الإعلام المصري يستدعي أزمات خارجية لإقناع الجمهور ببراءة الحكومة من المسؤولية

تجندت وسائل الإعلام المصرية لتغطية الأزمات العالمية وصعوبة الأوضاع المعيشية في الغرب، لتقنع الجمهور المصري بأنه يعيش أوضاعا جيدة مقارنة بشعوب العالم، لكن المنصات المصرية افتقدت إلى المنطق والواقعية في مهمتها الحكومية.
القاهرة - يوحي التركيز الإعلامي في مصر حاليا على ما تعانيه بعض الدول الأوروبية من صعوبات معيشية أن الهدف يتجاوز حدود التغطية الإعلامية التقليدية والعبرة أو الاستفادة من الدروس، حيث يحمل الاهتمام تلميحا بإسقاطات تشير إلى أن الكل في الهم سواء، ولا داعي لتقريظ الحكومة على إخفاقاتها الاقتصادية.
وأصبحت كل أزمة تضرب بلدا يتم ربطها مباشرة بنقص السلع وارتفاع أسعارها وانخفاض العملات، ثم يتحول الأمر إلى مادة خصبة في الإعلام للإيحاء بأن الوضع في مصر لا يزال أفضل حالا من حيث توافر السلع والمحروقات، في حين تشهد العديد من الدول أزمات حادة في نقص الوقود المستخدم في التدفئة والشتاء على الأبواب.
وتحفل تغطيات الإعلام في القاهرة بمقارنات بين ما يجري في مصر وخارجها بلا مراعاة لأوجه الاختلاف السياسية والضوابط الاقتصادية، في محاولة لإقناع الناس بأن الاصطفاف خلف الحكومة فرض عين بدليل أن هناك مشكلات معقدة يعيشها الكثير من مواطني دول أخرى يفترض أنها أحسن حالا وأكثر استقرارا.
وتتمسك مقاربة الإعلام في مصر بالقشور والأمور الهامشية وتبتعد عن توسيع قاعدة المقارنة لتبدو طروحاته مقنعة للجمهور، فهو يتحدث عن أزمات اقتصادية تضرب العديد من الدول لكنه يتعامل معها بطريقة انتقائية ولا يلامس وضع الحريات مثلا.
وتصر بعض المنابر الإعلامية على أن تعيش داخل قوقعة وتبحث عن كل ثغرة لتبرير اصطفافها خلف الحكومة المصرية بشكل بات غير مقنع ومستفز للجمهور، مع أنها لو تعاملت بواقعية ونقلت وجهتي النظر الإيجابية والسلبية بلا إيحاء بأن الأوضاع في مصر تتفوق على نظيرتها في الغرب لما وصلت علاقتها مع الناس إلى شبه قطيعة.
وتأثرت مصر بالأزمة الاقتصادية الراهنة مثل غيرها من دول العالم، لكن توقف المقارنة عند عنصر واحد وتجاهل مراعاة الفوارق النسبية بين الجانبين يضرب ما تبقى من مصداقية للإعلام ويجعل المقارنة ظالمة وممجوجة لدى الجمهور.
ويقوم الصحافي (م. ع) بالبحث عن أي أزمات تعيشها دولة أوروبية ليتم نشرها في صدارة الموقع الإخباري الذي يعمل فيه بتكليف مباشر من رئيس التحرير، ويسعى نحو المتابعة اللحظية للإجراءات التي تتخذها الحكومة المصرية في أزمة اقتصادية غير قاصرة عليها، حيث تضرب دولا عديدة، لتأتي التغطية الصحافية للحدث في صالح القاهرة على أمل أن يقتنع القارئ والمتابع بأن الأوضاع فيها لا تزال جيدة.
وقال الصحافي لـ”العرب” إن هناك تكليفات يومية من إدارة التحرير بالموقع الإخباري بالتركيز لحظيا على المشكلات التي يعاني منها المواطنون في أي دولة كبيرة، مثل الاحتجاجات ضد ارتفاع الأسعار، والتظاهر ضد عدم توافر السلع، والغضب الشعبي من زيادة الضرائب، وتسليط الضوء على ما يشير إلى إخفاق هذه الدول في مواجهة تبعات الأزمة الاقتصادية، فالمهم أن يقتنع القارئ المصري أن المشكلات التي يعانيها أخف وطأة من تلك التي تضرب غيره في دول متقدمة.
