كشف حساب لعهد عون.. تراجع صادم لحرية التعبير

مسار قمعي ممنهج رسّخته السلطة السياسية لإسكات الانتقادات الموجّهة إلى السياسيين في لبنان.
الخميس 2022/11/03
كل الحق يقع على "فخامته"

بعد عقود من تميز لبنان بحرية الصحافة مقارنة بالبلدان العربية المحيطة به، شهدت هذه الحرية انتكاسة غير مسبوقة في عهد الرئيس اللبناني ميشال عون، وانعكست تضييقا للخناق على اللبنانيين الذين يعانون من أزمة اقتصادية وسياسية مستفحلة.

بيروت - شهد لبنان خلال السنوات الستّ الماضية تراجعاً خطيراً لحرية التعبير، وتحديداً منذ تاريخ وصول الرئيس ميشال عون إلى سدّة الرئاسة في 31 أكتوبر 2016. فبات لبنان يقترب من تصنيف الدول المستبدّة والبوليسية، وخصوصاً بعد أن تصاعدت الممارسات القمعية والانتهاكات بحق حرية التعبير.

ووثّق مركز “سكايز” أكثر من 801 انتهاك ضد الحريات الإعلامية والثقافية حصلت خلال فترة عهد الرئيس عون. وتنوّعت الانتهاكات بين اغتيالات، وهجوم مسلح على ممتلكات إعلامية، واعتداء على صحافيين وناشطين من قِبل جهات رسمية وغير رسمية، استدعاء واستجواب صحافيين وناشطين، تهديد وتنمّر، قضايا أمام المحاكم تتعلّق بحرية التعبير، رقابة رسمية وغير رسمية على الأعمال الثقافية والنشاطات، حجب محتوى إلكتروني، حكم بالسجن بحقّ صحافيين، أحكام من قِبل المحاكم غير المختصة كالمحكمة العسكرية، توقيف واحتجاز صحافيين وناشطين ومواطنين. إضافة إلى استخدام القوة المفرطة والعنف غير المسوّغ بحقّ المتظاهرين وبحقّ المصورين والصحافيين والمراسلين، وكذلك محاكمة عشرات المتظاهرين والناشطين أمام المحكمة العسكرية.

وكان هدف هـذا المسار القمعي الممنهج الذي رسّخته السلطة السياسية بالتعاون مع الأجهزة الأمنية والنيابات العامة إسكات الانتقادات الموجّهة للسياسيين. فتصاعدت وتيرة الاستدعاءات بحق الصحافيين والناشطين والمواطنين من قِبل النيابة العامة التمييزية والأجهزة الأمنية المختلفة، من مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية، وأمن الدولة، والمباحث الجنائية وحتى الأمن العام اللبناني وشعبة المعلومات. وكانت معظم الاستدعاءات على خلفية شكاوى “قدح وذمّ وتحقير” بحقّ سياسيين والأجهزة الأمنية.

جوزف القصيفي: تراجع حرية التعبير لا يقتصر على لبنان بل يطال كل الدول
جوزف القصيفي: تراجع حرية التعبير لا يقتصر على لبنان بل يطال كل الدول

واستندت في ملاحقاتها إلى النصوص القانونية الجزائية المتعلّقة بالقدح والذمّ في قانون العقوبات اللبناني وقانون القضاء العسكري وقانون المطبوعات.

يذكر أن لبنان تميز طوال عقود بحرية الصحافة مقارنة بالبلدان العربية المحيطة به، لكنها تراجعت إلى حد كبير.

وسجّل خلال عهد الرئيس عون التراجع الصادم للبنان في “التصنيف العالمي لحرية الصحافة”، والذي تُصدره منظمة “مراسلون بلا حدود”، فلبنان الذي كان يحلّ في المرتبة 98 في العام 2016، حلّ في العام 2022 في المرتبة 130 بين 180 دولة، متراجعاً 32 مرتبة عن العام 2016.

