براغماتية الأردن تعمق عزلة الإسلاميين

يوفر اتفاق الطاقة مقابل المياه بين الأردن وإسرائيل جزءا هاما من حل دائم لمعالجة أزمة الفقر المائي في المملكة. ويراهن الأردن على الاتفاق لتعزيز قدراته المائية التي تعتبر بوابة أساسية لتنمية العديد من القطاعات التي تعاني من شح المياه، ما يساهم في دفع العجلة الاقتصادية المتعثرة.
عمان - دفعت براغماتية الأردن ومضيه قدما في توقيع اتفاق تبادل الطاقة مقابل المياه مع إسرائيل الإسلاميين إلى الهامش، بعد أن باءت مساعيهم للتعبئة العامة ضد الاتفاق بالفشل، ما يعكس تآكل حاضنتهم الشعبية بعد خسارة تمثيلهم النيابي.
وشارك العشرات من الأردنيين في وقفة احتجاجية دعت إليها جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسية للإخوان المسلمين) للاحتجاج على توقيع عمان على الاتفاقية مع تل أبيب، على هامش مؤتمر المناخ الذي تحتضنه القاهرة، وهو ما لم يرتق إلى مستوى البيانات شديدة اللهجة التي روجت لغضب شعبي عارم “مسيرة مليونية”.
ومضى الأردن في الاتفاق اعتمادا على دراسة علمية وإيكولوجية، وبعد ترو في فعالية الخطوة وتداعياتها على أزمة نقص المياه الحادة التي تعانيها المملكة، إذ إن تفعيل الاتفاق سيمكن الأردن من حل جزء كبير من ملف الفقر المائي بشكل دائم.
وقالت جبهة العمل الإسلامي في بيان الخميس “يستنكر حزب جبهة العمل الإسلامي ما جرى من توقيع الحكومة على مذكرة تفاهم مع الكيان الصهيوني وما يسمى باتفاقية ‘الماء مقابل الكهرباء’، لما يشكله هذا الاتفاق من جريمة بحق الوطن ومخالفة للدستور واعتداء صارخ على السيادة الأردنية، ورهن لقطاعات حيوية بيد الاحتلال وخروج عن موقف الشعب الأردني الرافض لكافة أشكال التطبيع مع الاحتلال”.
وأكد الحزب “رفضه واستنكاره الشديد لمثل هذا الاتفاق الذي يمثل تطبيقا عمليا لصفقة القرن على أرض الواقع، وذلك تزامنا مع عودة اليمين المتطرف إلى الحكم في الكيان الصهيوني، بما يتناقض مع التصريحات الرسمية ضد هذه الصفقة، والتي عبر الشعب الأردني عن رفضها والتصدي لها لما تشكله من تهديد وجودي للأردن وتصفية للقضية الفلسطينية على حساب الأردن، ولما يشكله هذا الاتفاق من دعم لاقتصاد الاحتلال من جيوب الأردنيين وتكريس لسياسة الاستيطان في الضفة الغربية، ومخطط تهويدها عبر تزويد المستوطنات بالكهرباء من خلال المشاريع التي يتضمنها الاتفاق، إضافة إلى كون هذا الاتفاق يرهن قطاعات الدولة الحيوية، وفي مقدمتها قطاعات الطاقة والمياه والكهرباء، بيد العدو الصهيوني الذي لن يتوانى عن استخدام هذه القطاعات للضغط على الأردن لتمرير مخططات الاحتلال”.
وتتمثل فكرة الاتفاق التي تم الإعلان عنها لأول مرة قبل عام، في أن يقدم الأردن 600 ميغاوات من الطاقة الشمسية ليتم تصديرها إلى إسرائيل. وفي المقابل، ستزود إسرائيل الأردن، الذي يعاني من ندرة المياه، بمئتي مليون متر مكعب من المياه المحلاة.
