ملك غير متوّج لأربع سنوات

عبداللطيف رشيد هو الرئيس الكردي الرابع للعراق الجديد بعد جلال الطالباني وفؤاد معصوم وبرهم صالح. لم يعد العراقيون يعرفون اسم رئيس الجمهورية. أولا لأنه شخص مغمور ولا أحد يعرفه إلا أقرباؤه وأصدقاؤه ورفاقه في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وثانيا لأنه لا يعمل شيئا ولا يقوم بشيء يستحق الذكر. كما أن الرجل يعرف أن لا أحد سيذكر اسمه بعد أن يقضي سنوات رئاسته منعّما هو عائلته في القصر الرئاسي. لقد تم إيجار الرجل لمدة أربع سنوات ليكون رئيسا ليسلم بعد ذلك القصر بما فيه إلى كردي آخر من حزبه.
عبداللطيف رشيد مثّل العراق في مؤتمر المناخ بشرم الشيخ. جلس إلى جواره ممثل إسرائيل، الدولة العدوة بالنسبة إلى العراق والتقطت لهما صور عديدة. وقد يكون الرجل قد اجتمع بذلك الدبلوماسي في الفندق. بالنسبة إلى الرئيس العراقي فإنه لا يتذكر أن القانون العراقي يجرّم اللقاء بأشخاص من دولة عدوّة أو مصافحتهم أو التقاط صور معهم. فالرجل انفصالي وهو لا يرى قيمة في أن يكون العراق موحدا كما أنه لا يخضع شخصيا للقوانين العراقية. لديه قانونه الحزبي الذي يبيح له السفر إلى إسرائيل والالتقاء بأيّ شخص إسرائيلي.
◘ ليس أمام عبداللطيف رشيد في هذه الحالة سوى أن يلوم خفية وزارة الخارجية لما فعلته حين أخذت ما جرى مأخذ الجد وأصدرت بيانها الناري للتذكير بموقف العراق المتضامن مع الشعب الفلسطيني
لو كان العراق دولة طبيعية لتعرض عبداللطيف رشيد للمساءلة بحكم منصبه. ولكن مَن يسأل مَن في عراق المحاصصة؟ فمجلس النواب الذي وافق على تعيين رشيد رئيسا للجمهورية لم يقم بذلك إلا من أجل أن تتمكن إيران من تعيين محمد شياع السوداني رئيسا للحكومة والحكومة التي يرأسها السوداني لا تجد مصلحة في فتح أبواب خلاف لا معنى له مع الأكراد الذين لا يرغبون في العودة إلى صداع الخلافات فيما بينهم. ثم إن الجميع يدركون أن رمزية المنصب الذي يتبوّأه رشيد لا تُلزم أحدا بشيء حتى الرئيس نفسه.
مثله مثل مَن سبقوه. عبداللطيف رشيد لا يتذكر أحد من العراقيين اسمه رئيسا بل إن حضوره في المحافل السياسية العربية والعالمية لن يترك أثرا. فالرجل لا يمثل أحدا ولا يملك أن يقول شيئا وليست له أيّ علاقة بما يجري في العراق وخارجه. ليس لأنه لا يفقه شيئا، بل لأن منصبه يفرض عليه ذلك. إنه أشبه بالملك المؤقت. ملك لأربع سنوات. بعدها سيعود إلى منزله من غير أن يترك أثرا حتى على كرسي الرئاسة الذي قد لا يستعمله فلا أحد يزوره في القصر الذي يكون عبر سنوات رئاسته مجرّد مكان لاستضافة العائلة والأقرباء والأصدقاء.
ربما ضحك الرئيس العراقي حين رأى صورته وقرأ مفردة “تطبيع” في تعليقات الجمهور الذي عبّر عن استغرابه على منصات التواصل الاجتماعي. ربما علت ضحكته حين قرأ بيان الخارجية العراقية الذي عبّر عن تضامن العراق مع القضية الفلسطينية. فالرجل الذي اختير لكي يكون رئيسا للعراق لم يأت اختياره على أساس كونه عراقيا، بل لأنه حزبي كردي ومن المعروف أن الحزبيين الأكراد ليست لديهم مشكلة مع إسرائيل لذلك فإنهم لا ينظرون إلى المسألة باعتبارها نوعا من التطبيع.
المسألة كلها بالنسبة إليه لا تحتاج إلى مثل ذلك التعقيد.
◘ عبداللطيف رشيد مثّل العراق في مؤتمر المناخ بشرم الشيخ. جلس إلى جواره ممثل إسرائيل، الدولة العدوة بالنسبة إلى العراق والتقطت لهما صور عديدة
قياسا للوضع في العراق فإن صدور بيان من وزارة الخارجية لتوضيح ما جرى فيه قدر كبير من المبالغة. مقارنة بما فعله سياسيون عراقيون في أوقات سابقة فإن الجلوس إلى جانب الوفد الإسرائيلي والتقاط صورة معه ليس بالأمر الذي ينبغي أن يثير الاهتمام.
قبل سنوات شهدت كردستان انعقاد مؤتمر للتطبيع مع إسرائيل من غير أن تقوى الحكومة العراقية في حينه على القيام بشيء.
كما أن زعماء حزبيين ونوابا قاموا بزيارات علنية إلى إسرائيل من غير أن يتعرّضوا للمساءلة. وكما يبدو فإن كل ما جرى ويجري في ذلك المجال إنما يتم برعاية إيرانية. ولو أن أولئك السياسيين والنواب كانوا يشعرون أنهم سيغضبون إيران بزياراتهم تلك لما قاموا بها. فهم حينها لن يتعرضوا للمساءلة، بل عليهم أن يواجهوا القتل من قبل الميليشيات التابعة لإيران.
ليس أمام عبداللطيف رشيد في هذه الحالة سوى أن يلوم خفية وزارة الخارجية لما فعلته حين أخذت ما جرى مأخذ الجد وأصدرت بيانها الناري للتذكير بموقف العراق المتضامن مع الشعب الفلسطيني.
كان الأولى بالمعترضين أن يلتفتوا إلى إيران ليتعرّفوا على حقيقة موقفها من إسرائيل.