الجزائر تحاول القطع مع الخطط البالية لصناعة السيارات

وزارة الصناعة تتفاوض مع 4 مجموعات عالمية لإقناعها بالاستثمار في السوق المحلية.
الثلاثاء 2022/11/08
في الاستثمار العبرة بالنتائج!

تتباين آراء الخبراء بشأن تحركات الجزائر الرامية إلى إحداث انقلاب في سياساتها القديمة في صناعة السيارات لكسب ثقة رؤوس الأموال المحلية والأجنبية، حيث تحاول الحكومة عبر قانون جديد للاستثمار إزالة القيود التي سيطرت على القطاع لسنوات.

الجزائر – تسابق السلطات الجزائرية الزمن لإعادة إطلاق مصانع لتجميع وتركيب السيارات وفق تصورات جديدة، في محاولة تهدف إلى إصلاح ما أفسدته مشاريع سابقة في عهد الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة.

وفي محاولة لكسب ثقة المستثمرين، أبرمت وزارة الصناعة منتصف الشهر الماضي اتفاقا مع شركة فيات الإيطالية لإقامة مصنع لها بولاية (محافظة) وهران غرب البلاد.

ولفت بيان للوزارة إلى أن التوقيع جرى بمقرها في الجزائر العاصمة بحضور السفير الإيطالي جيوفاني بولييزي وسفير الجزائر لدى روما عبدالكريم طواهرية، دون الكشف عن القيمة المالية للمشروع.

وأشارت إلى أن التوقيع جاء بعد “مشاورات وأن المشروع يندرج في إطار الرفع وتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي بين البلدين”.

وحسب والي (محافظ) وهران سعيد سعيود، فمن المتوقع أن تخرج أولى مركبات هذا المصنع في ديسمبر المقبل. ولكنه لم يذكر طاقة إنتاجه.

وفي فبراير 2019 أعلنت شركة نيسان أنها ستنشئ وحدة لها بالجزائر بتكلفة 160 مليون دولار بالتعاون مع مجموعة حسناوي.

ومنذ سنوات يثير ملف السيارات جدلا كبيرا بالبلد النفطي الذي سيطر الفساد على مفاصل اقتصاده، في ظل تجميد توريد المركبات الجديدة منذ 2017، والمستعملة منذ 2005، وفشل مشاريع للتركيب والتجميع التي أطلقت قبل 2019.

وانعكس ذلك بوضوح على عمليات البيع، إذ تقول جمعيات حماية المستهلك إن السوق المحلية تشهد ندرة كبيرة في السيارات الجديدة والمستعملة، وغلاء في الأسعار فاق كل التصورات.

محمد منداسي: السلطات فضّلت التريث حتى تغيير قانون الاستثمار
محمد منداسي: السلطات فضّلت التريث حتى تغيير قانون الاستثمار

وظلت الشركات الأجنبية العاملة بالبلد العضو في منظمة أوبك تشكو باستمرار من أن القوانين واللوائح تتغير باستمرار وتطبق بشكل غير متساو، وهو ما يزيد من منسوب الأخطار.

كما أن الشركات ورجال الأعمال يخشون المجازفة بالدخول في مشاريع محلية بسبب نقص ضمانات الحقوق القضائية، وطول مسار التقاضي الذي يعدّ من أكبر العقبات في بيئة الاستثمار في البلاد.

وقبل أيام وجه الرئيس عبدالمجيد تبون بالترخيص لاستيراد السيارات المستعملة التي لا يتعدى عمرها ثلاث سنوات، لأول مرة منذ 17 عاما، وذلك ضمن ميزانية 2023.

ويرى الصحافي المتخصص في السيارات بجريدة “المجاهد” الحكومية الناطقة بالفرنسية محمد منداسي أن إستراتيجية حكومات الراحل بوتفليقة منيت بفشل ذريع.

وأوضح أن رئيس الوزراء الأسبق عبدالمالك سلال المسجون حاليا بتهم فساد، راهن على وكلاء سيارات كانت مهمتهم تقتصر فقط على الاستيراد وتسويق وخدمة ما بعد البيع لا أكثر من دون أي خبرة في تصنيع المركبات.

ونسبت وكالة الأناضول إلى منداسي قوله “كان ذلك خطأ فادحا وأضراره ما زالت مستمرة إلى اليوم في أحد أهم أسواق السيارات في أفريقيا”.

وتابع “الإستراتيجية السابقة لم تتجاوز فيها نسبة الإدماج المحلي في تجميع وتركيب السيارات 5 في المئة، وتسببت في خسائر فادحة للخزينة العامة”.

