العودة إلى استخدام الأخشاب والاستحمام الجماعي حلول غربية لمواجهة أزمة الطاقة

الأوروبيون بدأوا يشعرون بتأثيرات استمرار العملية العسكرية الروسية على جيوبهم وعلى غرف منازلهم شديدة البرودة.
الاثنين 2022/11/21
الحرب أدت إلى حدوث انقسامات تثير القلق حول دعم أوكرانيا

مونتروسو ال ماري (إيطاليا) - مع اقتراب فصل الشتاء بما يحمله من برودة قاسية، بدأ سكان الاتحاد الأوروبي يتلفتون حولهم، بحثا عن طرق جديدة ومبتكرة تحميهم من البرد وربما التجمد، مع استمرار أزمة الطاقة المستعصية، نتيجة الأزمة الروسية – الأوكرانية.

ومنذ أن قطعت روسيا التي تعد أكبر مورد للغاز الطبيعي لأوروبا، إمدادات الغاز عن معظم الدول الأوروبية ، ردا على دعمها لأوكرانيا، قفزت أسعار الطاقة إلى مستويات غير مسبوقة، في جميع العواصم الأوروبية، من لندن إلى وارسو.

وذكرت صحيفة لوس أنجلس تايمز أنه طوال فصل الصيف سارعت هذه الدول إلى ملء مخزونها الاحتياطي عن طريق زيادة تدفقات الوقود من النرويج، واستيراد شحنات من الغاز الطبيعي المسال من أميركا الشمالية وأفريقيا، وأدت هذه الخطوة بالإضافة إلى الدفء غير العادي الذي ساد في فصل الخريف، إلى إتاحة قدر من الارتياح، وتراجعت إلى حد كبير الحاجة إلى معدات التدفئة، كما انخفضت أسعار الطاقة مؤخرا في الأسواق العالمية.

ومع ذلك، فإن الأنشطة الاقتصادية الصغيرة والأسر أيضا لم تستفد من تراكم احتياطيات الغاز، وربما لن تتحقق هذه الاستفادة، حيث تتجه أوروبا الجائعة للطاقة، صوب شتاء مظلم طويل بينما تحذر الحكومات من حدوث نقص في إمدادات الطاقة لسنوات قادمة.

ويقول جراهام ويله أستاذ اقتصاديات الطاقة بجامعة الرور بخوم في ألمانيا، والذي شغل سابقا منصب كبير الاقتصاديين بشركة (آر.دبليو.إي)، وهي إحدى كبريات شركات الطاقة الأوروبية، “لم نشهد من قبل على الإطلاق مثل هذا الوضع، ونحن صرنا في وضع جديد علينا، والطاقة التي كانت سلعة أساسية أصبحت الآن من سلع الترف”.

منذ أن قطعت روسيا إمدادات الغاز عن معظم الدول الأوروبية، قفزت أسعار الطاقة إلى مستويات غير مسبوقة

وأدت الأزمة إلى حدوث انقسامات تثير القلق، حول دعم أوكرانيا في الوقت الذي تتواصل فيه مجريات الغزو الروسي، بينما يشعر سكان الدول الأوروبية ، بتأثيرات استمرار العمليات العسكرية على جيوبهم، وعلى غرف منازلهم شديدة البرودة.

ففي العاصمة التشيكية براغ تظاهر 70 ألفا مؤخرا، رافعين لافتات تقول “جمهورية التشيك أولا”، وطالب المحتجون وهم من ائتلاف من أقصى اليمين، بأن تتوقف حكومتهم عن تزويد أوكرانيا بالسلاح، وتوقيع اتفاق جديد مع روسيا حول الغاز، والمطالبة أيضا باستقالة رئيس الوزراء بيتر فيالا المنتمي إلى تيار يمين الوسط.

ومن تداعيات أزمة الطاقة أن الدول الأوروبية التي كانت تتعاون معا بشكل وثيق في مجال التجارة، بدأت تشهد خلافات بينها، وعلى سبيل المثال تواجه ألمانيا وهي أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، انتقادات لتمريرها حزمة دعم بقيمة 199 مليار دولار، لمساعدة مواطنيها على تحمل الأزمة، بينما تتردد في الانضمام إلى فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى في التوقيع على أول سقف يضعه التكتل الأوروبي لسعر الغاز.

