ملفات معقدة في انتظار الحكومة اليمينية في إسرائيل

من المتوقع أن يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف بنيامين نتنياهو الكثير من التحديات الدولية والمحلية، في حال أقدم على تشكيل حكومة تضم شخصيات يمينية متطرفة تثير قلق الداخل والخارج.
القدس - تلقى رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو تكليفا رسميا الأحد بتشكيل حكومة جديدة، فيما يتوقع أن يشكل السياسي المخضرم حكومة يمينية هي الأكثر تطرفا في تاريخ البلاد، ما يجعله أمام ملفات معقدة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
ويرى مراقبون أن نتنياهو سيواجه تحديات كبيرة جدا على الساحة السياسية والدولية إذا كان سيشكل بالفعل الحكومة مع شركائه في اليمين المتطرف وسيسمح لهم بتحقيق وعودهم الانتخابية، خاصة ما تعلق منها بالاستيطان وضم أجزاء من الضفة الغربية، إضافة إلى إدارة علاقات تل أبيب الخارجية.
ويشير هؤلاء إلى أنه تتعين كذلك على نتنياهو بعد تشكيله الحكومة إدارة العلاقات الدولية لإسرائيل واختيار أسلوب للتعامل مع التهديد الإيراني وصياغة سياسة جديدة تجاه الدول العربية.
ويقولون إن أول التحديات التي سيواجهها نتنياهو خارجيا، يتمثل في ما إذا كان سيحترم اتفاق ترسيم الحدود البحرية الموقّع مع لبنان، خاصة أنه أدلى بتصريحات سابقة هاجم خلالها الاتفاق ووصفه بأنه اتفاقية استسلام. ولفت إلى أن مصيره سيكون مثل مصير اتفاق أوسلو الموقع مع الفلسطينيين، في إشارة إلى تحييد الاتفاق وعدم تنفيذ حكومته لبنوده.
وتمثل علاقة نتنياهو بإدارة الرئيس الأميركي جو بادين تحديا رئيسيا أمامه، وستكون إحدى القضايا الأساسية في الساحة السياسية، رغم أنه كانت تربطه ببايدن علاقة جيدة دامت سنوات عديدة.
وقد وصل نتنياهو إلى الحكم في الوقت الذي سئمت فيه الحكومة الأميركية من المفاوضات مع إيران، ومن المتوقع أن يطلب نتنياهو بسرعة محاولة حشد المجتمع الدولي للتأكد من أن إيران لن تعود إلى الاتفاق النووي، وكذلك العمل على منع طهران من امتلاك أسلحة نووية، حيث لا يوجد فرق كبير في سياسات نتنياهو ورئيس الوزراء المنتهية ولايته يائير لابيد تجاه إيران.
أما التحدي الآخر فهو الحرب الروسية – الأوكرانية، خاصة أنه حافظ قبل رحيله عن مكتب رئيس الوزراء العام الماضي على علاقات جيدة جدا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يعتبر هدفا للمجتمع الدولي، وهنا سيتعين على نتنياهو أن يقرر ما إذا كان سيُجدد العلاقات الشخصية مع بوتين بعد أن تم تجميدها في عهد لابيد، كما سيُطلب منه فحص توريد الأسلحة الإسرائيلية إلى أوكرانيا مثلما وعد خلال حملته الانتخابية.
وهناك أيضا التحدي الكامن في العلاقات مع أوروبا، خاصة أنه يواجه انتقادات لاذعة من الاتحاد الأوروبي؛ فنتنياهو تنتظره بضع مهام في أوروبا بما في ذلك استعادة علاقته الغامضة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كما يحتاج إلى الحفاظ على الحوار الجيد مع المستشار الألماني أولاف شولتس والحكومة المحافظة في بريطانيا، ومن المتوقع أن يقيم نتنياهو علاقات جيدة مع رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني التي تولت منصبها في الأسابيع الأخيرة.
نتنياهو في حاجة إلى طمأنة المجتمع الدولي بأن حكومته ليست حكومة يمينية متطرفة، وأنه لن يتجاوز الحدود الديمقراطية المقبولة
ويواجه نتنياهو أيضا تحديات في علاقته مع الدول العربية؛ فعلى الرغم من توصله إلى الاتفاقيات الإبراهيمية قبل مغادرته منصب رئيس الوزراء ظل في حاجة إلى تأكيد أنه ليس قوميا فاشيا، الأمر الذي سيصعّبه عليه رئيس حزب “عوتسما يهوديت” بزعامة عضو الكنيست المتشدد إيتمار بن غفير الذي يطالب بحقيبة الأمن الداخلي ضمن الحكومة الجديدة.
