 2022/12/07
هبة اجتماعية في الأفق

تؤشر الاحتجاجات على ارتفاع أسعار المحروقات في الأردن على اتساع الهوة بين المواطنين وحكومتهم، المتهمة بالفشل في إدارة الأزمة الاقتصادية واتخاذ إجراءات ارتجالية، يحمل فيه المواطن تبعات الفشل الحكومي.

عمان - اتسعت رقعة إضرابات السائقين في الأردن الثلاثاء، إذ بدأ إضراب عدد من أصحاب الشاحنات قبل أيام في العقبة ومعان، احتجاجا على رفع أسعار المحروقات، وتوسع ليشمل سائقي الباصات والصهاريج والقلابات في عدد من المحافظات، ما يفاقم الضغوط على الحكومة الأردنية المأزومة ماليا.

وانضم إلى الإضراب، العشرات من سائقي وأصحاب صهاريج المياه، بمنطقتي عبدون ودابوق في العاصمة عمان، محتجين أيضا على رفع أسعار المحروقات، مشيرين إلى أنهم واجهوا 4 رفعات لمادة الديزل، ولم يتم رفع أسعار المياه، مؤكدين أنهم لا يحتملون أسعار المحروقات التي باتت تأكل جميع الأرباح.

وفي جنوب الأردن، أعلن ‏‏أصحاب وسائل النقل العام في محافظة الكرك عن بدء إضراب، وذلك احتجاجا على أسعار المحروقات.

صالح العرموطي: دعم المحروقات أولى من سفر المسؤولين الحكوميين
صالح العرموطي: دعم المحروقات أولى من سفر المسؤولين الحكوميين

ويواجه الأردن منذ نوفمبر الماضي موجة غير مسبوقة من التظاهرات والاحتجاجات رفضا لقرار الحكومة بتحرير أسعار المحروقات، في محاولة لمواجهة العجز الكبير في ميزانية الدولة، دون مراعاة القوة الشرائية للمواطنين.

وشهد البرلمان الأردني جلسة عاصفة الاثنين عند مناقشة الموازنة العامة، بسبب مطالبات نيابية للحكومة بدعم المحروقات واتهامات لها بتجويع الشعب وممارسة ضغوط عليه، ولوح نواب بحجب الثقة عن الحكومة.

وانسحب رئيس الحكومة بشر الخصاونة غاضبا من الجلسة، رافضا مطالب النواب بدعم المحروقات التي ارتفع سعرها بشكل كبير مع دخول فصل الشتاء، فرد بعض النواب بتهديده بحجب الثقة عن حكومته.

وطالب النائب أحمد قطاونة زملاءه النواب بالانتصار للشعب ورفض مشروع الموازنة لعام 2023 إلى حين تخفيض الحكومة أسعار المحروقات بشكل حقيقي، في حين قال النائب محمد العلاقمة إن الحكومة تريد من الأردنيين النزوح خارج الأردن، بسبب سياسة رفع الأسعار وزيادة الضرائب.

وردّ الخصاونة على هذه الاتهامات بالقول إن حكومته لا تملك ترف دعم المشتقات النفطية، على اعتبار أن ذلك سيثقل كاهل الميزانية ويعني المزيد من العجز.

واستنكر النائب صالح العرموطي كلام رئيس الوزراء بشر الخصاونة تحت قبة مجلس النواب، والذي تضمن أن الحكومة الأردنية غير قادرة على دعم المحروقات. ووصف العرموطي كلام الخصاونة بالغريب والمرفوض، معتبرا أنّ دعم المحروقات واجب على الدولة أن تقوم به وتقدمه للمواطنين.

وأشار العرموطي إلى أن من باب أولى أن تدعم الحكومة المواطن بدلا من الكماليات والنفقات الباهظة التي تصرفها على سفر المسؤولين، مستعينا بنص الدستور “تكفل الدولة الطمأنينة للمواطنين وتكافؤ الفرص والمساواة”.

وكشف مشروع قانون الموازنة في الأردن لعام 2023 عن إلغاء بند دعم المحروقات، في الوقت الذي تشهد فيه أسعار الطاقة في المملكة زيادات متتالية.

وتقترح الحكومة الأردنية الدعم النقدي المباشر للمحروقات عوض دعم السلعة، وهو اقتراح يلقى رفضا واسعا داخل مجلس النواب ويشترط بعض النواب رفع الضريبة على المحروقات لتمرير هذا التعديل.

40

في المئة من دخل المواطن الأردني (بين بنزين، وكهرباء، وتدفئة)، بمتوسط دخل شهري 350 دينارا (493 دولارا)

وبحسب بيان في نوفمبر الماضي، تباحث خبراء صندوق النقد الدولي مع مسؤولين أردنيين الاتفاق مع الحكومة على “تعويض التكاليف المترتبة على دعم المحروقات والغذاء، والتي تجاوزت التوقعات من خلال ترشيد الإنفاق على البنود التي لا تمثل أولوية وقوة تحصيل الإيرادات التي تجاوزت التوقعات إلى حد كبير، هذا ويعكس تحسن أداء تحصيل الإيرادات الجهود المؤسسية والتشريعية المبذولة من قبل الحكومة لمعالجة التهرب الضريبي والتجنب الضريبي”.

