إعفاء المغتربين يقوّض تطوير صناعة السيارات في مصر

الحكومة تطلق مبادرة جديدة لزيادة التدفقات الدولارية.
الخميس 2022/10/20
قطاع بخطوط إنتاج بدائية

تباينت آراء الخبراء بشأن الجدوى من مشروع قانون جديد أقرته مصر يتضمن إعفاء السيارات التي يستوردها المغتربون من الرسوم والجمارك مقابل إيداع مبلغ يوازيها بالعملة الصعبة لخمس سنوات، وأنه قد يقوض خطط توطين صناعة المركبات مع أزمة شح الدولار.

القاهرة- تسعى السلطات في مصر إلى معالجة الأزمة المالية بشتى الطرق، وأطلقت أخيرا ما يمكن تسميته بـ”مبادرة إنقاذ الاقتصاد” بعد تعمق أزمة العملة الأجنبية التي باتت تأثيراتها سلبية على الأوضاع العامة وتهدد السلم الاجتماعي في البلاد.

وفقا للقانون الذي صادق عليه مجلس النواب الثلاثاء الماضي، يتعين على المغترب دفع ما يعادل رسوم استيراد السيارة من الضرائب والجمارك مقدما إلى وزارة المالية بالعملة الصعبة، على أن يستردها بالجنيه بعد مرور خمسة أعوام بسعر الصرف المعمول به في حينه من دون الحصول على عائد خلال تلك الفترة.

وكانت الحكومة قد أقرت الأسبوع الماضي مشروع القانون الذي تضمن تسهيلات، مثل عدم اشتراط أن يكون المستورد هو المالك الأول للمركبة.

بدوي إبراهيم: الخطوة تعزز الإقبال على شراء السيارات المستوردة
بدوي إبراهيم: الخطوة تعزز الإقبال على شراء السيارات المستوردة

وتواجه هذه الصناعة صعوبات، إذ تأثرت السوق المحلية سريعا بقواعد الاستيراد الجديدة، والتي تفرض على الموزعين استخدام خطابات الاعتماد المستندية.

وهذا الوضع تسبب في تكدس السيارات الجديدة وقطع الغيار في الموانئ، فضلا عن اتجاه عدد من شركات صناعة السيارات العالمية إلى وقف عملياتها في السوق المصرية.

وتنطبق المبادرة الجديدة على المغتربين الذين لديهم إقامة سارية خارج البلاد، ولا تقل أعمارهم عن 16 عاما ويملكون حسابا مصرفيا مضى على تفعيله ثلاثة أشهر على الأقل.

ويُسمح لكل مقيم في الخارج بالاستفادة من تلك التسهيلات مرة واحدة فقط، واستيراد سيارة واحدة لا يزيد عمرها عن ثلاثة أعوام من تاريخ الصنع.

وأمام المغتربين أربعة أشهر، بدءا من تاريخ العمل بالقرار للتقدم بطلباتهم ودفع مستحقاتهم لوزارة المالية قبل انتهاء صلاحيته، وبعد دفع الرسوم والحصول على موافقة بالاستيراد تكون أمامهم فرصة لمدة عام لإدخال سياراتهم إلى البلاد.

ويمكن أن تصل الرسوم الجمركية على بعض السيارات إلى 135 في المئة من قيمتها، فضلا عن ضريبة الجدول بنسبة 15 في المئة والقيمة المضافة بنسبة 14 في المئة.

وتقل هذه الرسوم للسيارات الهجينة، حيث تتراوح النسبة بين 30 ومئة في المئة من قيمتها في الجمارك، وتصل ضريبة الجدول ما بين 15 و30 في المئة بجانب ضريبة القيمة المضافة، أما المركبات الكهربائية فهي معفاة من الضرائب والجمارك.

ومن المتوقع أن تقوم وزارة المالية والبنك المركزي في غضون أسبوعين من تاريخ العمل بأحكام القانون بالإعلان عن قيم المبالغ النقدية ونوع العملة الأجنبية واجبة السداد، موزعة بحسب أنواع وفئات السيارات ومنشئها.

يأتي الدافع الأكبر وراء المبادرة، شح الدولار الذي تعاني منه مصر، حيث تسعى السلطات لجذب العملة الأجنبية عبر نوافذ متعددة، وتعد الخطة استبدالا للجنيه بالدولار وتشتري الحكومة من المغتربين الدولار وتمنحهم ما يعادل قيمته بالجنيه بعد خمسة أعوام.

أسامة أبوالمجد: السيارات الأوروبية المعفاة من الجمارك لا تخضع لها
أسامة أبوالمجد: السيارات الأوروبية المعفاة من الجمارك لا تخضع لها

وتشبه المبادرة الجديدة اقتراض الدولة من الخارج بالدولار خلال المدة المذكورة، وتسدد في النهاية بلا فوائد أو أعباء ديون، لذلك قررت الحكومة إعفاء السيارات من الضرائب والجمارك.