ويعد الضغط السياسي على المشهد الإعلامي أقوى من أي يوم مضى على الرغم من اعتقاد الصحافيين بأن “ثورة 17 أكتوبر أنهت زمن عدم انتقاد الشخصيات العامة التي لا تمسها وسائل الإعلام”، بحسب التقرير الذي يضيف أن “حرية التعبير الحقيقية موجودة في وسائل الإعلام اللبنانية، لكن في الواقع يخضع القطاع لسيطرة مجموعة صغيرة من الأفراد المرتبطين مباشرة بأحزاب سياسية أو ينتمون إلى عائلات محلية”.

ويعكس المشهد الإعلامي”التركيبة السياسية في لبنان، في حين تعكس الصحافة المكتوبة الخلافات السياسية والطائفية التي يشهدها البلد”، من دون إغفال الرقابة الدينية على وسائل الإعلام، والتي توصف بأنها “سلاح مهم” في الصراع السياسي.

واعتبرت المنظمة أن الرأي العام هو في الغالب محافظ، وبعض المواضيع لا تزال من المحرمات، مثل نقد التراث الثقافي والديني، وغالبا ما يتم استهداف الصحافيات بحملات التشهير، ويشارك في هذه الحملات نشطاء سياسيون، خاصة نشطاء حزب الله، الذين يستخدمون موقع تويتر لتهديد الصحافيين.

يكفل لبنان حرية الرأي والتعبير في دستوره وفي المواثيق الدولية المصادق عليها، وقد نصت الفقرة (ب) من مقدمة الدستور على أن “لبنان عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم بمواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتجسّد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات من دون استثناء”.

وجاء في الفقرة (ج) “لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين من دون تمايز أو تفضيل”.

الضغط السياسي أقوى من أي وقت مضى على الرغم من الاعتقاد بأن ثورة 17 أكتوبر أنهت "قدسية" الشخصيات العامة

أما المادة (13) من الدستور فكفلت حرية إبداء الرأي قولا وكتابة، وحرية الطباعة وحرية الاجتماع وحرية تأليف الجمعيات “ضمن دائرة القانون”. تراجع لبنان 23 مرتبة دفعة واحدة في مؤشر الصحافة العالمي لم يجعل نقيب الصحافة، عوني الكعكي، أقل افتخارا واعتزازا بأن الصحافة اللبنانية لا تزال الرائدة في الحريات، لا بل الأكثر حرية بين الكثير من صحافة العالم، على الرغم من “الأوضاع الاقتصادية الصعبة جدا وإغلاق بعض المؤسسات الكبرى لأسباب مالية”، حسب قوله.

ويرى الكعكي أن سبب التراجع هم “الأشخاص الذين يحكمون، فمثلا رئيس الجمهورية الأسبق إميل لحود رفض رفع دعوى على أي صحافي على الرغم من كل الهجوم الذي تعرض له، أما اليوم فإن الحق يقع على فخامته”، في إشارة إلى رئيس الجمهورية ميشال عون.

واعتبر نقيب محرري الصحافة، جوزف القصيفي، أن “التراجع لا يقتصر على لبنان بل يطال كل الدول، وهو أمر عائد إلى طغيان التأثير المالي والاقتصادي والأيديولوجي وتصاعد خطاب الكراهية والنعرات الفئوية والنزعات العرقية التي يشهدها العالم، إضافة إلى وجود أنظمة سياسية توتاليتارية تمارس التشدد والرقابة وتعاقب الصحافيين بالسجن وتعرضهم في أحيان أخرى لأذى جسدي ومعنوي”.

وأضاف “هذه المؤشرات موجودة نلمسها في ما نراه من حولنا، ولم تشر إليها التقارير الدولية فقط، الوسائل تتعدد والتضييق واحد، وفي ما يتعلق بلبنان منذ سنتين إلى الآن لم تسجل أي عملية اغتيال أو تعرض صحافي لاعتداء دموي”.

ويعيش الإعلام اللبناني منذ سنوات أزمة عمّقتها أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود. ويعاني من تراجع في الدخل جراء انخفاض المال السياسي وغياب الدعم المالي الخليجي الذي كان يغذي وسائل الإعلام، ويشمل هذا التراجع كل المؤسسات الإعلامية العاملة في لبنان. ويتزامن تراجع المال السياسي مع انخفاض في الإعلانات بالمنطقة ككل لأسباب اقتصادية وسياسية، وبالتالي تراجعت حصة لبنان من عوائد الإعلانات.

16