دعم السيسي في الانتخابات الرئاسية المقبلة يبدأ مبكرا

بإقراره بصعوبة التحديات التي تواجهها مصر وإصراره على التحدي يسعى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى استنهاض الهمم بعد تراجع شعبيته، في محاولة لقطع الطريق على مناوئيه السياسيين الذين يستثمرون الأزمة لتأكيد فشله في إدارة البلد المنهك اقتصاديا.
القاهرة - أقر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الأحد بأن تجربة حكمه خلال السنوات السبع الماضية أثبتت “عدم فهمنا للمصريين”، لكنه أكد على مواصلة إنجاح “المسار الإصلاحي” في خطوة قال مراقبون إنها تمهد لتغييرات عميقة على المستويين الاقتصادي والسياسي، فيما دشن مؤيدوه هاشتاغ “مكملين لـ2030” دعما لترشحه للانتخابات القادمة.
ولفت السيسي في كلمة خلال حضوره المؤتمر الاقتصادي – مصر 2022، الذي انطلقت فعالياته الأحد وتستمر حتى الثلاثاء وبثتها القنوات الفضائية المصرية، إلى أن “الشعب المصري قبل التحدي والتضحية والحكومة تبذل ما في وسعها لمواجهة التحديات”، مضيفا “طريقنا ومسارنا هو ما عاهدنا عليه ربنا من أجل إنجاح المسار الإصلاحي”.
وأشار إلى أن أحداث 2011 و2013 كانت لتقضي على ما تبقى من الدولة وتزيد من تحديات الأزمة واحتدادها، لافتا إلى أن أحداث 2011 أتاحت للإسلام السياسي فرصة الوصول إلى الحكم، ولكن الإخوان فشلوا في إدارة الدولة.
وأكد السيسي أن التحديات لن تنتهي بالنسبة إلى أي دولة في العالم، مشيرا إلى أنه لا يدافع عن نفسه بل يدافع عن المسار والفكرة وفلسفة الحكم. وقال السيسي إن “أخطر شيء هو قياس الرضاء الشعبي بما يتحصل عليه المواطن مباشرة وحرص الحاكم على ذلك”.
ووصف محللون تصريحات السيسي بأنها لحظة مصارحة للشعب المصري بالصعوبات الاقتصادية التي تمر بها البلاد ولو أنها جاءت متأخرة، لقطع الطريق على مساعي جماعة الإخوان المسلمين لاستثمار الاحتقان الشعبي جراء الأزمتين الاقتصادية والاجتماعية في حض المصريين على الاحتجاج والمطالبة بالتغيير السياسي.
وتعتقد جماعة الإخوان أن الأزمة الاقتصادية المحتدمة والحالة الاجتماعية الغائمة تكفيان لتحريك المياه السياسية الراكدة وحث الناس على التذمر من السلطة الحاكمة، مع التركيز على الأقاليم البعيدة عن القاهرة التي تبدو فيها معاناة الناس أشد وطأة، ومنها يمكن أن تنتقل شرارة التظاهر إلى القاهرة ومدن أخرى قريبة منها.
وتريد جماعة الإخوان المصنفة إرهابية في مصر تكرار سيناريو الرئيس الأسبق حسني مبارك عندما انطلقت تظاهرات ضده في الخامس والعشرين من يناير 2011 تحولت إلى كرة ثلج في الأيام التالية رفضا للأوضاع الأمنية المتردّية، ثم تضافرت معها عناصر اقتصادية واجتماعية فأدت إلى احتجاجات عارمة شملت الكثير من أقاليم مصر.
وفي المقابل أراد مؤيدو السيسي تأكيد دعمهم لاستمراره في الحكم وحثه على الترشح للانتخابات المقبلة، ودشنوا هاشتاغ “مكملين لـ2030” لمواجهة حض الإخوان على التظاهر في الحادي عشر من نوفمبر المقبل، وبالتوازي مع ذلك دحض بيان لافت أصدره رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات قبل أيام دعا فيه السيسي إلى عدم الترشح مرة أخرى.
وتجاوز دعم السيسي معادلة الحراك التقليدية على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث دخلت على الخط وسائل إعلام حكومية لتسليط الضوء على الهاشتاغ ودعمه، ما أضفى عليه صفة شبه رسمية، مع إشارات متكررة لما تحقق من إنجازات على الأرض في مصر، بما يضرب تحريض الإخوان ويجهض دعوة السادات.
وأصدر محمد أنور السادات، وهو ابن شقيق الرئيس المصري الراحل أنور السادات، بيانا باسم حزبه (الإصلاح والتنمية) دعا فيه مباشرة إلى عدم ترشح السيسي للانتخابات التي من المتوقع إجراؤها في منتصف عام 2024، مقدما معه مجموعة من المبررات.
وجرى إجراء تعديل بالدستور المصري في المادة الخاصة بمدة رئيس الجمهورية في الحكم، وتحولت من فترتين رئاسيتين، مدة كل منهما أربعة أعوام، إلى فترتين مدة كل منهما ستة أعوام تبدأ من عام 2018، وأُجرِي استفتاء عام على جميع التعديلات حصد أغلبية كاسحة من المصريين.
وأعيد انتخاب السيسي لفترة رئاسية ثانية عام 2018 تنتهي في منتصف عام 2022، وذلك قبل التعديل الأخير الذي سمح بتمديد فترة الرئاسة من أربع سنوات إلى ست، تُحسب بدءا من عام 2018 بدلا من عام 2014 الذي أصبح فيه السيسي رئيسا للدولة لأول مرة، وبالتالي من المزمع أن تنتهي فترة الرئاسة المقبلة في عام 2030.
