الغنوشي يمثل مجددا أمام القضاء في ملف تسفير الجهاديين لبؤر التوتر

تونس - مثل رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي مجددا الاثنين أمام قاضي التحقيق المتخصص بقضايا الإرهاب، لاستجوابه في قضية تتعلق بتهم "تسفير جهاديين" من تونس إلى سوريا والعراق، وفق ما أفاد محامي الدفاع المختار الجماعي.
وهذا الملف أعيد فتحه بعد التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيّد في الخامس والعشرين من يوليو من العام الماضي، وهي التدابير التي رفعت الغطاء السياسي والحصانة عن أضلاع منظومة الحكم السابقة التي يتهمها سعيّد بالفساد.
ويأتي التحقيق مع الغنوشي في قضية تسفير جهاديين إلى بؤر التوتر بينما ينفي هو أي مسؤولية له ولحركته في هذا الأمر، ويعتبر الاتهامات الموجهة إليهما "كيدية وسياسية"، فيما أجّلت هيئة قضائية مختصة في قضايا الفساد المالي إلى العام القادم جلسة تحقيق لم يحضرها الغنوشي في القضية المعروفة إعلاميا بملف "أنستالينغو".
واستُدعي رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان المنحل في التاسع عشر من يوليو الماضي للتحقيق معه في القضية المتعلقة بتبييض الأموال والفساد. ونفى حزب النهضة التّهم الموجّهة لزعيمه.
وكان القضاء التونسي أصدر في السابع والعشرين من يونيو قرارا بمنع سفر الغنوشي في إطار تحقيق في اغتيالات سياسية تمّت في 2013، وهي التي تشمل السياسي اليساري المعارض شكري بلعيد والنائب محمد براهمي، وهي أول عمليتي اغتيال سياسي تشهدها تونس منذ سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، وتمتا في الفترة التي كانت حركة النهضة تقود ترويكا الحكم.
وبدأ التحقيق مع الغنوشي (81 عاما) ونائبه رئيس الحكومة السابق علي العريّض في هذه القضية في الحادي والعشرين من سبتمبر الماضي، في الوحدة الوطنية للبحث في جرائم الإرهاب بالعاصمة، وتم استجوابه لساعات طويلة قبل أن يقرر القاضي تحديد تاريخ الاثنين لدعوته مجددا.
وقد نفى التهمة الموجهة إليه، وقال في وقت سابق إنها "محاولات لإقصاء خصم سياسي" من قبل الرئيس قيس سعيّد.
وشهدت تونس إثر انتفاضة 2011 توجه عدد كبير من الجهاديين، قدّرتهم منظمات دولية بما بين 5 و6 آلاف، للقتال في بؤر التوتر في سوريا والعراق وليبيا. ووجهت انتقادات شديدة لحركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية واتهامات بأنها سهّلت سفرهم إلى هذه الدول خلال تواجدها في الحكم، وهو ما تنفيه الحركة.
وكان جهاديون تونسيون اعتقلتهم سوريا قد أقروا في اعترافات بثتها وسائل الإعلام السورية الرسمية، وكذلك في برنامج حول الجهاديين المغاربة الذين التحقوا بصفوف داعش بثته قناة "الشروق الجزائرية"، بأنهم لم يواجهوا أي صعوبات خلال رحلة سفرهم من تونس إلى طرابلس التي شكلت نقطة تجمع أساسية خلال فترة الحكم الانتقالية، التي هيمن عليها الإسلاميون وكانت تدعمها ميليشيات فجر ليبيا، ومنها إلى مطار إسطنبول الدولي ومنه إلى بؤر التوتر.
وأشاروا إلى أنهم تلقوا كذلك تسهيلات أو تغاضيا من قبل السلطات التركية في رحلة العبور إلى الأراضي السورية.
لكن مصادر من جماعات إسلامية اعتبرت أن اعترافاتهم انتزعت تحت التعذيب، وشككت في صدقية الروايات والشهادات التي بثتها وسائل الإعلام السورية الرسمية.
وبدأت التحقيقات في قضية تسفير جهاديين لبؤر التوتر بعد الخامس والعشرين من يوليو 2021، إثر الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس التونسي وعزل بموجبها منظومة الحكم السابقة بحل الحكومة وتجميد عمل البرلمان قبل حله نهائيا.
وكانت السلطات التونسية أعلنت أنّ قضاء مكافحة الإرهاب أمر بتجميد الأرصدة المالية والحسابات المصرفية لعشر شخصيات، من بينها الغنوشي ورئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي.
ويتعرّض قيس سعيّد لانتقادات شديدة من المعارضة، بسبب الدستور الجديد الذي تم إقراره إثر استفتاء شعبي في الخامس والعشرين من يوليو الماضي، وغيّر فيه النظام السياسي في البلاد من شبه برلماني إلى رئاسي، بعدما منح الرئيس صلاحيات تنفيذية واسعة.
واتهمت المعارضة، لاسيما حزب حركة النهضة والائتلاف السياسي الذي أطلق على نفسه اسم "جبهة الخلاص" وكذلك منظمات حقوقية، الرئيس التونسي بإقرار دستور مفصّل على مقاسه وبممارسة تصفية حسابات سياسية ضدّ معارضيه عبر مؤسسات الدولة والقضاء، بينما يؤكد هو أن الإجراءات التي اتخذها تصحيح لمسار الثورة وإنقاذ للبلاد من الانهيار، مؤكدا أيضا أن القضاء مستقل.