وأضاف البيان أن من بين إصلاحات المالية العامة “الإلغاء التدريجي للدعم غير المستهدف الذي كان مطبقا على أسعار المحروقات، نظرا لما يوفره هذا الإلغاء من توفير موارد مالية للإنفاق على البنود ذات الأولوية، مع حماية الفئات محدودة الدخل من ارتفاع الأسعار عن طريق تحويلات نقدية إضافية”.

ورفعت الحكومة الأردنية أسعار المشتقات النفطية الأسبوع الماضي للمرة الثامنة في 2022، إذ زادت أسعار مشتقات البنزين والديزل، وثبتت أسعار الكاز وأسطوانة الغاز.

ويشير عامر الشوبكي، الباحث الاقتصادي المتخصص في شؤون النفط والطاقة، إلى أن فاتورة الطاقة تستهلك أكثر من 40 في المئة من دخل المواطن الأردني (بين بنزين، وكهرباء، وتدفئة)، بمتوسط دخل شهري 350 دينارا (493 دولارا).

ولمواجهة هذا الارتفاع يدعو الشوبكي الفريق الاقتصادي الحكومي ووزارة الطاقة إلى العمل على وضع حلول سريعة في سقوف سعرية لارتفاع فاتورة المشتقات النفطية على المستهلك. كما تفعل العديد من الحكومات.

وقال “يجب عدم الاكتفاء بتثبيت سعر الكاز فقط، والتحوط قبل إجراء هذه القفزة في الأسعار وإعادة دراسة الضرائب المفروضة على البنزين والسولار، وكإجراء مؤقت تقسيم الارتفاع الحاصل وتحميل الحكومة جزءا منه، حتى التمكن من إيجاد بدائل وإيرادات بعيدا عن جيب المستهلك”.

بشر الخصاونة: للأسف الحكومة الأردنية لا تمتلك  ترف دعم المحروقات
بشر الخصاونة: للأسف الحكومة الأردنية لا تمتلك  ترف دعم المحروقات

وتؤكد أوساط أردنية أن الفشل الحكومي في تطويق الأزمة الاقتصادية والتخفيف من تداعياتها المعيشية على الأردنيين يمهد لتفجر موجة من الاحتجاجات في المملكة، شبيهة بالتي وقعت في 2018 وانتهت باستقالة حكومة رئيس الوزراء السابق عمر الرزاز، رغم إجراء تعديل وزاري خامس مؤخرا على حكومة الخصاونة.

وارتفعت نسبة تشاؤم الأردنيين من أداء حكومتهم لتصل إلى مستوى غير مسبوق، وفق استطلاع للرأي أجراه مركز الدراسات الإستراتيجية (حكومي).

وجاء في استطلاع الرأي أن 80 في المئة من الأردنيين يرون أن الأوضاع الاقتصادية تسير في الاتجاه السلبي.

وبحسب قراءة المركز، فإن ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وارتفاع نسب البطالة والتخبط الحكومي في اتخاذ القرارات المناسبة، من أهم الأسباب التي دعت الأردنيين إلى الاعتقاد بأن الأمور تسير في الاتجاه السلبي.

وحذرت الجمعية الوطنية لحماية المستهلك من الارتفاعات المتكررة التي طرأت خلال الأشهر الماضية على مادتي الغاز والديزل وبنسب مرتفعة، مما شكل عبئا ثقيلا وتكاليف إضافية على المواطنين في فصل الشتاء، خاصة أن المادتين تعتبران أساسيتين في عمليات التدفئة والنقل والنمو الاقتصادي.

ورصدت الحكومة الأردنية مخصّصات لزيادة شبكة الأمان الاجتماعي وتوسيع قاعدة المنتفعين من صندوق المعونة الوطنية، حيث تم رصد مخصصات زيادة لصندوق المعونة الوطنية بنسبة 38 في المئة، في محاولة للتخفيف من آلام الأردنيين الاقتصادية، إلا أن هذه الخطوات تظل ترقيعية وغير قادرة على بلوغ أهدافها.

وتجنّبت الحكومة الأردنية فرض رسوم وضرائب جديدة في موازنة عام 2022، وفي مقابل ذلك ركزت على محاربة التهرب الضريبي والجمركي، في خطوة تعكس تخوفا من ردود فعل الشارع المتحفز.

ويقول متابعون إن المواطن الأردني لم يعد قادرا على تحمل تراجع قدرته الشرائية، وغياب الخطط الحكومية الفعالة لدعمه، فضلا عن اقتناعه بأن الإجراءات الاجتماعية لدعمه يطغى عليها الطابع الارتجالي ولم تحقق أي نتائج إيجابية، بل بالعكس زادت من حدة أزماته.

2