فيلم "المغفور له".. رحلة استشراقية لا تخلو من أفعال عنصرية

طبيب إنجليزي تنقلب حياته في رحلته الأخيرة إلى المغرب.
الأحد 2022/11/20
دراما متصاعدة وشخصيات ممزقة

ما تزال تلك البلاد الدافئة بشمسها الساطعة وصحرائها الممتدة تجتذب إليها باحثين عن متنفس وملاذ من أزماتهم، وما بين الشرق وأفريقيا هنالك متسع مكاني لطالما قدمته لنا شاشات السينما في إطار عملية اكتشاف أو دراما رحلات لا تخلو من المفاجآت، كما نرى في فيلم “المغفور له”.

ما بين الاكتشاف وسينما الرحلة يندرج فيلم “المغفور له” لتعززه دراما متصاعدة يتخللها ذلك النوع من الضياع وعدم الانتماء وحطام الشخصيات التي سوف تنعكس في البيئة التي يتم اكتشافها.

ها هما الزوجان ديفيد (الممثل رالف فينيس) وجو (الممثلة جيسيكا تشاستان) قد وصلا إلى أفريقيا من جهتها الشمالية عبر المغرب، وتحديدا إلى مدينة طنجة الساحلية، ها هما مثل أي مترفين قادمين للتجوال في متحف، وهما يعلنان أنها أفريقيا التي في انتظارهما.

لكن الأمر ما يلبث أن يصبح مغربيا خالصا، البيئة والشخصيات والأحداث، حيث ينضم الزوجان إلى ثلة من الأصدقاء من جنسيات متعددة الذين يمضون عطلتهم في الفيلا التي جهزها لهم صديقهم المشترك ريتشارد (الممثل مات سميث).

الجدل الإشكالي

الفيلم يثير الجدل الإشكالي الذي لا يكاد ينتهي بين الشرق والغرب والنظرة الاستشراقية المتعالية على كل شيء
الفيلم يثير الجدل الإشكالي الذي لا يكاد ينتهي بين الشرق والغرب والنظرة الاستشراقية المتعالية على كل شيء

من هنا تبدأ نظرة التعالي والاشمئزاز من وجهة نظر ديفيد تسود الفيلم في موازاة جوقة من المحطمين وفيهم المثليون، ومنهم من يجد المكان فرصة من أجل الخيانة الزوجية مع فيض من النميمة التي تحيط بالجميع.

ديفيد هو طبيب إنجليزي ملاحق بقضايا تتعلق بإهمال بعض المرضى، يعيش عالمه المتأنق والغارق في الأنانية فيما هو يحرص على ارتداء بدلاته الثمينة ذات اللون الأبيض مطلقا تعليقاته الاستفزازية تجاه كل شيء من حوله، فهو يسخر من الطقس ومن السجاد التقليدي الذي فرشت به الأرضيات قائلا “إنه الفن الهابط اللعين ممثلا في هذه النقوش”، مشيرا إلى زخارف السجاد ومن ثم السخرية من الطعام التقليدي – الطاجين المغربي – إلى غير ذلك.

وفي لقطات سريعة نتعرف على سواح يتحرشون بفتيات يعملن على خدمة الضيوف، هكذا في عبثية مطلقة ما تلبث أن تتطور لاحقا في رحلة طريق شاقة يخوضها الزوجان ديفيد وجو، لتنتهي بقتلهما صبيا كان يبيع التحف البسيطة على حافة الشارع فيصدمانه بسيارتهما المسرعة.

ديفيد الغارق في الكحول يجلب الضحية إلى الفندق لنشاهد حوارا شديد السذاجة والسطحية بين رجل الشرطة الذي يتستر على الجريمة، بتشجيع من المضيف ريتشارد بأن الأمر سوف تتم تسويته.

