سياسة الخصوصية مجرد دعاية تحقق لأبل طموحاتها الإعلانية

ارتكزت أبل بدرجة كبيرة في بناء صورتها على احترام الخصوصية، مؤكدة على ملصقات عملاقة أن تطبيقاتها لا تجمع بيانات شخصية، لكن في الواقع فإن هذه السياسة هي لمصلحة أبل التي جنت منها المليارات من الدولارات الإعلانية وكبدت منافسيها خسائر كبيرة جعلت بعضهم يلجأ للمحاكم.
باريس - تواجه مجموعة أبل الأميركية سيلا من الانتقادات بشأن طموحات إعلانية تعتزم بلوغها، بالاعتماد على بيانات المستخدمين التي لطالما دافعت الشركة عنها وبنت سمعتها التسويقية على أساسها وروجت لنفسها على أنها المدافع الأول عن خصوصية المستخدمين.
وبحسب منافسي أبل، فإن الشركة العملاقة ستقوم بإجراءات ضاربة لمبدأ التنافس، بعدما أحدثت تغييرا جذريا في تجارة البيانات الشخصية على الإنترنت من خلال حظر ملفات تعريف الارتباط على متصفحها، حيث خاضت مجموعة أبل في ربيع 2021 غمار السوق عينه عبر التطبيقات المحمولة.
وتضاعفت أرباح شركة أبل من قطاعها الإعلاني منذ بداية الربع الأول من عام 2020، فيما تكبدت شركات غوغل وميتا وتويتر ومايكروسوفت وسناب خسائر بالمليارات، بسبب سياسة الخصوصية التي فرضتها أبل.
وبدأت أبل في تحقيق عائدات إعلانية متزايدة بالتزامن مع بدء تطبيق سياستها الجديدة App Tracking” Transparency الشفافية في تعقب التطبيقات”، والتي تستهدف حرمان مختلف الشركات من الحصول على بيانات مستخدمي هواتف آيفون لمختلف التطبيقات والمواقع، وجعلت الشركة القرار في هذا الأمر في يد المستخدمين، وكما كان متوقعا، رفض أكثرية المستخدمين السماح لأدوات التعقب برصد نشاطات عبر الشبكة، ما أثر سلبا بشكل كبير على عوائد معظم كبرى الشركات التقنية، مثل “ميتا” التي تكبد قطاعها الإعلاني خسارة بقيمة 10 مليارات دولار، العام الماضي.
مطورو التطبيقات، من مجموعة فيسبوك إلى شركات صغيرة، فقدوا القدرة على الاستهداف الإعلاني لزبائن أبل
وفقد مطورو التطبيقات، من مجموعة فيسبوك العملاقة إلى شركات ناشئة صغيرة، بذلك القدرة على الاستهداف الإعلاني الموجه إلى زبائن أبل، رغم أن هؤلاء يصنَّفون من الأهداف الإعلانية المفضلة للمعلنين بسبب قدرتهم الشرائية المرتفعة عادة.
وساهم التحديث في انهيار جزء من قيمة شركات التكنولوجيا في البورصة. وتوقعت مجموعة ميتا المالكة خصوصا لفيسبوك وإنستغرام وواتساب، مطلع 2022 بأن يكبدّها هذا التحديث أرباحا ماضية بقيمة عشرة مليارات دولار خلال العام، وأعلنت في نوفمبر استغناءها عن 13 في المئة من موظفيها.
وقال رئيس شبكة ميتا مارك زوكربيرغ الأربعاء خلال مؤتمر نظمته صحيفة نيويورك تايمز “في الواقع، جزء كبير من الأرباح في قطاع الأجهزة المحمولة يصب لدى أبل”، خصوصا من خلال عمولات على التطبيقات المدفوعة والمشتريات الرقمية.
كما اضطرت مجموعات أخرى تعتمد بدرجة كبيرة على الإعلانات الموجهة، مثل سناب المالكة لتطبيق سنابتشات، إلى إعادة النظر في خططها والاستغناء عن موظفين إثر قرارات أبل.
غير أن القطاع بات يعتزم إخضاع أبل أمام المحاكم. ففي فرنسا، تأمل مجموعة ضغط مرتبطة بقطاع الإعلانات عبر الإنترنت في أن تحقق نجاحا قضائيا في دعوى أقامتها أمام هيئة حماية التنافسية وتتهم فيها أبل باستغلال موقعها المهيمن.
وكان مجلس الهيئة قد رد بداية في مايو 2021 طلبا تقدمت به مجموعة الضغط لفرض تدابير زجرية على المجموعة الأميركية، معتبرا أن أبل لم تعمد بعد إلى “تطبيق ممارسة من شأنها إلحاق ضرر محتمل بالمنافسة”.

