فالح الفياض يتشبث برئاسة الحشد الشعبي خشية من خسارة نفوذه في العراق

يتحرك فالح الفياض لتحصين موقعه ضمن المعادلة السياسية القائمة في العراق، والذي يستمده أساسا من رئاسته لهيئة الحشد الشعبي، ويأتي هذا التحرك مع تصاعد الدعوات التي تطالب بتنحّيه وفسح المجال لشخصيات أجدر تتولى المنصب.
بغداد - تقول أوساط سياسية عراقية إن الهدف من قرار فالح الفياض تجميد عمله ومسؤولياته كرئيس لحركة “عطاء”، التفرغ بشكل تام لرئاسة هيئة الحشد الشعبي، وقطع الطريق أمام مساع للإطاحة به من هذا المنصب.
وتعرض الفياض على مدار الأشهر الماضية للعديد من الانتقادات لاسيما من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بسبب أدائه الضعيف في قيادة مؤسسة الحشد الشعبي وعدم امتلاكه لذهنية عسكرية تخوّل له تولي هذا المنصب، فضلا عن جمعه لمسؤوليات حزبية تنزع عنه مبدأ “الحياد”، حيث أنه رئيس كتلة برلمانية ورئيس حركة “عطاء”.
وعلى الرغم من إظهار الإطار التنسيقي، المظلة السياسية للقوى الشيعية الموالية لإيران، دعمه للفياض في محاولة للإيحاء بالتماسك بين أقطابه، فإن هناك من القوى المنضوية ضمن الإطار من ترى بأحقية الصدر في هذا الجانب.
وذهب بعض هذه القوى حد طرح تنحي الفياض خلال اجتماعات مغلقة جرت مؤخرا، وتم عرض عدد من الأسماء لتولي المنصب على غرار عبدالعزيز المحمداوي الملقب بـ”الخال” والذي يشغل حاليا منصب قائد أركان الحشد.
وتقول الأوساط السياسية إن تزايد الضغوط المطالبة بتنحّيه، دفعت الفياض على ما يبدو إلى اتخاذ خطوة تجميد مهامه الحزبية، لسحب الذرائع التي يسوّقها الخصوم والحلفاء على السواء، والتركيز أكثر على مسؤولياته ضمن الحشد الشعبي.
وتلفت الأوساط نفسها إلى أن الفياض يحاول من خلال تشبثه بموقع رئاسة الحشد الحفاظ على ثقله ضمن المعادلة السياسية القائمة، وهو يدرك أن الإطاحة به من المنصب سيعني فقدان نفوذه الذي يستمده من الحشد الذي يمثل قوة عسكرية ضخمة توازي الجيش العراقي، إن لم تكن تتجاوزه من حيث العدة والعتاد.
وأعلن الفياض الثلاثاء عن تجميد عمله ومسؤولياته في حركة “عطاء” ورئاسة مجلسها القيادي، وتكليف خالد كبيان بمهام رئاسة الحركة السياسية، التي تشكلت في العام 2017.
وقال عباس الجبوري، عضو مجلس النواب عن تحالف العقد الوطني الذي يرأسه الفياض، إن تجميد الفياض لمسؤولياته في حركة “عطاء” جاء بناء على طلبه، من أجل أن يكرس نفسه بشكل أكبر لرئاسة هيئة الحشد الشعبي.
ويرى مراقبون أن قرار الفياض بتجميد مهامه الحزبية، قد يكون أيضا في علاقة بتوجه للإطار التنسيقي نحو توسيع مهام الحشد الشعبي، وتحويله إلى أشبه بنموذج للحرس الثوري الذي يبسط سيطرته على مختلف المناحي والقطاعات في إيران.
ويلفت المراقبون إلى أن الإطار التنسيقي، الذي يضم ميليشيات شيعية على غرار عصائب أهل الحق ومنظمة بدر، تفاجأ بالطروحات التي قدمها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر خلال الأشهر الماضية، وذلك في أوج الأزمة السياسية التي مر بها العراق، من قبيل إعادة هيكلة الحشد، واستبعاد الميليشيات “التي تدّعي المقاومة” وحلّها.
وطرح الصدر أيضا تحجيم الدور الأمني للحشد الشعبي، وإبعاده عن السيطرات والمنافذ الحدودية، وقد دقت هذه الطروحات، ناقوس الخطر للميليشيات خاصة وأنها صدرت من أحد أبرز القوى الشيعية.
