المحاكم أداة أردوغان لإقصاء منافسيه في الانتخابات

منذ الانتخابات البلدية في تركيا عام 2019 يطرح اسم رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو كمرشح محتمل بل وقوي للانتخابات الرئاسية في 2023. ويأتي هذا الطرح من باب نجاحه في الفوز بالبلدية الأهم في البلاد والتي تضم زهاء خُمُسِ السكان، ما يجعله منافسا قويا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
إسطنبول - طالب ممثلو الادعاء في إسطنبول الجمعة بالسجن أربع سنوات وحظر سياسي لعمدة المدينة الذي ينتمي إلى حزب معارض، أكرم إمام أوغلو، في قضية يتهم فيها بإهانة مسؤولي الدولة، ما يعبّد الطريق لإقصاء منافسي أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل.
وأكد المحامي كمال بولات أن القضاء طلب السجن لمدة تتراوح بين سنة وثلاثة أشهر إلى أربع سنوات وشهر بحق إمام أوغلو، ما قد يقصيه من الحياة السياسية لمدة أربع سنوات. واستؤنفت محاكمة رئيس بلدية إسطنبول قبل سبعة أشهر على حلول موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي يرجح أن تشهد منافسة حادة.
وكانت الجلسة السابقة التي عقدت في الحادي والعشرين من سبتمبر الماضي، في غياب إمام أوغلو الذي يصف هذه المحاكمة بأنها “تراجيديا كوميدية” ومُنعت وسائل الإعلام من حضورها، علقت بسرعة وأرجئت من قبل القضاة.
ونظريا يمكن أن يحكم على إمام أوغلو (52 عاما) العضو في حزب الشعب الجمهوري (اشتراكي ديمقراطي)، حزب المعارضة الرئيسي لسلطة الرئيس رجب طيب أردوغان، بالسجن لمدة قد تصل إلى أربع سنوات بتهمة “إهانة” أعضاء المجلس الأعلى للانتخابات.
وأدان محاميه كمال بولات المحاكمة معتبرا أنها "قضية سياسية" ومذكرا بأن أي حكم بالسجن لأكثر من عام، "حتى عام ويوم"، سيؤدي إلى استبعاده تلقائيا من الحياة السياسية لمدة أربع سنوات.
وفي مقابلة مع قناة “فوكس تي في” التركية الجمعة بدا رئيس بلدية إسطنبول غير مبال. وقال “لست مهتما على الإطلاق بما سيحدث لي ولا أشعر بأي قلق أو خوف، لكني أشعر بالخجل من هذه المحاكمة". وأضاف "لا يمكن إجراء محاكمة كهذه. إنها تراجيديا كوميدية". لكنه أكد أنه "يثق في القضاء التركي العظيم". ويتابع المراقبون هذه المحاكمة بدقة كمؤشر على مدى استقلال القضاء قبل الانتخابات.
وتأتي هذه الجلسة بعد انقضاء أسبوع على اتهام رئيس حزب الشعب الجمهوري والمرشح المحتمل للرئاسة كمال كيليجندار أوغلو "بنشر أخبار كاذبة". وبموجب قانون جديد حول المعلومات المضللة، يواجه كيليجندار أوغلو عقوبة قد تصل إلى السجن ثلاث سنوات، وسيمنع بذلك من الترشح للانتخابات.
وكان كيليجندار أوغلو كتب في تغريدة على تويتر أنه يحمّل حكومة حزب العدالة والتنمية ذات الميول الإسلامية مسؤولية ما أسماه "وباء الميثامفيتامين" في تركيا، مشيرا إلى أن السلطات تسحب الأموال من مبيعات المخدرات للمساعدة على سداد الديون الوطنية.
وفي مارس 2019 ألغت السلطات التركية الانتخابات التي فاز فيها بفارق ضئيل إمام أوغلو برئاسة بلدية إسطنبول، لكنها اضطرت إلى التراجع بعد ثلاثة أشهر في مواجهة تعبئة للناخبين مما شكل انتصارا كبيرا للمعارض.
ورفض أردوغان، الذي بدأ حياته السياسية رئيسا لبلدية إسطنبول ويعتبر المدينة معقلا له، الاعتراف بالنتيجة. ودعا مسؤولو الانتخابات إلى إجراء اقتراع جديد بعد أن اكتشفوا، كما أفادت معلومات، مئات الآلاف من "الأصوات المشبوهة".
وأثار قرار الدعوة إلى إعادة الانتخابات، بعدما أدى إمام أوغلو اليمين الدستورية، إدانة عالمية وموجة دعم كبيرة لرئيس البلدية المنتخب. وبعد أشهر وصف أكرم إمام أوغلو الذين ألغوا نتائج الانتخابات الأولى بأنهم "حمقى"، وهذا ما أدى إلى رفع دعوى قضائية ضده.