ويشير محللون إلى أن نتنياهو في حاجة إلى طمأنة المجتمع الدولي بأن حكومته ليست حكومة يمينية متطرفة، وأنه لن يتجاوز الحدود الديمقراطية المقبولة، كما سيتعين عليه إثبات أن إسرائيل لا تزال دولة غربية ديمقراطية وليبرالية. وتتخوّف إسرائيل من أنها في حال وجود بن غفير في الحكومة، فإن دولا غربية لن تتعامل معه بسبب مواقفه المتشددة ضد العرب.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس الأربعاء في الموجز اليومي للصحافيين “علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل كانت دائما قائمة على مصالحنا المشتركة، لكن الأهم من ذلك قيمنا المشتركة”.
وأضاف “نأمل أن يواصل جميع المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية (المقبلة) مشاركة قيم المجتمع الديمقراطي المنفتح، بما في ذلك التسامح والاحترام للجميع في المجتمع المدني وخاصة الأقليات”.
وقال موقع “تايمز أوف إسرائيل” الإخباري إن رسائل مشابهة وصلت من دول أوروبية وعربية.

ويملك نتنياهو خيار ضمّ حزبٍ وسطيّ إلى حكومته، ضمن سيناريو قد يخرج فيه بن غفير من التشكيلة الحكومية. لكن من غير المتوقع أن يتبنى نتنياهو هذا الخيار؛ فبعد 16 شهرًا في المعارضة ومع استمرار محاكمته على خلفية اتهامه بالفساد قد يفضل بالفعل الائتلاف الراديكالي.
ونُسب إلى بن غفير الفضل في حشد الدعم لكتلة نتنياهو اليمينية المتطرفة في الكنيست. ومن المرجح أن تكون الحكومة الجديدة من أكثر الحكومات انتماء إلى اليمين في تاريخ إسرائيل.
وأدين بن غفير، الذي يريد أن يصبح وزيرا للأمن الداخلي المسؤول عن الشرطة، عام 2007 بالتحريض العنصري ضد العرب وبدعم حركة كاخ المتطرفة التي أدرجتها إسرائيل والولايات المتحدة على قائمة الإرهاب.
ويريد بن غفير، وهو مستوطن يعيش في الضفة الغربية التي احتلتها إسرائيل في عام 1967، حل السلطة الفلسطينية التي تتمتع بحكم محدود في أجزاء من الضفة الغربية بموجب اتفاقات سلام مؤقتة. ومن شأن ذلك أن يتعارض مع سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
إسرائيل تتخوف من أنها في حال وجود بن غفير في الحكومة، فإن دولا غربية لن تتعامل معه بسبب مواقفه المتشددة ضد العرب
كما يدعم بن غفير، زعيم حزب القوة اليهودية، صلاة اليهود في المسجد الأقصى، وهو موقف يثير التوترات الإقليمية. وتوقع الخبراء أن تعمل الحكومة الجديدة على تشديد قبضتها على الضفة الغربية وخاصة شمالها، مما ينذر بمواجهة قد تتحول إلى انتفاضة جديدة.
واعتبر مدير مركز القدس للدراسات، التابع لجامعة القدس، أحمد رفيق عوض أن “نتائج الانتخابات الإسرائيلية مؤشر على أن التصعيد (سيكون) سيد الموقف في الأراضي الفلسطينية خلال الفترة المقبلة”.
ويرى سليمان بشارات، مدير مركز يبوس للدراسات (خاص)، أن نتائج الانتخابات الإسرائيلية مؤشر على فوز اليمين الذي يقود إسرائيل إلى عدم القبول بالتعايش مع الفلسطينيين.
واعتبر رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية أن نتائج الانتخابات الإسرائيلية تظهر تنامي مظاهر “التطرف والعنصرية”. ووصف حزب “هناك مستقبل” بزعامة رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته يائير لابيد الأحد تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة المقبلة بـ“اليوم الأسود للديمقراطية الإسرائيلية”.
وقال الحزب في بيان “يوم أسود للديمقراطية الإسرائيلية، يتعرض فيه رئيس الوزراء المكلف للابتزاز من قبل شركائه، الذين لا هدف لهم سوى تخليصه من محاكمته وإعادة إسرائيل إلى الوراء”. ويحاكم نتنياهو منذ 24 مايو 2020 في قضايا فساد تتعلق بالرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال. وتابع البيان “لن نتخلى أبدا عن الدولة وقيمها الليبرالية ولن نسمح بتضرر مستقبل أطفالنا”.
وختم بالقول “سنقاتل متحدين في الكنيست (البرلمان) وفي الساحات وعلى الجسور حتى نستبدل حكومة الدمار بحكومة التغيير”. وخسر التحالف الحاكم بقيادة لابيد الانتخابات التي جرت مطلع الشهر الجاري، بحصوله على 56 مقعدا من أصل 120 مقعدا في الكنيست، فيما حصل معسكر نتنياهو الذي يضم أحزابا من أقصى اليمين على 64 مقعدا.