أحمد زغدار: نريد إطلاق مشاريع وفق خطوات سليمة وإدماج مقبول
أحمد زغدار: نريد إطلاق مشاريع وفق خطوات سليمة وإدماج مقبول

ويُعتقد أن السلطات فضلت التريث في ما يتعلق بملف السيارات حتى صدور قانون الاستثمار الجديد، الذي تقول السلطات إنه تضمن إجراءات تحفيزية غير مسبوقة.

ويقول خبراء إن مسلسل تعثر صناعة السيارات في الجزائر بدأ عام 2014، بأخطاء متتالية لحكومات بوتفليقة، بينما كان المغرب في ذلك الوقت يؤسس لقطاع قوي وباتت الأرقام اليوم تتحدث عن نفسها هناك.

وكانت الانطلاقة بطرح الجزائر لدفتر شروط يتعلق باستيراد المركبات الجديدة التي وجب توفر معايير معينة فيها للسلامة والأمن، ما تسبب في توقف دخول السيارات إلى البلاد لأشهر.

وفي نهاية 2015 وفي ظل الصدمة النفطية التي أعقبت أزمة 2014 وتهاوي أسعار الخام، تم إقرار إجراءات في الميزانية تقضي بإخضاع استيراد السيارات الجديدة لتراخيص مسبقة تسلمها وزارة الصناعة، في محاولة للحد من نزيف النقد الأجنبي.

ووفق الأرقام الرسمية، بلغت واردات البلاد في 2013 نحو 650 ألف مركبة، بتكلفة فاقت سبعة مليارات دولار، وهي الأعلى في تاريخ البلاد حسب السلطات.

وعقب تقليص الاستيراد اعتبارا من 2016، أطلقت الحكومة مشاريع للتركيب والتجميع في عدة ولايات مع شركات عالمية أوروبية وآسيوية في خطوة قالت حينها إنها “تهدف إلى جعل الجزائر بلدا مصنّعا للسيارات في غضون سنوات”.

وفي المقابل، استفاد أصحاب المصانع من امتيازات كثيرة منها إعفاءات ضريبية وجمركية لمدة 5 سنوات، والحصول على أراض لإقامة المنشآت بشكل مجاني من طرف الدولة، مع اشتراط نسبة إدماج محلية معينة.

صناعة السيارات

لكن بمرور السنوات، لم تقدر المصانع التي جرى إطلاقها على بلوغ نسب إدماج محلية مقبولة، واستمر استيراد أجزاء السيارات كاملة تقريبا، وتحول الملف لدى الجزائريين إلى مصدر للتندر في إطار ما عرف بـ”مصانع نفخ العجلات”.

واستعمل هذا المصطلح للدلالة على أن المصانع تستورد أجزاء السيارات كاملة من الخارج، ويتم فقط نفخ العجلات في الجزائر فقط.

وفي سبتمبر 2021 قال تبون إن “تجاوزات بالجملة حدثت في مصانع التركيب وتسببت في ضياع 3.2 مليار دولار”، في إشارة إلى حقبة بوتفليقة.

وأشار حينها إلى أن هذه التجاوزات أدت إلى تسويق سيارات مصنوعة محليا للجزائريين بسعر أعلى من تلك المستوردة.

3.2

مليار دولار خسائر القطاع في عهد بوتفليقة جراء التجاوزات التي حدثت في مصانع التجميع

وحتى تحدث انقلابا، تجري وزارة الصناعة مفاوضات مع 4 مجموعات عالمية لصناعة السيارات لم يجر الكشف عنها باستثناء فيات، والتي تعد فرعا لمجمع ستيلانتيس العالمي الذي يضم شركات إيطالية وفرنسية وأميركية.

وأكد وزير الصناعة أحمد زغدار مطلع أكتوبر الماضي أن الحكومة بصدد التفاوض مع شركات عالمية لإقامة صناعة محلية حقيقية.

ولفت إلى أن السلطات أفرجت مؤخرا عن قانون استثمار جديد يتضمن إجراءات تحفيزية معتبرة ستساهم في إقامة مصانع للسيارات.

وسبق للمسؤول أن قال إن البلاد “تسعى لإطلاق مشاريع في القطاع وفق خطوات صحيحة وسليمة، ونسبة إدماج مقبولة”.

وقال إن “التوجه الجديد مفاده السماح لشركات عالمية بدخول السوق الجزائرية لبيع منتجاتها في العام الأول، ينتهي بالشروع في عملية التركيب، والانتهاء بصناعة حقيقية بحلول العام الثالث”.

وأوضح زغدار أن جميع المشاريع السابقة للسيارات، في إشارة إلى حقبة بوتفليقة، لم تصل نسبة الإدماج فيها إلى 3 في المئة، وهو “أمر غير مقبول”، ولذلك فإن الإستراتيجية الجديدة لا تطلب نسبة إدماج في السنة الأولى لكنها تصل في العام الثالث إلى نسب مقبولة.

11