هل تستعيد مصر مركزها الإعلامي العربي كعاصمة للخبر

قناة "القاهرة الإخبارية" تستعين بوجوه إعلامية عربية لاستعادة الاستقطاب والتأثير عربيا.
الأربعاء 2022/10/26
تخمة قنوات إخبارية.. من يتميز

غُيِّب الحضور العربي كثيرا في وسائل الإعلام المصرية، وغاب تأثير الأخيرة في المحيط العربي الواسع. ورغم عدم وجود علاقة مباشرة بين التغييب هنا والغياب هناك، تبقى النتيجة واحدة؛ إذ عزفت عن المتابعة شريحة واسعة من الجمهور العربي الذي كان يرى في الإعلام القادم من القاهرة مساهما رئيسيا في تشكيل الوجدان العام.

القاهرة - ستنطلق قناة “القاهرة الإخبارية” في الأول من نوفمبر المقبل متسلحة برغبة في الحضور العربي من المحيط الأطلنطي إلى الخليج العربي، إذ وضع القائمون عليها نصب أعينهم الجمهور في أي أرض عربية أو غير عربية، ما جعلهم يستعينون بعدد من الوجوه الإعلامية من العراق وسوريا ولبنان وتونس والمغرب والجزائر وغير ذلك من البلدان، بحثا عن الخبر والصورة التي ترضي طموحات المشاهد العربي.

وانقسمت القيادات المسؤولة عن إدارة قناة “القاهرة الإخبارية” بين من يريدون الاستعانة بوجوه إعلامية مصرية فقط، وبين من دافعوا عن ضرورة تطعيم هذه الوجوه بوجوه عربية أخرى، إذ يصعب وجود محطة معنية بالمنطقة وخالية من المذيعين العرب.

وكشفت مصادر إعلامية من داخل “القاهرة الإخبارية” أنه جرى التوصل في النهاية إلى حل مناسب يتمثل في أن يكون الحضور العربي في حدود عشرة في المئة ممن يطلون على الشاشة كمذيعين أو مراسلين، وتمت الاستعانة بعدد من أبناء ماسبيرو، أي الذين عملوا وتدربوا في اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري، ومن خريجي مدرسة “إكسترا نيوز” عقب تطور الأداء منذ انطلاق هذه المحطة، ناهيك عن التعاقد مع وجوه من العاملين في القناة العربية “الغد” التي تبث إرسالها من القاهرة.

ومن الأسماء التي أُعلن عن انضمامها إلى القناة المصرية الجديدة، السورية ليلاس كفوزي واللبنانية شيرين غسان والعراقي رعد عبدالمجيد، وتم التعاقد مع مراسلين عرب من الدول التي يقيمون فيها، وأغلبهم يحملون جنسيتها، فضلا عن ناطقين بالعربية في دول أوروبية وأميركية وآسيوية وأفريقية، وبذلك صار هناك خليط من المصريين والعرب.

كي تصبح "القاهرة الإخبارية" مؤثرة من الضروري أن يكون شعارها "هنا القاهرة.. عاصمة الخبر" إسما على مسمى

ولم تكن الغاية من دخول وجوه إعلامية عربية تحقيق أهداف مهنية أو سياسية فقط، بل كسرت الخطوة ما يمكن وصفه بـ”التابوهات” أو المحرمات المصرية في المجال الإعلامي؛ فقد كان من النادر وجود مذيعين أو مذيعات من دول عربية مختلفة على إحدى الشاشات الرسمية، لكن وجدت أسماء سابقا على شاشات مصرية خاصة، حين كان هناك رواج في المحطات وقف خلفه بعض رجال الأعمال.

وكانت الصحافة المصرية تتباهى بأنها تستقطب كتّابا من دول عربية عديدة، وسنت جريدة “الأهرام” الحكومية تقليدا في عهد رئيس تحريرها الأسبق إبراهيم نافع، قام على اختيار كاتب من بعض الدول العربية على مدار أيام الأسبوع، لأسباب في معظمها كانت تتعلق بانتشار الصحيفة في المحيط العربي والدور المركزي للقاهرة، ثم تخلت عن التقليد وبات العرب شبه زائرين على فترات متباينة في الصحافة المصرية.

في المقابل انتشر العديد من الصحافيين والإعلاميين المصريين في صحف ومحطات عربية، خاصة في دول الخليج، بعضهم قامت على أكتافه صحف وقنوات فضائية إخبارية وعامة، والآن بدأ دورهم يتقلص مع زيادة الأهمية التي يحتلها الإعلام في منظومة الكثير من الدول العربية، وهو ما تضافر مع تقلص تأثير الإعلام المصري نفسه في المنطقة العربية.

