كثرة المنغصات تخنق مبادرات المشاريع الصغيرة في غزة

غزة - يواجه أصحاب المشاريع الصغيرة في قطاع غزة منغصات أكبر هذه الفترة بالنظر إلى تعدد العراقيل المتعلقة بالتمويل والتكاليف والتسويق والضرائب، مما جعلهم يحصون الخسائر وقلة الإيرادات أكثر مما كانوا يتوقعون.
تجابه الشابة الفلسطينية صابرين السيلاوي سلسلة تحديات تعيق تقدم مشروع صغير أسسته مع عائلتها منذ عامين لتوفير مصدر دخل مالي لهم.
ويقوم هذا المشروع على إنتاج الأطعمة والمأكولات المحلية، غير أن ارتفاع الكلفة وانعدام فرص التسويق يشكلان عائقا أمامها ويحدان من تحصيلها الأرباح اللازمة لتطوير مشروعها.
وتقول السيلاوي، في الثلاثينات من عمرها، لوكالة الأنباء الألمانية إن مجال المطاعم في إطار المشاريع الصغيرة يعاني من ركود حاد وضعف في التسويق نتيجة الظروف الاقتصادية المتدهورة في غزة.
وتوضح أن الضغوط المعيشية السيئة تجعل الظروف غير ملائمة لنجاح مشروعها الذي يشغل جميع أفراد عائلتها البالغ عددهم ستة أشخاص، ويشكل مصدر رزق وحيدا رغم تنوع الأطعمة التي تعرضها.
ولكي تجذب الزبائن تعتمد السيلاوي على التسويق والدعاية على مواقع التواصل الاجتماعي وتقديم عروض خصومات بغرض الحفاظ على الحد الأدنى من وتيرة عمل مشروعها.
مؤشرات أونكتاد
● 50 في المئة من القوى العاملة بغزة عاطلون عن العمل
● 83 في المئة من العمال يجنون أقل من الحد الأدنى للأجور
● 53 في المئة من سكان غزة يعانون انعدام الأمن الغذائي
ويعتبر خبراء أن ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج، وضعف فرص التسويق الداخلي والخارجي يقيدان فرص نجاح المشاريع الصغيرة في غزة التي غالبا ما تعد ملاذا للهرب من واقع البطالة المرتفعة.
وألقت سنوات ممتدة من الحصار الإسرائيلي المفروض منذ منتصف 2007 بظلال وخيمة على الوضع الاقتصادي برقعة جغرافية صغيرة يقطنها أكثر من اثنين مليون نسمة.
وأبرز تقرير حديث لمنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، أن الحصار أنهك اقتصاد غزة وتسبب في اعتماد 80 في المئة من سكان القطاع على المساعدات الدولية.
ووصفت أونكتاد غزة بأنها لا تزال تقع في حلقة مفرغة، حيث تقتصر تدخلات المجتمع الدولي والجهات المانحة عادة، على الأنشطة الإنسانية والتأهيلية الفورية والعاجلة، وتوجه القليل من الموارد المتبقية للتنمية المستدامة، وتلبية احتياجات التنمية طويلة الأجل.
ويقدر التقرير بأن أكثر من نصف القوى العاملة في قطاع عاطل عن العمل، فيما يحصل أكثر من 83 في المئة من العمال على أقل من الحد الأدنى للأجور ما تسبب في تفاقم معدلات الفقر ومعاناة 53 في المئة من السكان من انعدام الأمن الغذائي.
وأمام انعدام البدائل، يصر الكثير من أصحاب المشاريع الصغيرة على الاستمرار في العمل، أملا في تحسن الأوضاع وانخفاض أسعار المواد الخام وفتح آفاق تسويق جديدة في الخارج لمشاريعهم.
وتقول سهاد سعد التي تدير مشروعا للمشغولات اليدوية والمطرزات إن ما تجنيه من أرباح مالية لا يذكر أمام الجهد والوقت الذي تبذله بفعل الضعف الشديد في المبيعات وانعدام فرص التسويق الخارجي.
