تنامي ظاهرة أطفال الشوارع يقلق الحكومة التونسية

تشير الإحصائيات الرسمية في تونس إلى تزايد انتشار ظاهرة أطفال الشوارع خلال السنوات الأخيرة ما يزيد العبء على الحكومة التي تسعى جاهدة إلى تطويقها. ويرجع خبراء علم الاجتماع ارتفاع نسبة أطفال الشوارع إلى تعرض عدد كبير من الأطفال لأقسى أنواع العنف، وإجبارهم على العمل في سن صغيرة. وترتبط نسبة من أطفال الشوارع بعائلاتهم بينما هناك فئة ثانية منهم لا يعرف نسبها.
تونس ـ لا يقضي صابر طفل الـ10 أعوام يومه مثل باقي أترابه، فهو لا يلهو ولا يمرح.. لا يعرف معنى اللعب ولم تطأ قدماه المدرسة يوما.هندامه رث وشعره أشعث، كلامه ليس كلام طفل في مثل عمره، يتوسل إليك حتى تشتري منه علبة أوراق مناديل، يقنعك بأنه في أمس الحاجة إلى المال فإن اشتريت منه شكرك، وإن لم ترغب في ذلك ونهرته أسمعك وابلا من الشتائم.
في الناحية الأخرى طلفة لا تكبره سنا تحمل أوراقا كتبت عليها آيات قرآنية وأدعية تضعها بجانب الركاب المتواجدين في محطة النقل أو داخل الحافلة توزعها عليهم ثم تعود إليهم لتجمع منهم ما تيسر من المال.
ولا تختلف حياة باقي رفاق الطفلين عنهما فهم يقضون كامل يومهم في الشارع، ولا يخلدون إلى النوم إلا في ساعة متأخرة من الليل، هذا طبعا إن كان لهم مأوى، حيث أن أغلب أطفال الشوارع ليست لهم عائلات، حتى إن كانوا ممن يملكون أسرة، فعدد ليس بالقليل من الأسر ترغب في التفريط في أبنائها لقلة ذات اليد، ما يمثل عبئا إضافيا على الحكومة.
وفي تصريح لإذاعة خاصة، كشف أشرف السعيدي رئيس قرية “آس أو آس” المحرس بمحافظة (ولاية) صفاقس (جنوب) أن عدد الأطفال المشردين في شوارع تونس بلغ سنة 2019 أكثر من 17 ألف طفل، في حين بلغ عدد العائلات الراغبة في التفريط في أبنائها بسبب الظروف الصعبة التي تعانيها حوالي 4300 عائلة، وهو عدد الإشعارات التي تلقاها مندوبو حماية الطفولة سنة 2019.
وأثبتت دراسة أعدت في الغرض أن ارتفاع نسبة أطفال الشوارع هو نتيجة طبيعية لما تعانيه نسبة كبيرة من الأطفال في تونس، حيث أظهرت هذه الدراسة أن 94 في المئة من بين الأطفال الذين يتراوح عمرهم بين السنتين وأربعة عشر عاما يتعرضون لأقسى أنواع العنف، كما يجبر 3 في المئة منهم على العمل.
وقال الدكتور في علم الاجتماع طارق بلحاج إن الإشكالية تكمن في صعوبة تحديد هذه الفئة، خاصة فيما يتعلق بفئة الأطفال المرتبطين بعائلاتهم حيث أن العديد منهم يعملون لحساب أسرهم تحت إشراف أحد الوالدين. وهناك منهم من ينحدر من عائلات محتاجة وكبيرة العدد، وعادة ما يدفع بهم الأهل إلى الشارع، إما من أجل التخلص من عبئهم أو من أجل دفعهم إلى العمل و”تحسين دخل” الأسرة.
وأضاف أن هناك فئة ثانية من الأطفال الأيتام لا يعرف نسبهم أو توفي أولياؤهم أو قبعوا في السجن وشبوا في الشارع دون أن يعرفوا ماضيهم الأسري والاجتماعي.
وفي حالات نادرة فقد يكون هؤلاء الأطفال من الذين تم خطفهم من أهلهم لاستغلالهم كعمال أو للتسول أو لشبكات الجريمة المنظمة. غير أن القاسم المشترك بينهم جميعا هو عدم الالتحاق بالمدرسة أو الانقطاع المبكر عنها.