والأردن من أكثر الدول التي تعاني نقصا في المياه، إذ يواجه موجات جفاف شديدة. وبدأ تعاونه مع إسرائيل في هذا المجال قبل معاهدة السلام الموقّعة في 1994. وكذلك تعاني إسرائيل من الجفاف، إلا أنها تملك تكنولوجيا متقدمة في مجال تحلية مياه البحر.
وتعود دبلوماسية المياه إلى العام 1921 وإنشاء محطة للطاقة الكهرومائية في نقطة التقاء نهر اليرموك بنهر الأردن، واستمرت بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948 وعلى مدى العقود الماضية التي كان البلدان في مراحل كثيرة منها في حالة حرب رسميا.
وفشل الأردن طوال عقود مضت في إيجاد حلول طويلة الأمد لأزمة شح المياه في مختلف المحافظات، في وقت تصنف المملكة وفق المؤشر العالمي للمياه على أنها ثاني أفقر دولة بالمياه في العالم.
وخلال العامين الماضي والحالي شهد الأردن جفافا للسدود في محافظات الجنوب، طاول سدود الوالة والموجب والتنور وشعيب وغيرها، ومع قدوم الصيف ارتفع الطلب على المياه، ووصل إلى معدل 3 ملايين متر مكعب يوميا، في حين لا تتجاوز الكميات الموجودة بالسدود حاليا الـ75 مليون متر مكعب من أصل 285 مليون متر مكعب (قدرتها التخزينية).
وحاول الإسلاميون استثمار الاحتقان الاجتماعي جراء الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد للتحريض على النظام الأردني وإحراجه أكثر، من خلال تصنيف الاتفاق في خانة التطبيع والخيانة.
واعتاد الإسلاميون، منذ أن خسروا في الانتخابات التشريعية السابقة وفقدوا ثقلهم التشريعي، على استثمار الاحتقان الشعبي جراء الأزمة الاقتصادية ومحاولة كسب تأييد الشرائح الشعبية الأردنية المعادية لإسرائيل، من أجل إحراج السلطة وتأليب الرأي العام ضد خططها لتفادي نقص مائي حاد، أثر على قطاع الزراعة والحياة اليومية للمواطنين.
الأردن فشل طوال عقود مضت في إيجاد حلول طويلة الأمد لأزمة شح المياه في مختلف محافظات المملكة
وفقدت جماعة الإخوان المسلمين تأثيرها التشريعي في البرلمان الأردني بعد أن منيت بهزيمة قاسية في الانتخابات الفارطة، وبالتالي باتت عمليا خارج المعادلة البرلمانية.
وحصل الإسلاميون في الانتخابات النيابية الأخيرة التي جرت في نوفمبر 2020 على 5 مقاعد ضمن التحالف الوطني للإصلاح، من أصل 130 مقعدا يتألف منها البرلمان.
ويرى مراقبون أن عدم نجاح جماعة الإخوان في الانضمام إلى اللجان سيجعلها على الهامش في المجلس، ولن تكون لها القدرة على التأثير، خاصة من الناحية التشريعية.
ويعد البرلمان المنفذ الوحيد لجماعة الإخوان من خلال وجود نواب لذراعها السياسية، حزب جبهة العمل الإسلامي، لكن الوضع تغير، ولم يعد لهذا الحزب اليوم أيّ تأثير نيابي، فضلا عن قرارات قضائية تلاحق الجماعة مطالبة بحلها.
ويعاني الإسلاميون من انشقاقات في تنظيمهم منذ سنوات، استطاعوا التكتم عليها وتجاوز تداعياتها السياسية، إلا أن ذلك لم يعد متاحا اليوم بعد أن استنزفوا جميع أشكال المناورة والمخاتلة، وباتت أطروحاتهم غير مقنعة حتى داخل القيادات أنفسهم.
وأمام هذا الواقع لم يبق للجماعة، حسب المراقبين، إلا تعبئة الشارع والرهان على ثقل اجتماعي تغذيه العشائرية للظهور في موقع قوة قادرة على ضبط الوضع العام، والإيحاء بأن السلطة ستكسب الود المجتمعي إذا عوّلت عليها.