الرد المتأخر للجزائر يضاعف الشكوك بشأن الجماجم المستعادة من فرنسا

باريس تلتزم الصمت، ولم تشأ إصدار أي توضيح أو تعليق، واكتفت بإحالة تساؤلات الصحيفة الأميركية التي وجهت إلى قصر الإليزيه على وزارة الخارجية.
الخميس 2022/10/27
هل تلاعبت فرنسا بالجزائر في ملف الجماجم.. سؤال يبقى مطروحا

 الجزائر - تأخر الرد الجزائري على التقارير الأميركية المتعلقة بقضية الجماجم بشكل أسهم في تمديد حالة الغموض حول المسألة، وفتح المجال أمام تأويلات متضاربة عن تفاصيل الملف وحقيقته، خاصة بعد دخول صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية على الخط.

ونفى وزير المجاهدين (قدماء المحاربين) العيد ربيقة ما ورد في تقرير صحيفة “نيويورك تايمز”، حول قضية الجماجم المستلمة من طرف متحف الإنسان بباريس، وشدد ربيقة في تصريح بمدينة وهران بمناسبة انعقاد ملتقى “البعد العربي في ثورة التحرير الجزائرية” على أن المصالح المختصة لم توافق على الاستلام إلا بعد إجراء التحاليل الدقيقة على جماجم المقاومين، وأن ما ورد في صحيفة “نيويورك تايمز” عار عن الصحة.

العيد ربيقة: الضجة التي أثيرت هي استهداف للدولة الجزائرية
العيد ربيقة: الضجة التي أثيرت هي استهداف للدولة الجزائرية

وذكر ربيقة أن “عملية تحديد هوية الجماجم تمت وفق المعايير العلمية المتعارف عليها وعلى أعلى مستوى قبل نقلها إلى الجزائر، وأن ما تم تداوله من قبل وسائل إعلام حول هذا الموضوع ليس صحيحا، والضجة التي أثيرت هي مجرد استهداف للدولة الجزائرية”.

وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” ذكرت في تقرير لها أنها “اطلعت على وثائق من متحف الإنسان بباريس تشير إلى أن الجماجم التي استعادتها الجزائر في شهر يوليو من العام 2020، ليست كلها لقادة المقاومة الشعبية، وإنما تضم متعاونين مع الجيش الفرنسي ومحكوما عليهم في إطار الحق العام”.

ولفتت الصحيفة إلى أن “من ضمن 24 جمجمة استعيدت، هناك ست فقط لقادة المقاومة الشعبية، والآخرون للصوص ومحكوم عليهم وعناصر من تنظيم ‘الزواف’ الموالي للجيش الفرنسي”، وهو ما هز الرأي العام الجزائري وشكل فضيحة للسلطتين الجزائرية والفرنسية الباحثتين عن تسوية لملف الذاكرة والتاريخ المشترك، خاصة وأن النظام الجزائري عمل على تسويق العملية حينها على أنها مكسب دبلوماسي.

وتعقّد الوضع مع دخول صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية على الخط، بنشر تقرير تحدث عن أن الأمر تم بتوافق بين الطرفين، وأن “الصفقة” عبارة عن “إعارة لمدة معينة”، لأن الجماجم والرفات تبقى ملكا للسلطة الفرنسية، وهو ما يعني إرجاعها في يوم ما، إذا لم تصدر الإدارة الفرنسية قرارا بالتنازل عنها لصالح الجزائر.

وفيما تعهد وزير المجاهدين (قدماء المحاربين) العيد ربيقة بتقديم تفاصيل أخرى في المستقبل، فإن الاكتفاء بالنفي غير المدعوم بأدلة وتعليق المسألة على مشجب استهداف الدولة الجزائرية يبقيان الغموض على القضية، حتى وإن لم تصدر ردود فعل موازية، كما دأب عليه الرأي العام المحلي لمّا يتعلق الأمر بملف الذاكرة والتاريخ مع فرنسا.

وخصصت السلطات الجزائرية حين استعادت الجماجم المذكورة استعراضا وتشريفات خاصة، كما ألقى الرئيس عبدالمجيد تبون حينها، وقائد أركان الجيش سعيد شنقريحة خطابات مشحونة تماهت مع تفاعل الشارع الجزائري، وهو ما سهل عملية التسويق السياسي للإنجاز غير المسبوق، قبل أن يتبخر بتقارير “نيويورك تايمز” و”ليبراسيون”.

وأمام الرد المحتشم والمتأخر للسلطات الجزائرية حول القضية، لا تزال باريس تلتزم الصمت، ولم تشأ إصدار أي توضيح أو تعليق، واكتفت بإحالة تساؤلات الصحيفة الأميركية التي وجهت إلى قصر الإليزيه على وزارة الخارجية.

6

جماجم فقط من ضمن 24 جمجمة استعيدت، لقادة مقاومة شعبية والآخرون، للصوص ومحكوم عليهم

ويخشى متابعون للعلاقات الجزائرية – الفرنسية من أن تلقي هذه القضية بظلالها على التقارب السياسي بين البلدين، في ظل بقاء ممارسات تشوش على مسار التطبيع بينهما، فضلا عن ارتداداتها على شعبية السلطة الجزائرية، قياسا بما تمثله الحقبة الاستعمارية من ثقل في المخيال الجزائري.

وكان الباحث الجزائري علي فريد بلقاضي، المهتم بقضايا الجماجم والرفات الجزائرية المتواجدة في متحف الإنسان بباريس، والمقدرة بنحو 500 جمجمة ورفات، قد كشف في تغريدة له على حسابه في تويتر أن “الجزائر رفضت استلام جمجمتين أخريين من المتحف الوطني الفرنسي للتاريخ الطبيعي”.

وأضاف “الجزائريون غاضبون جدا كون زملائهم الفرنسيين تلاعبوا بهم، وساعدهم في ذلك بعض الخبراء الفاسدين الذين لا يعرفون إلا القليل من القواعد المعمول بها في مهنتهم”، وهو تلميح مبطن للفريق الجزائري الذي أشرف على العملية.

ويعد فريد بلقاضي من المؤرخين والباحثين الجزائريين، الذين سخروا مسارهم المهني لملف الجماجم الجزائرية في متحف الإنسان، وشن حملة إعلامية لسنوات طويلة من أجل استرجاع الجزائر جماجم قادة المقاومة الشعبية في القرن التاسع عشر، ويخوض معركة أخرى لكشف حقائق جديدة حول القضية، لاسيما وأن مقاربته تميل إلى فرضية تلاعب الفرنسيين.

وذكّر في تدوينة له بأنه “حذر الرئيس تبون من ضربة يجري الإعداد لها بواسطة صحيفة نيويورك تايمز”، وأنه وجه له رسالة من 32 صفحة، لكنه لم يتلق أي رد عليها.

4