وأشار بلحاج إلى أن هؤلاء يمثلون طاقة اجتماعية ضائعة ويشكلون خطرا داهما على أنفسهم وعلى المجتمع بسبب ما يتعلمونه من سلوكيات منحرفة. فالمعاناة النفسية والاجتماعية والصحية وعيشهم على هامش المجتمع يجعل منهم فريسة سهلة للجنوح والانحراف. كما أن إحساسهم الدائم بالحرمان والغبن والتهميش والقهر يدفعهم إلى تطوير إستراتيجيات مدمرة في مواجهة ذويهم وغيرهم من الناس. ويلعب الإدمان وتناول الكحوليات والمخدرات دورا مهما في ذلك، وقد يسقطون أيضا في شبكات الدعارة والجريمة المنظمة.
94
في المئة من بين الأطفال الذين يتراوح عمرهم بين السنتين وأربعة عشر عاما يتعرضون لأقسى أنواع العنف
وقال بلحاج إنه رغم التشريعات التقدمية الحامية للأطفال في تونس فإن الدولة تتجاهل ظاهرة أطفال الشوارع التي ما فتئت تتزايد باستمرار. وفي الوقت الذي يشير فيه المتحدث إلى أن الدولة تتكفل برعاية بعض العشرات من أولئك الأطفال، بالتعاون مع فعاليات المجتمع المدني، فإن الكثيرين منهم يبقون عرضة لمصيرهم المحتوم، دون أي رقابة أو رعاية، رغم زيادة عددهم.
ووضعت الحكومة التونسية برنامجا خصوصيا ونموذجيا للتعهّد والإيواء النهاري للأطفال في وضعيّة الشارع سواء كانوا أطفالا تونسيين أو أجانب غير مصحوبين يبدأ تنفيذه في يناير القادم.
وأكدت وزارة المرأة والطفولة وكبار السن ، في بلاغ لها، أن اتفاقية شراكة سيتم توقيعها خلال الأيام القليلة القادمة بين الوزارة والجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل بعد تكوين لجنة قيادة مشتركة وتحديد مشمولات كل طرف في تنفيذ مكونات هذا البرنامج النموذجي.
وأبدت وزيرة المرأة والأسرة آمال بالحاج موسى، خلال لقاء جمعها برئيس الجمعية معز الشريف، استعدادها لتنفيذ هذا البرنامج النموذجي عبر تخصيص ثلاثة مركبات طفولة في ولايات تونس الكبرى، كمرحلة أوّلية في انتظار توسيع البرنامج بعد تقييمه والنظر في مردوديّته ونتائجه.
برنامج التمكين الاقتصادي لأمهات التلاميذ المهدّدين بالانقطاع المدرسي سيتم تنفيذه كإجراء وقائي للأطفال الذين يغادرون المدرسة لأسباب اقتصاديّة
وأفادت بأنّ الوزارة تعتمد مقاربة شاملة لمقاومة ظاهرة الأطفال في وضعية الشارع للتصدّي لهذه الظاهرة والتوقيّ من تداعياتها السلبيّة على الأطفال، مستعرضة أهمّ الآليات التي وضعتها في المجال لاسيّما الانطلاق في إعداد خطة وطنيّة متعدّدة القطاعات وإنجاز دراسة تهمّ “ظاهرة الأطفال والتسوّل”، إلى جانب تنفيذ برنامج التمكين الاقتصادي لأمهات التلاميذ المهدّدين بالانقطاع المدرسي وذلك كإجراء وقائي للأطفال الذين يغادرون المدرسة لأسباب اقتصاديّة.
واعتبر رئيس الجمعيّة معز الشريف أنّ البرنامج يقوم على التعهّد اليومي بالأطفال في وضعيّات حرجة وإعادة إدماجهم، مع ضمان التكوين اللازم للإطارات التربوية وإطارات الجمعيّة وتجهيز هذه الفضاءات بالتعاون مع الشركاء المانحين لتكون فضاءات جذّابة تستقطب الأطفال في وضعية الشارع وتعمل على إعادة تأهيلهم.
وأكّد معز الشريف ضرورة تكريس حقّ المشاركة لدى الأطفال في المؤسسات التربويّة لخلق جيل جديد مندمج في المجتمع وواعي بقيم المواطنة وقادر على تحمّل المسؤوليّة وإدراج المواد المتعلقّة بحقوق الطفل في المناهج التعليميّة.
ورغم الاختلاف حول تعريف أطفال الشوارع إلا أن ذلك يفضي إلى حقيقة واحدة وهي أنهم فئة اجتماعية خاصة لا يعيشون مثل أقرانهم، ففي الوقت الذي يزاول فيه الآخرون دراستهم يشتغل أطفال الشوارع لكسب قوت يومهم، وفي الوقت الذي يحاط غيرهم بالرعاية والاهتمام من قِبل عائلاتهم لا يجد هؤلاء الأطفال أي سند عائلي ولا اجتماعي.