مهام اقتصادية وسياسية معقدة تنتظر سوناك

تنتظر رئيس الوزراء البريطاني الجديد ريشي سوناك مهام اقتصادية وسياسية معقدة في بلد يواجه مرحلة غير مسبوقة من عدم الاستقرار. وفي الوقت الذي تسود فيه مخاطر الركود الاقتصادي، يعاني حزب المحافظين الحاكم من انقسامات عميقة.
لندن - قال رئيس الوزراء البريطاني الجديد ريشي سوناك الثلاثاء إنه لا يخشى حجم التحديات التي تنتظره، بعدما أصبح ثالث رئيس وزراء في بريطانيا في غضون شهرين، وتعهد بالخروج بالبلاد من الأزمة الاقتصادية وإعادة بناء الثقة في السياسة.
كما تعهد سوناك (42 عاما) بالعمل على توحيد البلاد. وبدأ يحدد بعض الأسماء ضمن تشكيلة حكومته، وأبقى جيريمي هانت في منصب وزير المالية، وهي خطوة من شأنها أن توفر المزيد من الهدوء للأسواق التي رفضت خطط سلفه.
وتم تكليف سوناك، الذي كان رئيسا لصندوق التحوط، بإنهاء الخلافات الداخلية في حزب المحافظين وبوضع حد للتغييرات الجذرية في السياسة التي أثارت قلق المستثمرين والحلفاء الدوليين.
وحذر من أن المرحلة التالية قد تشهد اتخاذ قرارات صعبة مع دراسته خفض الإنفاق العام وإصلاح “الأخطاء” التي ارتكبتها رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس خلال الفترة القصيرة التي شغلت فيها المنصب والتي سادتها الفوضي، في وقت تتجه فيه البلاد إلى ركود.
وقال من أمام مقر إقامة رئيس الوزراء في داونينغ ستريت “أقدر تماما مدى صعوبة الأمور… أعرف أيضا أن أمامي عملا علي أن أقوم به لاستعادة الثقة، بعد كل ما حدث. كل ما يمكنني قوله هو أنني لست خائفا. أدرك المنصب الرفيع الذي قبلته وآمل أن أكون قادرا على الوفاء بمتطلباته”.
وفي غضون ساعات شرع سوناك في تعيين فريقه الحكومي. وسيحتفظ هانت، الذي يعدّ موازنة جديدة وبيانات تتعلق بتوقعات الاقتراض والنمو ومن المفترض صدورها في 31 أكتوبر الجاري، بالمنصب الذي حصل عليه في حكومة تراس. كما تشير توقعات إلى دخول حليفه والنائب السابق لرئيس الوزراء دومينيك راب إلى داونينغ ستريت.
ومن المتوقع أن يخفض سوناك، وهو أحد أغنى النواب في البرلمان، الإنفاق لسد فجوة تقدر بنحو 40 مليار جنيه إسترليني (45 مليار دولار) في المالية العامة جراء تباطؤ الاقتصاد وارتفاع تكاليف الاقتراض فضلا عن مخطط لدعم الطاقة.
ومع التراجع المتواصل في شعبية حزبه سيواجه دعوات متزايدة لإجراء انتخابات إذا تخلى عن الكثير من الوعود التي قادت إلى انتخاب حزب المحافظين في عام 2019، عندما تعهد زعيم الحزب آنذاك بوريس جونسون بتكثيف الاستثمارات.
وسيترأس سوناك حزب المحافظين الذي يشهد انقسامات عميقة بعد انقضاء 12 عاماً على وجوده في السلطة. وصرّح النواب في معسكره بأنه يجب عليهم “الاتحاد أو الموت”، في ظلّ تحقيق المعارضة العمّالية تقدّماً في استطلاعات الرأي قبل عامين من الانتخابات العامّة.