ويعوّل مسؤولون على قناة “القاهرة الإخبارية” في أن تسترد مصر عرشها على صعيدي الاستقطاب والتأثير في المحيط العربي، وبصرف النظر عن مستوى العلاقة بينهما، فالمحطة الوليدة التي ستخرج إلى النور بعد أيام في جعبتها أهداف إعلامية محددة، ومهمتها سد الفراغ المتوقع نتيجة الانسحاب النسبي من عملية تسليط الضوء على ما يجري في مصر، ولذلك اختارت “القاهرة الإخبارية” شعار “هنا القاهرة.. عاصمة الخبر”،  في دلالة على أنها سوف تظل مركزا في صناعة الإعلام عموما.

ويشير خبراء إعلام إلى ما يشبه العلاقة الطردية بين الإعلاميين المصريين والعرب، حيث يتراجع عدد الفريق الأول (المصريون) في القنوات الخليجية التي تستعين بأبناء من جنسيات مختلفة، ويتزايد عدد الإعلاميين العرب في المحطة المصرية الجديدة. وقد تكون الصدفة لعبت دورا، لأنه لا توجد مؤامرة لتقويض جهود المصريين أو التشكيك في مهنيتهم، فمن تم اختيارهم من قبل خضعوا لتقييمات صارمة.

ويقول هؤلاء الخبراء إن المحدد الرئيسي للعمل هو درجة المهنية، بعيدا عن الجنسية العربية، فالإعلام صناعة تتطلب مهارات معينة، وإذا أصبح التقييم على أساس النوع أو الجنس سيفقد تأثيره، الأمر الذي جعل مسؤولين في قناة “القاهرة الإخبارية” يدققون في اختيار الشخصيات العربية المنضمة إليها، لأنهم يحرصون على إنجاح التجربة واستمرارها لكي يكون لها حضور ملموس في العواصم الرئيسية في العالم.

انقسام بين قيادات إدارة القناة بين من يريدون الاستعانة بوجوه إعلامية مصرية فقط، ومن دافعوا عن ضرورة تطعيم هذه الوجوه بوجوه عربية

وتؤكد الطريقة التي يتم التعامل بها مع المحطة المصرية واختيار الوجوه التي ستطل من شاشتها أنها تريد المنافسة، فعدد القنوات العربية المعنية بالطابع الإخباري ليس قليلا الآن، وتتوافر لكل واحدة منها مقومات مهنية وتقنية ومالية كبيرة تمكنها من الصمود، خاصة أنها تهتم بالتطوير والتعديل والتقييم سنويّا.

وهو التحدي الذي يواجه “القاهرة الإخبارية”، فلعلّ الاختيار تم وفقا لقاعدة مهنية، لكن عقلية الإدارة هل ستكون على المستوى نفسه في ظل بعض الثوابت التي يُمنع الاقتراب منها أحيانا في وسائل الإعلام المصرية؟

وقال أحد المسؤولين في صحيفة حكومية لـ”العرب” إنه تلقى قائمة بممانعات سياسية، شملت عدم الاقتراب من قطر وتركيا وإيران والجزائر وحماس وحزب الله، سلبا أو إيجابا، ولا يعرف كيف سيملأ صفحاته التي تعتمد على الرأي والتحليل، وكيف يُعلم الكتّاب بهذه القائمة، وعمّاذا يكتبون إذا تم استبعاد القضايا التي تهم هذه الجهات؟

وتعد هذه واحدة من المعوقات التي أدت إلى تراجع الإعلام المصري وفقدانه القدرة على التأثير في المحيط العربي، وإذا التزمت الفضائية الجديدة بالقائمة السابقة، ويمكن أن تضاف إليها أخرى، فلن يفيد “الكوكتيل” العربي وستفقد المهنية قيمتها.

وكي تصبح “القاهرة الإخبارية” مؤثرة من الضروري أن يكون شعارها “هنا القاهرة.. عاصمة الخبر” إسما على مسمى، حيث يتطلب الخبر توافر مساحة عالية من الحرية أمام الإعلامي وتوافر المصداقية والشفافية والمعلومات الحقيقية.

وكما سيحتاج المراسل التابع للمحطة المصرية الجديدة إلى الحرية والمعلومات في العاصمة التي سيعمل فيها، على القاهرة أن تمنح هذه الميزة لإعلامي المحطات العربية والأجنبية فيها، ويسود مبدأ المعاملة بالمثل، لأن عدم وجودها سيضع عراقيل أمام “القاهرة الإخبارية”.

16