السعودية تدعم البنوك للحفاظ على زخم سوق القروض

أعطت السلطات النقدية في السعودية دفعة قوية للقطاع المصرفي حتى يواصل القيام بدوره في تنمية الاقتصاد على أكمل أوجه وسط تقلبات عالمية تسببت في زيادات متتالية في أسعار الفائدة مما هدد باستدامة نشاط سوق القروض، الذي تعول عليه الحكومة.
الرياض - منح البنك المركزي السعودي مرة أخرى دعما كبيرا للقطاع المصرفي بضخه سيولة نقدية للمحافظة على استقرار البنوك لتمويل المشاريع الاستثمارية ضمن خطط برنامج الإصلاح الاقتصادي.
وسعت السلطات النقدية خلال الآونة الماضية لتخفيف الضغوط على البنوك حتى تستطيع تعزيز جدارتها الائتمانية للمساهمة بشكل أكبر ومستدام في تنشيط سوق القروض.
وكشفت مصادر لوكالة بلومبرغ أن المركزي زاد من التعويل على استخدام آلية ضخ الأموال في النظام المالي، وهو يتطلع إلى معالجة أزمة السيولة النقدية التي أدت إلى دفع تكاليف الاقتراض إلى أعلى مستوياتها منذ عقود.
ويأتي هذا التدخل عن طريق عمليات السوق المفتوحة، وهي المعاملات التي تسمح للبنك المركزي بتوفير أو سحب السيولة النقدية قصيرة الأجل مقابل الأوراق المالية من المقرضين.
وعلى غير العادة خلال فترة ارتفاع أسعار النفط تواجه البنوك العاملة بالبلاد نقصا في السيولة حيث أدى الارتفاع السريع في الإقراض الذي لم يقابله نمو الودائع إلى احتياجات أكبر للأموال.
ويبدو أن التدفق المتوقَّع للودائع الحكومية من إيرادات النفط الخام المرتفعة لم يتحقق، كما أنَ ضخ السيولة السابق من قبل المركزي قدّم راحة مؤقتة للبنوك.

وكان البنك المركزي قد ضخ في يونيو الماضي نحو 50 مليار ريال (13 مليار دور) في القطاع المصرفي كودائع في البنوك التجارية، في محاولة منه لتخفيف أسوأ أزمة سيولة منذ أكثر من عشر سنوات.
وقالت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هوياتها لأن المعلومات خاصة، إن "السلطة النقدية كثّفت استخدامها لعمليات السوق المفتوحة خلال الأسابيع القليلة الماضية لمعالجة المشكلة".
وأوضحت أن جهود المركزي ساعدت على استقرار أسعار الفائدة على الأموال التي تفرضها البنوك المحلية للاقتراض من بعضها، رغم أنَها ما تزال بالقرب من مستوى قياسي مرتفع.
ولم تكشف المصادر عن حجم الأموال التي ضخها البنك المركزي في النظام المالي.
ويحاول صانعو السياسة النقدية اتباع نهج جديد بعد أشهر من تعرّض السيولة المصرفية لضغوط غير مسبوقة، بعد أن تجاوز التوسع في الإقراض نمو الودائع، فضلا عن الزيادات الأربع المتتالية في الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس للحفاظ على ربط الريال بالدولار.
ويرى المحلل إدمون كريستو في بلومبرغ إنتليجنس أن العمليات الصغيرة لضخ البنك المركزي للنقد تمثل حلا مؤقتا لأزمة السيولة الهيكلية التي تواجهها البنوك.
وتخلف نمو الودائع المصرفية عن توسع الائتمان بالسعودية، المدفوع إلى حد كبير بازدهار الرهون العقارية، وضغط ذلك على أسواق المال نتيجة حجب الحكومة أرباحها النفطية كجزء من نهج أكثر تحفظا للإنفاق المالي.
وقالت المحللة ليا الحاج إنه “لا ينبغي أن يُنظر إلى البنك المركزي السعودي على أنَّه المصدر الرئيسي للتمويل".
وأضافت “يجب أن تشجع سياسته البنوك على الاعتماد على مصادر تمويل أكثر استدامة مثل الاستفادة من أسواق رأس المال وتوريق الرهون العقارية".
وأدى ضخ الأموال بداية الصيف الماضي بخصم على سعر الفائدة السائد بين البنوك السعودية (السايبور) لأجل ثلاثة أشهر إلى تخفيف ظروف السيولة خلال الصيف قبل أن تضيق مرة أخرى.
