أزمة الليرة تُقيد نشاط آلة التصنيع في تركيا

أنقرة - تستشعر أوساط الصناعة في تركيا من دخول القطاع في دائرة الركود وأن تتقوض القدرة التنافسية للشركات بعدما قيدت أزمة الليرة المستمرة من نشاطها رغم التحسن الطفيف الذي تم تسجيله في الأسابيع القليلة الأخيرة.
وينضاف انهيار العملة المحلية إلى محنة غلاء الأسعار نتيجة الضغوط التي تواجهها البلاد بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة منذ اندلاع الحرب في شرق أوروبا قبل أكثر من ثمانية أشهر.
ويشكل ذلك تحديات جديدة للسلطات في تركيا التي تستورد كافة احتياجاتها تقريبا من الطاقة، وهو ما يجعلها عرضة لتداعيات التقلبات الكبيرة في الأسعار مع كل أزمة تطرأ في الأسواق العالمية.
وأظهرت بيانات نُشرت الجمعة نمو الإنتاج الصناعي في تركيا 0.4 في المئة على أساس سنوي في سبتمبر الماضي، وإن كان بوتيرة أبطأ بكثير.
لكن بيانات معهد الإحصاء التركي أشارت إلى أن الإنتاج الصناعي تراجع بمقدار 1.6 في المئة عن شهر أغسطس على أساس معدل موسمي وفي وضوء عوامل التقويم.
ويواصل الإنتاج الصناعي، الذي يُنظر إليه على أنه مؤشر على النمو الاقتصادي، الصعود على أساس سنوي منذ رفع قيود كوفيد.
إلا أن وتيرته تباطأت بشكل حاد في الأشهر الماضية، وظلت أقل بكثير من التقديرات التي توقعت زيادة 3.6 في المئة في سبتمبر الماضي.
ويتوقع الخبراء بشكل عام تراجع النشاط الصناعي بسبب التباطؤ الاقتصادي حول العالم مما يؤدي إلى انخفاض الطلب من الخارج.
وخفّض البنك المركزي سعر الفائدة 350 نقطة أساس في الأشهر الثلاثة الماضية للسيطرة على التضخم الذي وصل إلى 86 في المئة.
وليس بسبب تلك المعضلة فحسب قام البنك بخفض سعر الفائدة، بل أرجع خطواته تلك إلى وجود مؤشرات على تباطؤ اقتصادي، وأعلن عزمه إجراء خفض آخر هذا الشهر قبل إنهاء دورة التيسير.
ولا يزال انخفاض الليرة الذي ساهم في حدوث أسوأ أزمة تضخم في تركيا منذ ما يقرب من ربع قرن يجعل العملة أقوى من أن تمنح المصدرين ميزة على المنافسة.
وفي حين أن الانخفاض جعل الليرة من بين الأسوأ أداء في الأسواق الناشئة هذا العام، تظهر مفارقة سياسية نتيجة للتدابير الرامية إلى تعزيز استخدام العملة وتدخلات المركزي، والتي تقدرها بلومبيرغ إيكونوميكس عند 75 مليار دولار في الأشهر الثمانية الأولى.
وتعني الضمانات المعمول بها أن العملة المحلية لم تضعف بدرجة كافية لتعكس فروق التضخم والتغيرات في قيمة عملات الشركاء التجاريين لتركيا.
وبالنسبة إلى المصدرين أصبحت القدرة التنافسية لمنتجاتهم على المحك في وقت يتراجع فيه الطلب في الخارج بالفعل مع تصاعد مخاطر الركود في أجزاء كبيرة من الاقتصاد العالمي.
ووصف رئيس جمعية المصدرين الأتراك إسماعيل غولة الليرة بأنها “مبالغ فيها”. وقال في تصريحات في وقت سابق هذا الأسبوع إنه ينبغي السماح لسعر الصرف “بالارتفاع بالتوازي مع التضخم”.
ويقول المهتمون بالشأن الاقتصادي التركي إن هذا الإحباط هو لمحة أخرى عن الأولويات المتنافسة التي تقود السياسة التركية.
وبينما تطارد حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان النمو من خلال التركيز على الصادرات والاستثمارات، فقد سمحت للتضخم بالانتشار دون تقديم ائتمان إلى أجزاء الاقتصاد التي تحتاجه.
وأدت تدابير الباب الخلفي التي تم نشرها لدعم العملة المحلية في الوقت نفسه إلى زيادة الاضطرابات بالنسبة إلى المصدرين.
وظهرت هذه التناقضات بشكل كامل هذا العام، حيث تجاوز تضخم الحدود المستهدفة، بينما وصلت الزيادات السنوية في أسعار التصنيع إلى 158 في المئة في أكتوبر الماضي.
وفي غضون ذلك، تفشل الصادرات في مواكبة النمو في الواردات وسط ارتفاع فاتورة الطاقة في تركيا.
واتسع الميزان التجاري بنسبة 430 في المئة في أكتوبر مقارنة بالعام السابق، وفقًا للبيانات الأولية، مع ارتفاع شحنات الشركات التركية في الخارج بنسبة 2.8 في المئة فقط.
انهيار العملة المحلية ينضاف إلى محنة غلاء الأسعار نتيجة الضغوط التي تواجهها البلاد بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة منذ اندلاع الحرب في شرق أوروبا
وقال وزير الاقتصاد السابق إيسين جلبي لمحطة أن.تي.في التركية الخميس الماضي “نقوم بقمع سعر الصرف عبر سياسات الليرة”. كما دعا إلى أن تحدد الأسواق قيمة العملة، وليس في “مكاتب” المسؤولين.
وفي حين فقدت الليرة أكثر من ربع قيمتها مقابل الدولار هذا العام بالقيمة الاسمية، فإن سعر الصرف الفعلي الحقيقي في ارتفاع منذ أشهر.
ويُظهر مؤشر آر.إي.إي.آر التابع للبنك المركزي، والذي يأخذ أسعار المستهلك في الاعتبار، أنه ارتفع بنسبة 3 في المئة تقريبًا في كل من الشهرين الماضيين.
وكشفت الإجراءات التي استخدمها بنك أوف أميركا والتي تتضمن نموذج سعر الصرف للتوازن الأساسي أن الليرة “هي العملة الوحيدة المبالغة في قيمتها” في أوروبا الناشئة والشرق الأوسط وأفريقيا، وفقًا لتقرير صدر في أواخر أكتوبر.
وقال محللو باركليز بي.أل.سي هذا الأسبوع إن الليرة يجب أن تنخفض بنحو 11 في المئة “للحفاظ على معدل العائد على الدخل الثابت على اتجاهه طويل الأجل”.
وتوقعوا عودة ضغط انخفاض قيمة الليرة إلى الظهور في نهاية هذا العام. ورأوا أن المطلوب هو انخفاض كبير في قيمة العملة بسبب فارق التضخم المرتفع للغاية بين تركيا وشركائها التجاريين الرئيسيين.