ويبدو العائد الاقتصادي للمبادرة إيجابيا حال نجاحها، وقد يخفف عبء الديون ويُحدث توازنا في سوق الصرف، لكن مع استمرار السياسات نفسها والاعتماد على الاستيراد بمعدلات كبيرة، تتبدد الدولارات المتدفقة وربما يتكرر سيناريو الأزمة.

وقال بدوي إبراهيم خبير الجمارك والسيارات لـ”العرب”، إن “المبادرة الجديدة تقوض نجاح إستراتيجية صناعة السيارات التي أطلقتها الحكومة، لأن رواج المبادرة يُنبئ بدخول نحو مليون سيارة، معظمها ستكون بغرض البيع والمتاجرة”.

وأضاف “سوف تشهد هذه السيارات إقبالا من المستهلكين، ما يُضعف الإقبال على المركبات المرتقب تصنيعها وفقا لخطة الدولة”.

ومن شأن المبادرة الجديدة إعادة التوازن إلى سوق السيارات مجددا بعد انفلات الأسعار الذي طال كل الموديلات، بما فيها الصينية التي كان يرفض غالبية المصريين شراءها.

ويفرض هذا التوجه على السلطات تشديد الرقابة على الأسواق خلال تفعيل المبادرة كي لا يساء استخدامها من قبل الأفراد أو تجار القطاع.

ويعتقد بدوي أنه “من الصعب أن توازن الحكومة بين نجاح المبادرة التي تعد بمثابة إنقاذ للاقتصاد وإستراتيجية صناعة السيارات في الوقت ذاته”.

وأشار إلى أن قطاع صناعة السيارات لا يزال وليدا ويتطلب دعما كبيرا، بينما العامل الأهم الذي يؤرق السلطات ويتسبب في أزمات اقتصادية واجتماعية هو ندرية الدولار.

وأعلنت وزيرة الهجرة سها الجندي أنه تم تحديد مدة 4 أشهر فقط للقانون الجديد الخاص بالمبادرة لعدم التأثير على الصناعة القائمة بالبلاد، وبموجب القانون فإنه يجب تسجيل السيارة وربط الوديعة في غضون 4 أشهر.

وتتحمل الحكومات المتعاقبة عدم تطور القطاع، لأنها لم تقدم تسهيلات للمستثمرين طيلة العقود الماضية، ويمكن قياس ذلك بما تحققه دولة المغرب من إيرادات من وراء قطاع السيارات تتعدى 10 مليارات دولار سنويا.

جمال عسكر: المبادرة تواجه أزمة ارتباك السوق وظاهرة الأوفر برايس
جمال عسكر: المبادرة تواجه أزمة ارتباك السوق وظاهرة الأوفر برايس

ويأتي هذا بينما كانت تتحدث مصر عن برامج لتوطين القطاع حتى قبل بدء تصنيعها بالمغرب، أي منذ نحو عقدين، لكن السياسات الاستثمارية غير الجاذبة وقفت وراء عدم نهوض القطاع حتى الآن.

ويعقتد جمال عسكر الخبير في القطاع أن ما تسعى إليه الدولة خطوة مهمة للغاية وجاءت في وقت مناسب تعاني فيه السوق من ظاهرة توحش الأسعار وانتشار ظاهرة “الأوفر برايس”، أي زيادة مفتعلة في السعر الحقيقي للمركبة تحدث نتيجة الندرة.

وقال لـ”العرب” إنه “مع صدور قانون السيارات الجديد تنتعش المبادرة الحكومية، وتدفع المغتربين إلى توريد سيارات بالسوق المحلي من أجل بيعها والاستفادة من العائد المتحقق، لأنه مسموح لكل أفراد الأسرة بالمشاركة فيها، طالما تنطبق عليهم الشروط”.

وذكر أسامة أبوالمجد رئيس رابطة تجار السيارات في مصر أن السوق تعاني من تخبط شديد بسبب نقص المركبات المستوردة، كما أن تلك المعتمدة على المكونات المحلية قليلة للغاية.

وأشار لـ”العرب” إلى أن الخطة الجديدة تؤثر سلبا على صناعة السيارات خلال الأجل القصير، لكن خروج الدولة من أزمتها الاقتصادية يفوق في أهميته توطين القطاع.

وأوضح أبوالمجد أن الإستراتيجية لن يترتب عليها إنتاج سيارات حاليا، وربما يتحقق ذلك بعد خمس سنوات، مقارنة بالمدة القصيرة لتفعيل مبادرة الدولة.

ولفت إلى أن إعفاء المركبات ذات المنشأ الأوروبي من الجمارك لن يدفع المغتربين إلى شرائها للاستفادة من المبادرة الجديدة، لأن تلك السيارات تتطلب الحصول على شهادة “يورو 1” من الشركات المصنعة ولا يتسنى منح تلك الشهادة للأفراد.

Thumbnail
11