إذا كان ما شاهدناه ليس إلا تمهيدا لذلك الجدل الإشكالي الذي لا يكاد ينتهي بين الشرق والغرب والنظرة الاستشراقية المتعالية على كل شيء، فإن ما سيلي بعد ارتكاب الجريمة ومقتل الفتى إدريس هو التحول الجذري في هذه الدراما، وهنا سوف يغوص ديفيد عميقا في قاع لطالما سخر من هوامشه فكيف وهو يصل إلى عمقه.

يصل والد الطفل عبدالله (الممثل إسماعيل بوالقناطر) وهو ممثل مرموق ومتميز، مطالبا بتسلم جثة ابنه دريس، وخلال ذلك يتحدث إلى القاتل، بكلمات موجزة مطالبا إياه بضرورة حضور عملية الدفن كجزء من التقاليد الشائعة في قبيلته.

نهاية كارثية

ها نحن وسط أرض مقفرة وطرق ترابية تتلوى بعيدا ولا تلوح سوى سيارة الدفع الرباعي التي سوف تقل ديفيد إلى غرفة هي أشبه بالسجن، وخلال ذلك يتم دفن إدريس ومن ثم الإفراج عن ديفيد، وهو ما يثير تعجبه إذ كان مستعدا لدفع ما مقداره ألف يورو فدية.

وخلال ذلك يمضي المخرج في تتبع الشخصيات فالزوجة جو سوف تؤكد عدم ثقتها في ذلك الزوج وعدم وفائها له، ولهذا سوف تخونه حالما يختفي هناك مع القبيلة، وأيضا ثمة استعراضات سقيمة لشخصيات بعضها جاء ليعبر عن ميوله المثلية ومجرد ثلة صعاليك غارقين في السكر في كل ليلة.

ولنعد إلى والد القتيل عبدالله، فها هو يطلب من ابن أخيه الذي هو في عمر ابنه أن ينفذ ما يأمره به بسبب تقصيره في حماية ابن عمه.

لقطات ومشاهد للبلاد الغارقة في الشمس هي كافية لكي نعرف إلى أين نتجه، لكن الأمر بالنسبة إلى ديفيد سوف يتحول إلى أزمة كارثية، ففي الوقت الذي قصد فيه تلك البلاد لكي يتنمر ويلهو ويعبث ها هو محاصر بجريمة قتل وزوجة خائنة وفي بلاده هنالك مرافعات تنتظره، أما أولئك العبثيون المحيطون به الذين يملأون الفيلا فكل منشغل بشؤونه، لكن ما سنكتشفه عن شخصية ديفيد هو الذي سوف يفصح عنه صديق له بأنه متنمر وعدواني منذ كان شابا.

أبطال الفيلم شخصيات ممزقة تبحث عن خلاص، تتمرد الزوجة وينهار الزوج وتذهب المصائر إلى نهايات كارثية

وخذ عندك في المشهد المعروض على الشاشة لجبل وموسيقى مغربية ويظهر الشابان فيما يعلق ديفيد “انظري إليهم كأنهم حيوانات برية عابرة للقارات اُنظري كم يلتهمون من طعام”.

وخذ هذا التعليق “إنهم يعاملون نساءهم كالحمير” فترد عليه الزوجة غير الوفية “ليس عندك دليل ولا حالة واحدة تستطيع الاستناد إليها”.

ممزقون باحثون عن خلاص، تتمرد الزوجة وها هي تؤدي الرقصات بطريقة هيستيرية.

وحتى بعد حادثة صدم الشاب يعلق ديفيد “سوف يقولون إن الكفار تعدوا علينا” ويضيف “عندهم الجِمال التي تعض العرب من بطونهم وأكثر حالات الموت عند العرب هي بسبب عضّ الجِمال”.

هذا الكائن الذي لا تخلو تعليقاته من العنصرية سوف يتخذ طريقه باتجاه النهاية التي أعدّ نفسه لها، يذهب ليلا إلى ذات المكان الذي صدم فيه الصبي المغربي وقتله، ليتلقى هناك رصاصة في الصدر كان في انتظارها لتنتهي تلك الرحلة.

14