مساعي إيمانويل ماكرون للسلام في أوكرانيا تثير جدلا

الرئيس الفرنسي يريد لعب دور الوسيط بين روسيا والغرب.
الاثنين 2022/11/14
قنوات التواصل مفتوحة

رغم انخراط بلاده بشكل واسع في دعم أوكرانيا ضد الهجوم الروسي على أراضيها، لا يزال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يبقي على قنوات اتصال مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين أملا في لعب دور الوسيط عندما تحين لحظة التفاوض.

باريس - يؤكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن “السلام ممكن” في أوكرانيا كما في عدد من النزاعات الأخرى، محاولا صنع صورة رئيس/ وسيط حقق “نجاحات دبلوماسية” كثيرة، وإن كانت طموحاته تبقى في الواقع وإلى حد كبير مثيرة للجدل.

وأكد الرئيس الفرنسي في منتدى باريس للسلام الجمعة مجددا خط سياسته الخارجية، بعد خطابه في قمة الديانات “صرخة السلام” في روما في أكتوبر، وكلمته ضد “انقسام العالم” في الأمم المتحدة في سبتمبر.

وقالت سيلفي بيرمان السفيرة السابقة لفرنسا لدى الصين وبريطانيا وروسيا “إنه يبحث عن دور الوسيط”. وأضافت أن ذلك “أعجبه” وأنه “يحب البحث عن اتفاق، عن حل وسط”.

وهذا خصوصا أنه منذ الانتخابات التشريعية التي جرت في يونيو وأدت إلى أغلبية نسبية للمعسكر الرئاسي، تقلص هامش المناورة الذي يملكه على الساحة الوطنية.

سيلفي بيرمان: ماكرون يبحث عن حل وسط للحرب في أوكرانيا
سيلفي بيرمان: ماكرون يبحث عن حل وسط للحرب في أوكرانيا

وخلال منتدى باريس حاول ماكرون إحياء الحوار المتعثر بين معسكر الرئيس نيكولاس مادورو وخصومه لإخراج فنزويلا من مأزقها السياسي، لكن لم يتم الإعلان عن أي اختراق حاليا. وهذا الملف الأخير على لائحة طويلة من القضايا، كما يؤكد محيط الرئيس.

وفي أحد أيام أكتوبر نظم قصر الإليزيه لقاء للصحافيين المكرسين للنزاع في أوكرانيا. لكن في بدايته، أسهب مستشار في الحديث عن “النجاحات” التي “يحققها (الرئيس الفرنسي) الواحد تلو الآخر”، و”تستحق” إبراز “دوره”.

ومن التوتر بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا إلى اتفاق بين بلغاريا ومقدونيا الشمالية بما في ذلك “تدخله” لتسهيل تفاهم إسرائيلي – لبناني، كانت الرسالة واضحة: إيمانويل ماكرون يحقق نتائج للسلام.

لكن هذه “النجاحات” محدودة كما يبدو من الانتكاسة الحادة في العلاقات الرواندية - الكونغولية أو مبادرات باريس المحدودة في الحرب بين أرمينيا وأذربيجان على الرغم من محاولات الوساطة التي لا تريدها باكو وموسكو، حسب دبلوماسي من المنطقة.

ومن الواضح أن الرئيس الفرنسي يركز في جهوده على الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا منذ بداية العام.

فهو “يتولى أمر” مواصلة الحديث مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين الذي قطع قادة غربيون آخرون على رأسهم الرئيس الأميركي جو بايدن كل الجسور معه.

لكنه يعبر عن رأي آخر بما في ذلك في المعسكر الأوروبي بتأكيده على ضرورة التوصل في نهاية المطاف إلى “سلام” يتم التفاوض عليه “حول طاولة” مع “عدو اليوم عندما يقرر الشعب الأوكراني وقادته ذلك وبالشروط التي يقررونها”.

وهذه الدعوات إلى التفاوض أثارت استياء أوكرانيا بشدة. وقالت بيرمان إن ماكرون “محق في عدم الاستسلام”.

وأضافت أنه “من المهم الإبقاء على قناة، والذين يقولون ‘يجب ألا نتحدث مع بوتين’، فهذا غير منطقي”، مشيرة إلى فائدة حوار كهذا في بعض القضايا مثل وصول مفتشين دوليين إلى محطات الطاقة النووية المهددة في النزاع أو تصدير الحبوب.

لكن الدبلوماسية السابقة ترى أن مهمة الرئيس الفرنسي “معقدة جدا”، لاسيما وأن نظيره التركي رجب طيب أردوغان وهو “ليس صديقه المفضل” يبدو في وضع أفضل للعب دور وساطة بشكل فعال.

