الأرض كروية وأيضا تدور في الملاعب

لا تزال كروية الأرض ودورانها حول نفسها والشمس موضع شك بالنسبة إلى البعض. هناك أسئلة كثيرة تسخر من المسألة التي تحولت إلى حكاية أطفال.
الأرض تدور إذاً. لمَ يبق البيت ثابتا في مكانه والأبواب والشبابيك في الاتجاه نفسه ليل نهار؟ هناك ضحكة مطمئنة تشبه تلك الضحكة التي يطلقها المشككون بهبوط أرمسترونغ على القمر. هناك مَن يقبل بالرواية التي تقول إن أحد الصحابة قبل أكثر من ألف وأربعمئة سنة كان من مشجعي الفريق البرازيلي ولا يقبل بكروية الأرض.
مشجعو البرازيل أصابتهم الكرة بالكآبة حين رأوا فريقهم يُهزم أمام الفريق الكاميروني. أما الفريق الألماني الذي غادر البطولة بعد هزيمته أمام الفريق الياباني فقد صار العنصريون من أنصاره يتأسفون لأنه شارك في بطولة تُقام في دولة لا تعترف بالمثلية.
◘ النظر إلى كرة القدم يشبه النظر إلى الكرة الأرضية. لا بد من كاميرا لنتأكد من الحقيقة. ليست الحقائق العلمية مهمة. وليس الفرح الذي يغمر الجمهور للحظات مهماً. ما هو مهم ما يظهر على سطح الفيديو
ومن مفاجآت المونديال أن الأرجنتين التي خسرت أمام السعودية لا تزال تزحف في اتجاه الكأس فيما غادر الفريق السعودي البطولة. كان علينا ألاّ نثق بكرة تدور. فهي تغير طباعها بين حين وآخر. لذلك ينبغي عدم الاطمئنان إلى ما تخبئه من مفاجآت. كانت الكاميرات قد رصدت أحد المدربين وقد وقع على الأرض مغشيا عليه بعد هدف هز شباك فريقه. ما الذي كان يفكر فيه ذلك المدرب؟ مصيره الشخصي أم مصير فريقه؟
هُزمت أميركا أمام هولندا وهي دولة أصغر من أصغر ولاياتها الخمسين. لا أدري إذا ما كان ذلك الرقم صحيحا. ولكنّ أخوين هولنديين هما اللذان بنيا الأساس الذي قامت عليه أكبر مدن أميركا وهي عنوان قوتها في المشهد العالمي. نيويورك، مانهاتن بالأخص.
كان كريستوف كولومبس قد وصل إلى الأراضي الجديدة وهو الذي كان قد خطط للذهاب إلى الهند. لذلك سُمّي سكان أميركا الأصليون بالهنود الحمر خطأً. لا يزال ذلك الاسم الخطأ قائما. بل إن السكان الأصليين صاروا يسمون أنفسهم هنودا حمرا.
علماء المسلمين اعترفوا في عصور تألقهم الحضاري بكروية الأرض وهو ما يعني أن السماء ليست سوى مصطلح مجازي. وهو ما لا يستقيم مع العقيدة بالنسبة إلى حراس التفسير الحرفي للآيات المقدسة.
إن هُزمت البرازيل أو انتصرت في مباراة كرة القدم فإن ذلك لا يعني أن السماء ستغير موقعها. ولكن ذلك لن يكون حقيقيا دائما بالنسبة إلى جمهور كرة القدم. فريق البرتغال الذي يقود الأسطورة رونالدو هُزم أمام فريق كوريا الجنوبية. صار علينا أن نفكر بلغة رياضية مختلفة، فبدلا من التفكير في الأرجنتين والبرازيل وأورغواي صار علينا أن نفكر في اليابان وكوريا الجنوبية والمغرب. هل سيكون ذلك صحيحا؟
لو حدث ذلك لكان المكسيكيون على حق حين اخترعوا مسلسلاتهم الطويلة التي كانت غوادالوبي بطلتها ولحق بهم الأتراك حين اخترعوا مسلسلاتهم التي كان بطلها مهند ومعه حبيبته نور. يمكن للكلمات أن تخدع لكن تقنية الفيديو صارت تكشف الأخطاء التي تقع في الملعب. هناك الكثير من الأهداف ألغيت بالرغم من أن الحكم لم يلاحظ الأخطاء التي تخلّلتها. سيخرج الجمهور بشعور عظيم بالظلم بسبب خيانة النظر بالعين المجردة.
◘ الفريق الألماني الذي غادر البطولة بعد هزيمته أمام الفريق الياباني فقد صار العنصريون من أنصاره يتأسفون لأنه شارك في بطولة تُقام في دولة لا تعترف بالمثلية
هل صار علينا أن نرى من خلال الكاميرا؟
النظر إلى كرة القدم يشبه النظر إلى الكرة الأرضية. لا بد من كاميرا لنتأكد من الحقيقة. ليست الحقائق العلمية مهمة. وليس الفرح الذي يغمر الجمهور للحظات مهماً. ما هو مهم ما يظهر على سطح الفيديو. فما من أحد رأى الكرة الأرضية وهي تدور حول نفسها وحول الشمس بعينه المجردة. يتطلب ذلك الأمر أن يجلس المرء على كرسي على كوكب قريب ليرى ما يحدث لكوكب الأرض.
كم تمنّى المشجعون أن يلعبوا بدلا من اللاعبين. لم يكره المصريون محمد صلاح وقد أخطأ الهدف في ضربة جزاء في كأس أفريقيا. قال لي سائق التاكسي الذي أقلّني إلى المطار في اليوم التالي للمباراة إن أشعة وُجهت من قمر صناعي هي التي منعت الكرة التي سدّدها صلاح من الوصول إلى المرمى الغاني. كذبة من أجل أن يبقى البطل في مكانه. وهو ما حدث فعلا. أخشى أن نكرر مع الرياضيين ما نفعله مع السياسيين الذين بغض النظر عن هزائمهم يظلون أبطالا.
تلك موهبة شعب احترف النسيان. نسينا كروية الأرض حين تعلق الأمر بمحمد صلاح الذي اتخذ منه الإخوان عنوانا لتفوّقهم أما وقد هُزمت البرازيل أمام الكاميرون فقد صار علينا أن نفكر في كرة القدم.