ويقول المراقبون إن الميليشيات والقوى الموالية لإيران التي نجحت في انتزاع سيطرتها على العملية السياسية، بعد تجاذبات لأكثر من عام مع الصدر كادت تفضي إلى حرب أهلية، ترى بضرورة تكريس الحشد كقوة نافذة لا يمكن المساس بها مستقبلا، من خلال تعزيز نفوذها وتوسيعها بما يتجاوز البعد العسكري والأمني إلى الاقتصادي والاجتماعي.
وأعرب رئيس هيئة الحشد الشعبي الخميس عن استعداد الحشد لدعم المدارس بالمناطق النائية، فيما شدد على ضرورة تخصيص الأموال لتطوير العملية التربوية.
وقال الفياض في كلمة له خلال مهرجان جمال العلم إن “الحشد الشعبي يتشرف أن يكون خادماً لهذا الشعب بجميع المفاصل والمجالات”، مبيناً أن “الحشد يقاتل بيد ويبني بيد وقلوبنا مشدودة للطلبة الذين يصنعون مستقبلنا”.
ونقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية عن الفياض قوله “إن الشهيد القائد أبومهدي المهندس (رئيس الحشد الشعبي الذي اغتالته الولايات المتحدة في العام 2020) كان مهندساً ومجاهداً ومثقفاً وذا فكر نير وأسهم ببناء مدارس كثيرة”.
وأكد أن “العراق مرَّ بمراحل صعبة وعملية مواجهة الإرهاب انعكست على استقرار البلاد”، مشدداً على ضرورة “وضع العملية التربوية في أبرز اهتماماتنا”.
وتابع أن “الطريق الصحيح هو الاهتمام بالعلم واحترام مكانة المعلم في المجتمع”، موضحاً أن “الحشد سيقدم كل الدعم لوزارة التربية وفق قدراته التنفيذية لمعالجة كل الإخفاقات السابقة، وكذلك مستعد لدعم المدارس في المناطق النائية والمعزولة والفقيرة في أطراف المدن”.
ودعا الفياض “وزارة التربية إلى الضغط على مجلس النواب لتخصيص مبالغ مالية تسهم في تطوير العملية التربوية”.
وتعكس تصريحات الفياض نية الإطار التنسيقي في المضي قدما نحو المزيد من التمكين للحشد، مستغلا في ذلك سيطرته الكلية على مقاليد السلطة في العراق. ويرى المراقبون أن الإطار يريد الاستلهام من تجربة الحرس الثوري، وهو يريد أن يقطع الطريق أمام عودة أيّ طروحات تمس بالحشد.
وتشكل الحشد الشعبي العراقي من ميليشيات شيعية مسلحة منتصف عام 2014 استجابة لفتوى المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية بعد سيطرته على أنحاء واسعة في العراق.
وجاءت هذه الفتوى بعد نحو ثلاثة أشهر من إعلان رئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري المالكي تشكيل جيش رديف للجيش النظامي، مبررا ذلك بـ”مواجهة الخطر الذي يحيط بالعراق”.
ومع انتهاء الحرب على تنظيم داعش برزت دعوات تطالب بحل الحشد الذي لم يعد هناك موجب لوجوده لكن القوى الشيعية تصدت لتلك الدعوات، ليتأكد أن تشكيل هذا الهيكل كانت له أهداف أخرى تتجاوز محاربة التنظيم الجهادي إلى تحصين المنظومة السياسية القائمة التي ترعاها إيران.
ولمنح الحشد مشروعية صادق مجلس النواب العراقي في نوفمبر 2016 على قانون هيئة الحشد الشعبي رقم أربعين لإضفاء صيغة قانونية على وضع قواته باعتبارها مساندة للجيش مع الحفاظ على هويتها وخصوصيتها.
وبموجب القانون تعتبر “فصائل الحشد الشعبي وتشكيلاته كيانات قانونية تتمتع بالحقوق وتلتزم بالواجبات باعتبارها قوة رديفة وساندة للقوات الأمنية العراقية ولها الحق في الحفاظ على هويتها وخصوصيتها ما دام ذلك لا يشكل تهديدا للأمن الوطني العراقي”. كما نص القانون على تمتع تشكيلات هيئة الحشد بالشخصية المعنوية، وترتبط بالقائد العام للقوات المسلحة، ويطبق عليها ما يطبق على العسكريين.