انكفاء أميركي في شمال سوريا يترك الأكراد بمفردهم في مواجهة تركيا

يفتح الانكفاء الأميركي في شمال سوريا الباب أمام عملية عسكرية برية ضد الأكراد يتوعد بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ مدة. ويبدو أن التفاهمات الأميركية – التركية قد نضجت على غرار نظيرتها الروسية.
القامشلي (سوريا) - تؤشر التحركات الميدانية الأميركية في شمال سوريا على تفاهمات مسبقة منحت تركيا ضوءا أخضر لعملية اجتياح بري للمنطقة يهدد بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ فترة، وهو ما يترك الأكراد بمفردهم في مواجهة مصيرهم.
وأفادت تقارير إعلامية أميركية الأربعاء أن الولايات المتحدة أجلت جميع الموظفين المدنيين الأميركيين، بمن فيهم الدبلوماسيون، من شمال وشرق سوريا إلى عاصمة إقليم كردستان العراق، في ظل تواصل التصعيد العسكري بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) الكردية.
ويأتي ذلك بعد أن أعلنت وزارة الدفاع الأميركية الثلاثاء تقليص عدد دوريات جنودها مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في الشمال السوري.
العملية العسكرية ستكون عبر مراحل، الأولى تشمل منطقة تل رفعت، والمراحل التالية تشمل مدينتي عين العرب ومنبج
وأوضح الناطق باسم الوزارة باتريك رايدر، في مؤتمر صحفي، أن واشنطن تتفهم مخاوف أنقرة الأمنية، مبينا في الوقت نفسه أن الولايات المتحدة تشعر بالقلق إزاء العمليات العسكرية التركية في الشمال السوري.
ويفتح الانكفاء الأميركي المفاجئ في شمال سوريا الباب مجددا أمام احتمال قيام الجيش التركي قريبا بعملية واسعة النطاق ضد قوات سوريا الديمقراطية والتي لطالما اعتمدت على الطرفين الأميركي والروسي لدرء أي خطر تركي يتهددها.
وتعد الولايات المتحدة التي تحتفظ بوجود في شمال سوريا، من أبرز الداعمين لقسد، التي كانت بمثابة الذراع البرّية للتحالف الدولي ضد داعش. وتجد قسد نفسها بين فترة وأخرى في مواجهة التهديد التركي، فهي بنظر أنقرة تشكل خطرا على الأمن القومي التركي، كونها مرتبطة بحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا إرهابيا.
وتشير مصادر إلى أن العملية العسكرية التركية الجديدة في شمال سوريا ستكون عبر مراحل، الأولى منها قد تبدأ خلال أيام وتشمل منطقة تل رفعت، والمراحل التالية لاحقا تشمل مدينتي عين العرب ومنبج.
وقالت المصادر إن قوات النظام السوري قد تنسحب من هذه المنطقة في حال استكمال التفاهمات التركية – الروسية حول تل رفعت.
وأكد مصدر مطلع أن تركيا تشترط لوقف عمليتها البرية في شمال سوريا، انسحاب قوات قسد ومؤسساتها كافة من مدن عين العرب ومنبج وتل رفعت في ريف حلب، وتسليم المنطقة إلى القوات الروسية، وعودة جيش النظام السوري إليها.
وقال المصدر لموقع “تلفزيون سوريا” إن الجنرال الروسي ألكساندر شايكو نقل المطالب التركية لقائد قسد مظلوم عبدي خلال اجتماع في القامشلي، مضيفا أن “العرض الروسي لقسد هو الأخير ولن تستطيع روسيا وقف الهجوم في حال بدء العملية التركية”.
وتشير مصادر مطلعة إلى أن روسيا أيضا لا تعارض عملية برية تركية في شمال سوريا. وأفادت المصادر أن أنقرة وموسكو تفاوضتا بشأن عملية برية محدودة في تل رفعت.
ومنطقة تل رفعت تُعتبر مهمة بسبب موقعها الإستراتيجي المحصور بين القوات الحكومية التركية وقوات الرئيس السوري بشار الأسد، وقد أصبحت في بعض الأحيان نقطة إحباط لأنقرة بسبب الهجمات القاتلة المتكررة على مواقعها.
وذكر مصدر رسمي تركي رفض الكشف عن اسمه الأربعاء أن أنقرة اتخذت كل التحضيرات العسكرية واللوجستية اللازمة لتنفيذ العملية العسكرية شمال سوريا.
قوات النظام السوري قد تنسحب من هذه المنطقة في حال استكمال التفاهمات التركية – الروسية حول تل رفعت
وأضاف المصدر الرسمي التركي “العمليات العسكرية ستنفذ بشكل دقيق، ودون أي تهديد لسلامة القوات الأميركية والروسية”، لافتا إلى أن “المرحلة الأولى من العمليات العسكرية هدفها السيطرة على تل رفعت ومنبج وعين العرب”.
ويأتي هذا في وقت أكد فيه قائد قوات سوريا الديمقراطية عبدي وجود تعزيزات تركية غير مسبوقة على الحدود واستنفار لفصائل الجيش السوري الحر الموالي لأنقرة.
ومنذ الأسبوع الماضي تستمر الضربات الجوية التركية بواسطة الطيران الحربي والمسيرات بشكل متقطع في شمال وشمال شرق سوريا. واستهدفت بشكل رئيسي مواقع لقوات سوريا الديمقراطية، وطالت أيضا مواقع لقوات النظام السوري الذي ينتشر عناصره في مناطق سيطرة الأكراد بموجب اتفاقات مسبقة كان هدفها منع التمدد التركي.
وكان الجيش التركي قد شنّ 3 عمليات واسعة النطاق في شمال سوريا. العملية الأولى كانت ضد داعش، وبدأت في منتصف 2016 وانتهت مطلع عام 2017 بالسيطرة على مجمل ريفي حلب الشمالي والشمالي الشرقي.
والعملية الثانية كانت في مطلع عام 2018 ضد الوحدات الكردية في منطقة عفرين، في ريف حلب الشمالي الغربي، وانتهت بطرد هذه الوحدات من المنطقة التي باتت تحت النفوذ التركي. وحصلت العملية الثالثة في أكتوبر 2019 ضد قسد، والتي انتهت سريعا مع سيطرة الأتراك على شريط حدودي في شرق الفرات، بطول مئة كيلومتر وعمق 33 كيلومترا.