ويرى كمال كيليجندار أوغلو أن السلطة تحاول بهذه المناورة “منع رئيس البلدية من ممارسة أي نشاط سياسي". وقال رئيس حزب الشعب الجمهوري "لكنني أقول لكم بوضوح: إمام أوغلو شوكة كبيرة ستبقى في حلقكم. لن ندع أي شخص يبتلع إمام أوغلو".
ويبدو أن نظام أردوغان، الذي يواجه أزمة اقتصادية خطيرة وتضخمًا تجاوز 85 في المئة خلال الأشهر الاثنى عشر الماضية، يريد إضعاف المعارضين الذين طالتهم أساسا موجات اعتقالات أعقبت محاولة الانقلاب في 2016.
ومنذ منتصف أكتوبر الماضي اعتُقل المئات من أنصار الداعية فتح الله غولن الحليف السابق الذي أصبح مصدر إزعاج لرئيس الدولة الذي يتهمه بتدبير محاولة الانقلاب.
وكان أردوغان يخوض حملته الانتخابية على أساس سجل الرخاء الاقتصادي والتنمية، لكن الاقتصاد التركي صار يترنح بشدة. ويرى أتيلا يسيلادا، المحلل في شركة غلوبال سورس بارتنرز التي تتخذ من إسطنبول مقرا لها، أن “سنوات السياسات غير المسؤولة أضرت بالاقتصاد التركي”.
وسيكون الوضع الاقتصادي محددا لمسار الانتخابات القادمة ومقياسا لتوجهات الناخبين، فإذا نجح أردوغان خلال الفترة المتبقية قبل الانتخابات في كبح انهيار الليرة وخفض معدل التضخم وتحسين الأوضاع المعيشية للأتراك، قد يستعيد جزءا من ثقة الناخبين ويرفع أسهم شعبيته. لكن إذا استمر الوضع على حاله أو ازداد سوءا فإن ذلك سيؤثر حتما على حظوظه وحظوظ حزبه.
وتحمّل المعارضة التركية الرئيس التركي مسؤولية انهيار الليرة والارتفاع القياسي لمعدل التضخم وكذلك تردي الوضع المعيشي للمواطنين، متهمة أردوغان بتدمير الليرة نتيجة تدخلاته في السياسة النقدية وبتقويض مصداقية واستقلالية البنك المركزي من خلال فرضه تخفيضات قسرية في أسعار الفائدة.
◙ التدخلات العسكرية الخارجية في ليبيا وسوريا وفي نزاع قره باغ استنزفت موازنة الدولة وسممت علاقات تركيا الخارجية
كما ترى المعارضة وشق واسع من الشخصيات السياسية والأكاديمية والحقوقية أن الأزمة التي تعيشها تركيا هي نتاج طبيعي لسياسات أردوغان ومعاركه الخارجية المدفوعة بطموحات شخصية.
ويشير المعارضون إلى أن التدخلات العسكرية الخارجية في ليبيا وسوريا وفي نزاع قره باغ استنزفت موازنة الدولة وسممت علاقات تركيا الخارجية، موضحين أن النهج الصدامي والعدائي الذي انتهجه أردوغان تجاه الشركاء الغربيين والخليجيين في السنوات الأخيرة، أضر بالاقتصاد التركي وجعل المستثمرين الأجانب يتجنبون ضخ استثمارات في السوق التركية.
وسيكون سباق الرئاسة في تركيا استثنائيا بكل المقاييس مقارنة بالانتخابات السابقة، حيث سيواجه أردوغان منافسين شرسين نجحوا في الاستفادة من الأزمة المالية الطاحنة لجهة تعزيز موقعهم في مقابل إضعاف خصمهم.
وفي الأشهر الماضية بدأت ترتسم ملامح تحالفات حزبية هدفها تشكيل جبهة قوية، لا لشيء إلا لعزل أردوغان سياسيا. واللافت أن جزءا من التحالفات المتوقعة ستشمل أحزابا جديدة بعضها ولد من رحم حزب العدالة والتنمية الحاكم إثر حدوث انشقاقات واسعة أضعفت الحزب. ومن بين المنشقين والمرشحين المحتملين لمنافسة أردوغان رئيس وزرائه السابق أحمد داود أوغلو والوزير الأسبق علي باباجان.
وتعكس استطلاعات الرأي سأم الناخبين من الرئيس بعد سنوات قليلة مضطربة في تركيا تميزت باحتداد توتر العلاقات مع بعض حلفاء البلاد في الناتو وبتصاعد الاستقطاب الاجتماعي في الداخل. وتشير هذه النتائج إلى انتصار محتمل للمعارضة، إنْ لم يكن في السباق الرئاسي فسيكون في البرلمان، حيث يأملون انتزاع الأغلبية التي يتمتع بها حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه أردوغان.