على أعتاب عصر الكسالى

مع مضي الأيام متثاقلة وفقدان مجريات الحياة اليومية معناها، بسبب الأزمات الاقتصادية وتردي الأوضاع المعيشية والاجتماعية في الأوطان العربية، فإن أسوأ ما أصاب الأجيال هو الإحساس الدائم بالتعب الشديد والإرهاق النفسي، حتى لو لم يقم أغلبهم بأي جهد أو عمل، إلى درجة أن تنفيذ مهمة صغيرة بات بالنسبة إلى الكثيرين اختباراً ثقيلاً، يفوق قدرتهم على التحمل، علاوة على أن مجرد الطلب منهم القيام بعمل بسيط كغسل بعض الأطباق أو حتى تنظيف أسنانهم يتركهم متوترين ومنزعجين إلى أبعد الحدود، والأسوأ من ذلك أن مثل هذا الأمر قد يقف عائقا أمام تحقيق أهدافهم في الحياة العملية والشخصية.
لاحظت خلال زيارتي الأخيرة إلى تونس أن الكثير من أقاربي من الجيل الشاب قد أصبحت لديهم جملة "أنا متعب" مرادفا لما يختزنونه من مشاعر سلبية تجاه كل شيء، كما أنهم لا يكترثون للوقت الذي يهدرونه في أغراض لا تتعلق البتة بالأمور النافعة، كالعمل أو الدراسة أو المطالعة وممارسة الأنشطة الرياضية.
البعض منهم يضحي بساعات نومه في سبيل توفير الوقت لـ"التسكع" على مواقع التواصل الاجتماعي أو مشاهدة مقاطع الفيديو حتى وقت متأخر من الليل، ما يقلص بؤرة تركيزه على الأسرة أو الراحة أو الاستمتاع بالأنشطة اليومية، ما يجعله يشعر بالإرهاق. وربما هناك من يعقد العزم على أن يكون غده مختلفا، لكن حين يأتي الغد يجد نفسه في الروتين اليومي ذاته، فتصبح حياته أشبه بنفق مظلم؛ فحين يقع في فخ الشعور بالإنهاك نتيجة الانغماس حتى أذنيه في متابعة ما يجري في العالم الافتراضي، يصعب عليه توزيع عبء المهام اليومية بالشكل أو الوقت المناسبين، فيشعر بالقلق، بل وبتأنيب الضمير، وبدلا من الإدارة الحكيمة للوقت والإنتاجية الجيدة يحدث العكس تماما.
وغالبًا ما تُستخدم عبارة "متعب" لوصف الحالة الجسدية إثر القيام بعمل شاق أو بذل جهد فكري أو عضلي في الحياة اليومية، لكن يبدو أننا أصبحنا نعيش في عصر مليء بالأشخاص الكسالى الذين يلازمهم الخمول، مما ساهم في انتشار ظاهرة الكسل الجسدي والفكري الشبيهة بالوباء الذي يحاصر الأجيال بدلا من أن يأخذ بيدها؛ لأنه يتسبب في جعل أفراد هذه الأجيال يخلطون بين التعب في العمل لتحقيق الأهداف التي يطمحون إليها في حياتهم، وحالة الكسل التي تعد شبيهة بالإستراتيجية العاطفية المُضللة، والتي تجعلهم يتذرعون بالوهن في كل مهمة توكل إليهم، وقد تفضي هذه الإستراتيجية إلى الشعور بالراحة على المدى القصير، بينما تقود في واقع الأمر إلى خلق المشكلات ومراكمتها، كي يواجهها الشخص في ما بعد، فتؤثر بشكل سلبي على حياته وكذلك على علاقته بالمحيط الذي يعيش فيه.