وتصف كلوديا كيمفرت الخبيرة في اقتصاديات الطاقة بالمعهد الألماني للبحوث الاقتصادية، الاحتاجاجات بالشوارع وفي الاجتماعات السياسية على أنها جزء من اتجاه أوسع نطاقا، بشأن “كيفية استخدام الطاقة كأداة في الحرب الجيوسياسية”.

وتقول وهي تتحدث عن صراعات الطاقة “هذه هي أسوأ أزمة نواجهها منذ الحرب العالمية الثانية، إننا نقوم ببعض الأشياء بشكل جيد، مثل الوقوف صفا واحدا أمام روسيا، والاستعداد للحصول على احتياجاتنا من الوقود الأحفوري، على المدى القصير من دول أخرى غير روسيا، ولكننا نستطيع أن نفعل أكثر من ذلك، لأن اعتمادنا على أنواع محدودة للغاية من الطاقة مرتفع للغاية”.

وفي قارة تعد استخدامات الفرد فيها من الطاقة من بين أعلى المعدلات في العالم، وإن كانت تبلغ نصف الاستخدامات المسجلة في الولايات المتحدة، نجد أن الحكومات والسكان تصرفوا بطرق تجميلية، وغير عادية وفي بعض الحالات مبالغ فيها للتعامل مع الأزمة.

وفي سويسرا ، واجهت وزيرة الطاقة انتقادات حادة مؤخرا، عندما اقترحت أن يستحم السكان معا لتوفير الطاقة، وتراجعت الوزيرة سيمونيتا سوماروجا في ما بعد عن اقتراحها، وقالت إنه “بعد سن معين، لا يكون الاستحمام معا مناسبا لكل شخص”.

وفي باريس لجأ كبار المسؤولين بالحكومة إلى الظهور في المناسبات العامة، وهم يرتدون جواكيت ثقيلة منتفخة، وسترات بياقات مستديرة تغطي الرقبة طلبا للدفء، وهذه الياقات هي الخيار المفضل للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وتحظر المباني الحكومية الآن الماء الساخن في صنابير الحمامات، وبدأ المشرفون على برج إيفل إطفاء مصابيح الإضاءة فيه في وقت مبكر، بعد أن كانت مصابيحه مستمرة في الإضاءة حتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، كما قام كثيرون من المشرفين على المباني في باريس، الذين عادة ما يبدأون تشغيل أجهزة التدفئة في أول أكتوبر من كل عام، بتأجيل موعد التشغيل لمدة أسبوعين، ثم تأجيله مرة ثانية حتى أول نوفمبر.

البحث عن طرق جديدة
البحث عن طرق جديدة

ونظرا لعدم التيقن من توفر إمدادات الطاقة، لجأ المستهلكون والشركات إلى ابتكار حلول للأزمة، فمثلا بدأت بعض الشركات في إيطاليا التي تعد أكبر منتج للمنسوجات في أوروبا، في تصنيع بعض أجزاء المنتجات في تركيا، التي لا تزال تستقبل الغاز الروسي.

ومن ناحية أخرى لجأ بعض المستهلكين إلى التقنيات القديمة التي اندثرت استخداماتها، لتأمين موارد الطاقة.

ففي العام الماضي اشترت ساره ستنهاوس وزوجها منزلا تتم تدفئته بالوقود، بقرية برتيوا بالقرب من الساحل الجنوبي لفرنسا، وبعد أن شنت روسيا الحرب في أواخر فبراير الماضي، قرر الزوجان التحول إلى الكتل الخشبية المضغوطة التي تحترق ببطء، من أجل الحصول على الطاقة، واستثمرا 24 ألف دولار في تصميم نظام جديد للتدفئة، غير أن الكتل الخشبية أصبحت شحيحة بدورها، لأن الأخشاب تأتي من روسيا وبيلاروس وأوكرانيا.

ويقول ستنهاوس إنه وزوجته دفعا 3150 دولارا، مقابل أربعة أطنان ونصف الطن وهي الكمية التي يحتاجانها خلال فترة الشتاء، وهو مبلغ أكثر من ضعف الثمن المعتاد.

ورغم أن المصانع والشركات الصغيرة والأسر الفقيرة تشعر بوطأة آلام الأزمة، فإن الطبقات الميسورة لم تسلم هي الأخرى من تداعياتها، ومن مواجهة واقع جديد.

5