وبدأت حملة مصرية على استحياء لدعم استمرار الرئيس السيسي في السلطة تتسع تدريجيا، وهي مبكرة بالمقاييس السياسية في القاهرة حيث تبدأ غالبا قبل نحو عام من الانتخابات، والآن هناك ما يقرب من عامين على موعدها المحدد سلفا.
وتسبب تحريض الإخوان والعزف على وتر الأزمة الاقتصادية وتداعياتها في استنفار مؤيدي السيسي خوفا من أن يوحي حراكهم بالخداع وعدم تحقيق أي إنجاز في مصر، بينما ما حدث أن هناك مشروعات قومية كبيرة أنجزت فعلا ويجب ألا تقلل منها بعض المشكلات الاقتصادية والاجتماعية.
وبدت الدعوة التي وجهها السادات إلى الرئيس السيسي، والتي تطلب منه الاكتفاء بما تحقق، مفاجئة لكثيرين في توقيتها وصراحتها، فلم يعتد المصريون هذا النوع من الخطابات منذ فترة طويلة، ما طرح أسئلة حول أسباب الدعوة وما تحمله من دلالات وتزامنها مع تصاعد الغضب من حدة الأزمات الاقتصادية، والحشد الذي تقوم به جماعة الإخوان ضد السيسي.
ومعروف أن حزب الإصلاح والتنمية له توجهات ليبرالية، ورئيسه محمد أنور السادات بعيد تماما عن أي علاقة مع جماعة الإخوان المصنفة إرهابية في مصر، ويصعب وجود روابط واضحة بين الجانبين، فكل طرف يتحرك من منطلق مختلف عن الآخر.
ويقيم السادات في القاهرة، ويمارس حزبه نشاطه دون منغصات ودون التعرض لمضايقات أو استهداف خاص أكثر من غيره من الأحزاب المصرية، ولم يضبط يوما ما بأنه على خلاف كبير مع النظام الحاكم، والخلاف، إن وجد، ينحصر في بعض التفاصيل السياسية المتعلقة بالموقف من الحريات العامة وحقوق الإنسان.
محللون يصفون تصريحات السيسي بأنها لحظة مصارحة للشعب المصري بالصعوبات الاقتصادية التي تمر بها البلاد ولو أنها جاءت متأخرة
وسبق للسادات أن أصدر، بعد انطلاق الحوار الوطني الذي دعا إليه السيسي، بيانا حث فيه على عودة المعارضين في الخارج إلى مصر ممن لم تلوث أياديهم بالدماء ولم يحضوا على ارتكاب عنف، ووقتها اعتبر البيان دعوة مبطنة غرضها التمهيد لعودة الإخوان، غير أن التصورات الرسمية لم تدعم هذا الطرح.
ويقول مراقبون إن بيانيْ السادات الأول والثاني يسيران عكس اتجاه النظام المصري ويحمل كلاهما معاني معينة، فإذا كانت نابعة من حسابات الرجل ولم يلحق به أذى أو اعتقال فهذا يعني أن مساحة الحريات تتزايد، وقد غاب هذا الخطاب طويلا عن مصر.
ويضيف المراقبون أن تصرفات رئيس حزب الإصلاح والتنمية يمكن التعامل معها على أنها طريقة جديدة يتعامل بها النظام المصري لجس نبض الشارع حيال ملفات محددة، ويمكن أن يستفيد منها في قياس قبول أو رفض الرأي العام، خاصة أن المرتين اللتين أصدر فيهما السادات بيانيه تطرق فيهما إلى قضايا شائكة.
وأكد محمد أنور السادات لـ”العرب” أن ما أحدثه بيانه من ضجة يعود إلى عدم فهم البعض مضمون ما جاء فيه، وأنه طرح رؤيته التي يقتنع بها، وهي أن “الرئيس عبدالفتاح السيسي بذل في السنوات الماضية جهداً بارزاً وحقق نجاحات كبيرة، وتكثيف تلك الجهود في هذه الفترة قد يستبق قراره بعدم الترشح للانتخابات المقبلة”.
وأضاف أن الرئيس السيسي أول من تحدث عن الجمهورية الجديدة “وانطباعي الخاص أنه سيفي بما وعد به في الفترة المقبلة بعد أن يحقق الجزء الأكبر من أساسيات بناء تلك الجمهورية، ويترك الانتخابات الرئاسية لمرشحين آخرين يكملون إرساء قواعدها ليصبح أول رئيس مصري يترك السلطة لجيل جديد يستكمل بناء ما بدأه”.
وقال “ما طرحته يعبر عن رؤية أو خواطر لا علاقة لها بأي دعوة أو رؤية خارجية أو تنسيق مع أي طرف”، مشيرا إلى أنه تحدث كرئيس حزب لديه وجهة نظر سياسية عبر عنها وفقًا لما يلمسه من تطورات.
وذكر أن ردود الأفعال تباينت بين من رأوا أن الرئيس السيسي بدأ مشروعات وتخطيطا للدولة المدنية الحديثة ويجب أن يستمر في ما بدأه، ولديهم الحق في التعبير عن ذلك الرأي، ومن رأوا أنها دعوة المقصود بها الإساءة للرئيس، وهذا غير صحيح، أو أنها جاءت بالتنسيق مع أطراف لجس النبض، وهو أيضا غير صحيح.