غير أن القضاء يواصل درس مضمون الشكوى، خصوصا بشأن أساس مبدأ التفضيل الذاتي، أي أن أبل تعتمد قواعد مرنة أكثر مع التطبيقات التابعة لها.
وأبدى رئيس جمعية “التحالف الرقمي” الناشطة في مجال التسويق الإلكتروني نيكولا ريول، الخميس أسفه من أن الأمور “لا تسير بالسرعة المطلوبة بمواجهة الآثار القوية للغاية على المنافسة”، مشيرا إلى أن إجراءات قضائية مماثلة اتُّخذت في ألمانيا وبولندا. بالموازاة، أقامت جمعية “فرانس ديجيتال” التي تضم مطوري تطبيقات، شكوى على أبل أمام الهيئة الفرنسية لحماية البيانات الشخصية.
وفيما لا تعلن أبل أي أرقام بشأن إيراداتها في مجال الإعلانات، تشير تقديرات محللي “ويدبوش سيكيوريتيز” إلى أن إيرادات أبل السنوية من متجر التطبيقات “آب ستور” تقارب 4.5 مليار دولار.
وتتوقع دراسات أن ترتفع هذه الإيرادات إلى 30 مليار دولار سنة 2025، خصوصا إذا ما أضافت أبل إعلانات على خدمتها “أبل.تي.في” أو تطبيقها للخرائط “مابس”. وستحتل عندها المركز الرابع في قطاع الإعلانات الرقمية خلف غوغل وفيسبوك وأمازون.
وقد مكنت إعلانات البحث على خدمات أبل Apple Search Ads من مضاعفة أرقام عوائدها في الفترة بين النصف الأول لعام 2020 والنصف الأول من عام 2022 الجاري، حيث أن أبل قادرة على جمع معلومات مفصلة وواسعة حول استخدام مستخدمي آيفون لهواتفهم، بعيدا عن المرور بسياساتها المتعلقة بالخصوصية (ATT).
إلا أن أبل ارتكزت بدرجة كبيرة في بناء صورتها على احترام الخصوصية، مؤكدة على ملصقات عملاقة أن تطبيقاتها لا تجمع بيانات شخصية.
أبل قادرة على جمع معلومات مفصلة وواسعة حول استخدام مستخدمي آيفون لهواتفهم، بعيدا عن المرور بسياساتها المتعلقة بالخصوصية (ATT)
وقال مدير البرامج في جمعية “نيوب” المدافعة عن الخصوصية رومان روبير لوكالة فرانس برس “من الجيد جدا أن يلتزم كل جانب في سبيل سرية البيانات، لكن يجب ألا يكون ذلك دعاية كاذبة”.
وكشف مطوّران متخصصان في أمن المعلوماتية أخيرا أن أبل قادرة على تتبّع حركة تصفح المستخدمين عبر متجر “آب ستور”، من دون أن يكون لهؤلاء أي إمكان للرفض.
وبعد هذه المعلومات، أقيمت دعوى قضائية جماعية على أبل في كاليفورنيا في العاشر من نوفمبر. وردا على أسئلة وكالة فرانس برس بشأن هذه المسألة، رفضت أبل الإدلاء بأي تعليق.
وتمكن رجل الأعمال المالك الجديد لشركة تويتر إيلون ماسك من تسوية معاركه مع تيم كوك الرئيس التنفيذي لشركة أبل التي كان محورها الإعلانات، وقال إن شركة أبل استأنفت نشر إعلاناتها “بالكامل” على المنصة، حسبما أفادت وكالة “بلومبرغ” الأحد.
وأوضحت الوكالة أن هذا التصريح الذي وصفته بأنه ينوه إلى “المزيد من خفض حدة التوتر بين اثنتين من أكثر شركات التكنولوجيا نفوذا في العالم”، أدلى به ماسك خلال محادثة عبر تويتر سبيس السبت، حيث أضاف أن أبل هي أكبر معلن على شبكة التواصل الاجتماعي التابعة له. وسبق أن انتقد ماسك أبل لإيقافها الإعلانات على تويتر، متسائلا عما إذا كانت “تكره حرية التعبير في الولايات المتحدة”.
وأطلق ماسك استطلاع رأي على وسائل التواصل الاجتماعي حول ما إذا كان يجب على أبل نشر القائمة الكاملة لإجراءات الرقابة التي تم اتخاذها والتي أثرت على زبائنها.
كما تحدث ماسك في وقت سابق عن “تهديدات” شركة أبل بإزالة تويتر من متجر “آب ستور” للتطبيقات، لكنه أعلن في أعقاب تواصله مع كوك، أن الأخير أكد له عدم نيته إبعاد تويتر من متجرها للتطبيقات، وأن الشائعات انتشرت بسبب تغريدة نتج عنها سوء فهم بين الطرفين، قام ماسك بحذفها في ما بعد.