وتشتكي من أن ارتفاع أسعار المشغولات جراء ارتفاع مدخلات الإنتاج يحد من القدرة الشرائية لدى الزبائن ما يجعلها تعتمد على العمل الموسمي لإنعاش مشروعها.
ولذا تنتقد انعدام الاهتمام من المؤسسات والوزارات بالنسبة إلى هذه الصناعة، التي تعمل بها المئات من النساء وتوفر لهن مصدر دخل وحيدا لإعالة عوائلهن في ظل الظروف المعيشية الصعبة.
كما تبرز سعد أن غياب فرص التسويق الخارجي والقيود المفروضة على التصدير من غزة يقوضان فرص تحسن المشاريع القائمة على الصناعات التراثية رغم ما تلقاه من رواج كبير في الخارج.
وعادة ما يعتمد أصحاب المشاريع الصغيرة على إقامة معارض محلية في أوقات متباعدة للتسويق لمنتجاتهم وإبرام عقود صفقات تجارية مجدية مع جمعيات محلية، لكن يبقى عدد قليل من أصحاب تلك المشاريع قادرا على الصمود.
ويقول محمد حسان الذي يدير مشروعا لصناعة الأدوات التراثية القديمة، إن مهنته مهددة بالتلاشي التام بفعل ضعف المبيعات وعدم القدرة على التصدير إلى الخارج.
ويشير إلى أن العديد من المشاريع الناشطة في هذا المجال أغلقت أبوابها خلال الأعوام الأخيرة بفعل ضعف المبيعات وتحول أصحابها إلى عاطلين عن العمل.
ويكرر حسان شكاوى بشأن ارتفاع أسعار وندرة المواد الخام التي تدخل في صناعة هذه الأدوات، خصوصا الأسلحة البيضاء التراثية مثل السيوف والخناجر وأن مبيعاتهم تقتصر على مخاتير وشخصيات اعتبارية.
ويتطلع الحرفيون أمثال حسان إلى تمكينهم من تسويق مشغولاتهم خارج غزة، والمشاركة في معارض دولية وعربية لتحقيق الجدوى الاقتصادية المناسبة لمشاريعهم.
وإلى جانب التدهور الاقتصادي وقيود الحصار الإسرائيلي، فإن فرض الضرائب من الجهات الحكومية التي تديرها حركة حماس يضاعف التحديات أمام أصحاب المشاريع الصغيرة.
ويقول ثابت شريف الذي يدير شركة للاستيراد في غزة، إن الجهات الحكومية فرضت هذا الصيف ضرائب جديدة على عدد من السلع الواردة إلى القطاع، من بينها بعض أصناف الملابس ومدخلات الإنتاج.
ويوضح أن هذا الإجراء فاقم من صعوبات عملهم في ظل الارتفاع القياسي للمنتجات المستوردة وصعوبات تسويقها بفعل ذلك، لاسيما في ظل ضعف القدرات الشرائية الحاصلة أصلا في القطاع.
ووفق شريف، شملت الضرائب الجديدة نحو ثلاثة دولارات على كل قطعة من بناطيل الجينز، ومثلها على جلباب العباءة وذلك ضمن فرض رسوم استيراد على كافة السلع والبضائع الواردة للقطاع التي لها بديل محلي بدعوى دعم المنتج الوطني.
ويقول أمين سر نقابة الألبسة في قطاع غزة ناهض السودة إنهم تحصلوا منذ شهرين تقريبا على قرار من المحكمة الإدارية لإلغاء قرار وزارة الاقتصاد بشأن فرض الضرائب الجديدة لكن لم يتم الالتزام بتنفيذه.
ويوضح السودة أن أصحاب شركات استيراد الألبسة والمواد الغذائية عمدوا إلى تنظيم عدة تظاهرات احتجاجية من أجل لفت الانتباه لمشكلتهم لكن دون أي استجابة رسمية.
ويشدد على وجوب الانتباه للواقع الصعب لأصحاب المشاريع الصغيرة في قطاع غزة وتسهيل عملهم بدلا من مضاعفة الضرائب المفروضة عليهم بما يهدد بفقدان مصدر دخلهم والانضمام لجيش العاطلين عن العمل.