تم تكليف سوناك بإنهاء الخلافات الداخلية في حزب المحافظين وبوضع حد للتغييرات الجذرية في السياسة التي أثارت قلق المستثمرين والحلفاء الدوليين
وقد ورد ذلك في الصفحات الأولى من الصحف اليومية البريطانية؛ فقد أشادت الديلي ميل بـ”حقبة جديدة”، بينما قالت صحيفة ذا صن “عسى أن تكون القوة معك ريشي”، واضعة سيفا ضوئيا في يد هذا المشجِّع الكبير لسلسلة “حرب النجوم”.
واستبعد سوناك انتخابات مبكرة يطالب بها حزب العمّال. ولكن وفقاً لاستطلاع أجرته شركة “إيبسوس” الإثنين أعرب 62 في المئة من الناخبين عن رغبتهم في إجراء هذه الانتخابات قبل نهاية العام الجاري.
وتعهد سوناك، الذي تولى وزارة المالية خلال جائحة كورونا، بوضع الاستقرار الاقتصادي والثقة على رأس جدول أعماله. وقال بعد وقت قصير من قبوله تكليف الملك تشارلز بتشكيل الحكومة إن “هذا يعني اتخاذ قرارات صعبة”.
كما وعد بأن تكون احتياجات الناس أولى لديه من السياسة، في اعتراف بالغضب المتزايد من النخبة السياسية في بريطانيا والمعارك الأيديولوجية المتواصلة منذ التصويت التاريخي عام 2016 على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست).
ودعت المفوضية الأوروبية رئيس الوزراء البريطاني الجديد الثلاثاء إلى الالتزام “الكامل” بالاتفاقيات المبرمة مع الاتحاد الأوروبي بعد بريكست، وبخاصة المتعلقة بالترتيبات الجمركية في أيرلندا الشمالية.
وفي تغريدة تهنئة موجهة إلى سوناك قالت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين “في هذه الأوقات العصيبة التي تمر بها قارتنا، نعول على علاقة متينة مع المملكة المتحدة للدفاع عن قيمنا المشتركة، مع الالتزام الكامل باتفاقياتنا”.
وقال ماروس سيفكوفيتش، المفوض الأوروبي المسؤول عن العلاقات مع بريطانيا بعد بريكست، “مازلت مصمماً على العمل بشكل مكثف وبنّاء لدعم مثل هذه الشراكة، مع الاحترام الكامل لاتفاقياتنا. وهذا يشمل جهودنا لإيجاد حلول مشتركة بموجب البروتوكول الخاص بأيرلندا وأيرلندا الشمالية”.
وعاد رئيس الوزراء المحافظ السابق بوريس جونسون عن أبرز نص في اتفاقية بريكست والمتعلق ببروتوكول أيرلندا الشمالية الذي وقعه وصادق عليه الطرفان، وراجع من جانب واحد الوضع الجمركي لأيرلندا الشمالية بعد بريكست.
والبروتوكول الذي أبرم لحماية السوق الأوروبية الموحدة أنشأ حدودا جمركية في بحر أيرلندا لإبقاء أيرلندا الشمالية في المدار الجمركي للاتحاد الأوروبي وتجنب إنشاء حدود برية بين المقاطعة البريطانية وجمهورية أيرلندا، العضو في الاتحاد الأوروبي، وحماية اتفاق “الجمعة العظيمة” الذي وقّع في عام 1998.
سوناك يعد بأن تكون احتياجات الناس أولوية لديه، في اعتراف بالغضب المتزايد من النخبة السياسية في بريطانيا
ولحل هذه المعضلة وافقت حكومة جونسون على أن تبقى أيرلندا الشمالية بحكم الأمر الواقع ضمن السوق الأوروبية، ما أدى إلى وجود الحدود الجمركية.
وليز تراس التي خلفته هي مهندسة القانون الذي يهدف إلى تجاوز الاتفاقية التي وقعتها لندن مع بروكسل بشأن أيرلندا الشمالية.
وأطلقت المفوضية الأوروبية بالفعل سبعة إجراءات انتهاك ضد المملكة المتحدة قد تؤدي إلى إحالتها على القضاء الأوروبي بدعوى عدم الامتثال لأحكام هذا النص.