ولا يختلف الأمر كثيرا في البرامج التلفزيونية، فقد صار أغلبها يبدأ بالحديث عن معاناة المواطن الغربي وتذمره من الأوضاع المعيشية، ما يوحي بأن السياسة التحريرية التي يتعامل بها الإعلام المصري مع هذه القضية موجهة نحو هدف معين هو محاولة تخفيف الضغوط الواقعة على الحكومة، على أمل أن يقتنع الناس أن بلدهم ليس في غاية السوء.
إذا استمر الإعلام المصري في السير على الوتيرة نفسها بلا مراجعة، فإن فرص ترميم العلاقة مع المواطن تصبح مسألة بالغة الصعوبة
ويقلل متابعون لحال الإعلام المصري من جدوى تركيز الخطاب الراهن على أزمات الخارج لامتصاص غصب الداخل، لأن المواطنين ليسوا بالسذاجة التي تدفعهم إلى تصديق رسائل مصطنعة لتغيير رؤيتهم في الحكومة ومنابرها المختلفة.
كما أن الاكتفاء بمقارنات بين الأوضاع المحلية والغربية ليشعر الناس بالرضا على ما أصابهم يعكس لأي درجة تنفصل وسائل الإعلام عن الواقع الذي يعيشه هؤلاء.
وأكد عماد السيد لـ”العرب”، وهو رب أسرة اعتاد مشاهدة البرامج المسائية، أن تسليط الإعلام للضوء على أزمات المواطنين في دول غربية وتجاهل حياته اليومية لا يحظى بمصداقية لديه، معللا ذلك بأن أي مواطن أصبح يبحث عن وسيلة لتوصيل معاناته إلى صانع القرار وليس توصيل معاناة من يعيشون في الغرب إلى الشارع المصري بلا إدراك للفوارق المادية والمعنوية بين المجتمعين، معقبا “يتحدثون إلينا كأننا جهلاء”.
ويبدو تأثير الخطاب الإعلامي المنحاز إلى الحكومة في الصواب والخطأ مؤثرا سلبا على نظرة الجمهور، والكثير من المنابر تتعامل مع المقارنات بين الأوضاع في الداخل والخارج باعتبار أن ذلك من صميم المهنية وهي لا تدرك أن الانحياز المطلق في ظل مشكلات معيشية مسألة صعبة توسع قاعدة الغضب على الإعلام والحكومة.
وذكر حسن علي أستاذ الإعلام بجامعة قناة السويس ورئيس جمعية حماية المشاهد المصري أن هناك معضلة لا يزال الإعلام في مصر يعاني منها بضراوة، ترتبط بالتركيز على النجاحات الحكومية في مختلف القطاعات بلا تطرق إلى أي سلبية حتى لو كانت هناك حالة استياء حقيقية لدى فئات عديدة من المواطنين، ما يكرس الانفصال عن الواقع، في حين أن تبني وجهات نظر الشارع بطريقة متوازنة عملية مهمة وقت الأزمات تحمل تنفيسا يصب في صالح الحكومة.
التركيز على أزمات دول أخرى لتهدئة الشارع لن يكون مفيدا على المدى البعيد، وقد يتسبب في تداعيات سلبية أشد خطورة،
ولفت لـ”العرب” إلى أن المقارنة بين الواقع المصري ونظيره في الغرب تؤثر على صورة الإعلام وما يحمله من معان تتعلق بالخطاب السياسي الرسمي، لأن الناس عندما لا يجدون معاناتهم في التغطيات الإعلامية يتشككون في التوجهات العامة، علاوة على أن الاكتفاء فقط بردود الفعل الإيجابية لن يصب في صالح الدولة وأهدافها، فلا أحد ينكر أن هناك أزمات حادة تعاني منها دول عديدة، وهي عملية لا يجب أن تتحول إلى مبرر للإعلام لإقناع الناس بتقبلهم للصورة التي ينقلها لهم الإعلام.
وحال استمر الإعلام المصري في السير على الوتيرة نفسها بلا مراجعة، فإن فرص ترميم العلاقة مع المواطن تصبح مسألة بالغة الصعوبة، وطالما هناك إصرار على تغييب الحقائق والسعي لغرس صور خيالية لن يحدث التأثير المطلوب في الواقع.
ولن يكون التركيز على أزمات دول أخرى لتهدئة الشارع مفيدا على المدى البعيد، وقد يتسبب في تداعيات سلبية أشد خطورة، فإذا كان الاحتجاج في الغرب وسيلة للضغط على الحكومات وصناع القرارات لتحسين الأوضاع الاقتصادية، فلا مانع من القيام بإعادة إنتاج التصرفات ذاتها في مصر، ولذلك فتمسّك الإعلام بمقارنات واهية من دون مراعاة للخصوصيات المحلية عند التغطية سوف يتحول إلى نقمة سياسية.