ويعبر ميشال دوكلو المستشار الخاص في معهد مونتين للأبحاث (ليبرالي) عن رأي أقسى حيال ماكرون الذي “اعتقد لفترة طويلة جدًا أن علاقاته الشخصية وقدرته على الإقناع ستسمح له بدفع بوتين إلى تغيير موقفه”.

وقال السفير السابق إن “هذا أمر مشرف لكن من الواضح أنه خطأ في التحليل”، موضحا أن ذلك يجعل فرنسا معرضة لتراجع ثقة عدد من الحلفاء الأوروبيين مثل بولندا ودول البلطيق وكذلك واشنطن فيها.

هامش المناورة ضعيف
هامش المناورة ضئيل

ويرى دوكلو أن رئيس الجمهورية الفرنسية يتمتع “بمصداقية أكبر” عندما يدعو، كما فعل على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى “عقد جديد بين الشمال والجنوب” ويحث قادة العالم على رفض “الإمبريالية” الروسية.

وتزامنا مع الانسحاب من مدينة خيرسون، أعلنت روسيا الأربعاء عن استعدادها لإجراء محادثات سلام مع أوكرانيا. وقالت متحدثة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في مؤتمر صحافي عقدته بالعاصمة موسكو، إن بلادها “منفتحة على المفاوضات، ولم ترفضها أبدا”.

وأضافت “نحن مستعدون للتحاور مع أوكرانيا والولايات المتحدة، مع الأخذ في الاعتبار التطورات والحقائق القائمة على الأرض”، في إشارة إلى تطورات الأوضاع في المناطق التي تشهد معارك بين القوات الروسية ونظيرتها الأوكرانية.

واعتبرت زاخاروفا أن أوكرانيا ستكون أكثر ميلا إلى إجراء محادثات سلام “إذا أوقف الغرب ضخ الأسلحة” إليها.

وتابعت “مستعدون للعمل عندما تدرك واشنطن عدم جدوى الضغط على موسكو ومواصلة الانخراط في الصراع كأحد أطرافه”.

من الواضح أن الرئيس الفرنسي يواصل الحديث مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين الذي قطع قادة غربيون آخرون على رأسهم الرئيس الأميركي جو بايدن كل الجسور معه

والثلاثاء قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن شروط كييف لبدء محادثات السلام مع موسكو تتلخص في “احترام ميثاق الأمم المتحدة والتعويض عن الخسائر”، وهو ما وُصف بأنه تغير في المواقف بعدما كان زيلينسكي يرفض التفاوض مع موسكو.

وفي وقت سابق ذكرت تقارير صحافية أميركية أن إدارة الرئيس جو بايدن تشجع سرا قادة أوكرانيا على التعبير عن انفتاحهم على التفاوض مع روسيا والتخلي عن رفضهم العلني للمشاركة في محادثات سلام إلا بعد إزاحة الرئيس فلاديمير بوتين عن السلطة.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست الأميركية عن أشخاص لم تسمّهم على دراية بالمناقشات قولهم إن طلب المسؤولين الأميركيين لا يهدف إلى الضغط على أوكرانيا للجلوس إلى طاولة المفاوضات، بل هو محاولة محسوبة لضمان أن تحافظ كييف على دعم دول أخرى تخشى من تأجيج الحرب لسنوات كثيرة قادمة.

وقالت إن المناقشات أوضحت مدى صعوبة موقف إدارة بايدن بشأن أوكرانيا، حيث تعهد المسؤولون الأميركيون علنا بدعم كييف بمبالغ ضخمة من المساعدات “لأطول فترة ممكنة” بينما يأملون في التوصل إلى حل للصراع المستمر منذ ثمانية أشهر وألحق خسائر فادحة بالاقتصاد العالمي وأثار مخاوف من اندلاع حرب نووية.

وقالت الصحيفة إن المسؤولين الأميركيين أيدوا موقف نظرائهم الأوكرانيين بأن بوتين ليس جادا في الوقت الحالي بشأن المفاوضات، لكنهم أقروا بأن رفض الرئيس الأوكراني الدخول في محادثات معه أثار مخاوف في أجزاء من أوروبا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، وهي المناطق التي ظهر فيها تأثير الحرب على تكاليف الغذاء والوقود على نحو كبير.

وترى المحللة الإستراتيجية الأميركية إيما أشفورد الباحثة في مركز سكوكروفت للإستراتيجية والأمن أن كل الحروب تقريبا انتهت بالمفاوضات.

5