لكن ضغوط التمويل تصاعدت في الشهر الماضي، إذ بلغ السايبور لأجَل ثلاثة أشهر ذروته عند مستوى قياسي يقل قليلا عن ستة في المئة مع أواخر أكتوبر الماضي.
ومنذ ذلك الحين، انخفض بمقدار نصف نقطة تقريبا، حتى بعد أن اتبع المركزي السعودي الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) مرة أخرى في نوفمبر ورفع أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس.
وتظهر المؤشرات أن المعدل انخفض إلى نحو 5.37 في المئة الخميس الماضي، وهو الأدنى منذ الثالث والعشرين من أكتوبر الماضي.
ويرى الخبير الاقتصادي فاروق سوسة من غولدمان ساكس أنَ معدلات الفائدة المرتفعة مسؤولة جزئيا عن ارتفاع أسعار السايبور، لكن الضغوط التي تعانيها السيولة المحلية تزيد الأمر سوءا.
ويقول إن البنوك في السعودية تتنافس بقوة على حصتها في السوق من خلال التوسع الهائل في الإقراض، الذي يزداد بمعدل يتجاوز بكثير نمو الودائع.
وتحاول السلطات ضبط تكلفة الأموال للبنوك لأنَ أزمة السيولة تهدد بتقويض القدرة على تمويل مشاريع بالمليارات من الدولارات.
وتخطط السعودية لإقامة مشاريع بقيمة تتجاوز 400 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة، وهي جزء من خطة تحوّل للتنويع الاقتصادي بعيدا عن النفط.
وفي وقت سابق هذا العام حذرت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني من مخاطر تباطؤ نمو الإقراض في السنة المقبلة إذا لم يتدخل البنك المركزي للدعم بسيولة إضافية.
وقال خبراء الوكالة في مذكرة إن "معدلات الفائدة المرتفعة بين البنوك يمكن أن تتغلغل في جميع أنحاء الاقتصاد من خلال زيادة تكلفة الاقتراض على المستهلكين والشركات".
ويشهد النظام المصرفي في البلاد ضغوطا لم يمر بها إلا خلال فترات انهيار أسعار النفط أو الأزمات العالمية مثل أزمة الائتمان في عامي 2008 و2009.
◙ السعودية تخطط لإقامة مشاريع بقيمة تتجاوز 400 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة وهي جزء من خطة تحوّل للتنويع الاقتصادي بعيدا عن النفط
وعلى النقيض من ذلك، تسير الحكومة هذا العام على المسار الصحيح لتحقيق أول فائض في الميزانية منذ حوالي عقد من الزمن، بعد زيادة الإيرادات بفضل ارتفاع أسعار النفط فوق 100 دولار وزيادة الإنتاج.
وحاولت البنوك السعودية التأقلم من خلال زيادة رأس المال في السوق والاستفادة من استقطاب المزيد من "الودائع بفوائد".
وأصدر مقرضون من بينهم مصرف الراجحي وبنك الرياض ديونا بنحو سبعة مليارات دولار هذا العام، وهو مبلغ مماثل لنظرائهم في الإمارات العربية المتحدة، ولكن بعلاوة مخاطر أكبر.
ويتساءل محللون ما إذا كان التدخل الأخير سيترك بصمة أكثر استدامة في السوق ما بين البنوك المحلية، وسط إقدام الاحتياطي الأميركي على المزيد من الرفع لأسعار الفائدة.
ويخطط المركزي الأميركي لرفع الفائدة القياسية بمقدار 50 نقطة أساس في اجتماعه الأخير لهذا العام المقرر في منتصف هذا الشهر.
ويعتقد طارق فضل الله رئيس قسم الشرق الأوسط لدى نومورا أسيت مانجمنت أنّ زيادة سعر السايبور مدفوعة بالطلب القوي، لذا فإنَّ ضخ السيولة من قبل البنك المركزي السعودي سيساعد.
إلا أنه أشار إلى أن البنوك قد تحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى جذب ودائع كبيرة من القطاع الخاص للحفاظ على الوتيرة الحالية للإقراض.
وخلال العام الذي تفشت فيه الجائحة ضخ المركزي السعودي سيولة تزيد عن 26 مليار دولار في البنوك لتغطية التكاليف، ومن بينها تأجيل سداد قروض الشركات الصغيرة المتضررة من الجائحة.