كارمين كاليل أسترالية غيرت عالم السرد والنشر في بريطانيا

البعض من الكتاب اختاروا أن يقتحموا عالم النشر، وفعلا كان لهم تأثير بالغ من خلال إسقاط أذواقهم وقراءاتهم وثقافاتهم على خياراتهم في النشر، وآخرون ساهموا في الكشف عن تجارب أدبية فارقة من خلال مساهماتهم في لجان تحكيم الجوائز. ولكن ليس سهلا أن يتمكن كاتب من إحداث التغيير في عالم النشر والكتابة خارج نصه الخاص وداخله، خاصة إذا كان الكاتب امرأة، وهو ما حققته الكاتبة البريطانية – الأسترالية كارمين كاليل.
لندن - تبرز إشكالية التغيير بوصفها واحدة من التحديات والقضايا التي يعنى بها الكاتب الذي يكرس منجزه وتاريخه لكي يترك بصمة في هذا المضمار.
وفي هذا الإطار تبرز أمامنا الكاتبة البريطانية – الإنجليزية المرموقة كارمين كاليل، التي تركت بصمة واضحة على صعيد الأدب الإنجليزي فضلا عن الأدب المكتوب بالإنجليزية سواء في أستراليا حيث أصولها أو في كندا حيث استقطبت أهم كاتباتها أو في بريطانيا حيث حطت الرحال وهي في سن الثانية والعشرين لتستقر في لندن في العام 1960 وحتى يوم وفاتها في الثامن من شهر أكتوبر الجاري مخلّفة وراءها إرثا معرفيا وأدبيا ومسيرة ملهمة في مجالات النشر.
التجربة الصعبة
لتتمكن من التغيير يجب أن تكون صعبا، لأن المهمة التي ستقوم بها ستكون صعبة بطبيعتها، ذلك هو المبدأ الذي انطلقت منه تلك الكاتبة الشابة التي وجدت في بريطانيا وفي لندن بالتحديد فضاءها الإبداعي الذي ما لبث أن تطور سريعا لكي تؤكد لنفسها حضورا فريدا.
إنها تتذكر الكاتبة الكندية مارغريت إيتوود الحائزة على جائزة البوكر الدولية في عامي 2000 و2019 وكان الفضل في شيوع اسم ايتوود منذ البدايات المبكرة إلى الأعمال التي نشرتها لها كاليل، وخلال ذلك رسخت السردية النسوية لتشق طريقها في مسارات الأدب الإنجليزي ولهذا انتشرت بفضلها كتابات الروائيات أنطونيا وايت وزورا نيل هورستون وفيرا بريتن.
كانت تلك سنوات التحدي الحقيقية عندما أنشأت كاليل دار النشر الخاصة بها والتي ذاع صيتها رغم صعوبة المنافسة في قطاع النشر من حولها، ومن هنالك انطلقت دار النشر فيراغو في العام 1973 ومنذ ذلك التاريخ بدأت تصنع كاليل اسمها في قطاع النشر.
وفي العديد من اللقاءات الصحافية كانت كاليل تردد أنها كان يجب أن تؤسس دار النشر فيراغو لأن أوساط النشر وطباعة الكتاب وتسويق أسماء المبدعين كانت تبدو مهمة صعبة، قائلة “لم أكن أنا شخصيا أقل صعوبة في اتخاذ ذلك القرار والمضي فيه إلى النهاية بكل ما يحمله من تفسيرات تتعلق بدار نشر وليدة في سوق مليء بدور النشر الراسخة في بريطانيا بشكل خاص”.
لا شك أن مسارات النشر المعقدة والتي تتعلق بدار نشر جديدة كانت تستوجب أن تتكئ على دار نشر معروفة، وهو ما حصل عندما نشرت كاليل كتبها في البداية بالتنسيق مع شركة كوارتيت للكتاب واستمر ذلك حتى العام 1977، عندما قررت كاليل أن تستقل بدار النشر الخاصة بها، وكانت باكورة أعمالها إعادة طبع مجموعتها القصصية الأولى “قصة الحياة كما عرفناها”، وهي مجموعة قصص عن حياة نساء ينتمين إلى الطبقة العاملة ومكابداتهن وحياتهن اليومية، وحيث حقق الكتاب مبيعات سريعة وصلت إلى 10000 نسخة وكانت حقا بداية واعدة ومبشرة.
تبعها التعاقد مع الكاتبة الشهيرة توني موريسون ثم نشرت الرواية الأولى للكاتب آلان هولينغ هيرست، وكانت تلك قفزة مهمة في مسار اختيار كاليل لإصداراتها، ولكنها عند هذه المرحلة من بداية الثمانينات قررت أن تبيع دار نشرها الخاصة لتعقد شراكات ما، وللقيام بمهام تنفيذية مع دور نشر عريقة أخرى.
وكان ذلك التحول بمثابة مؤشر لما آلت إليه أحوال دور النشر البريطانية والصفقات التي كانت تجرى بعشرات الآلاف من الباوندات للترويح لروائي محدد دون غيره، ولهذا لم تجد نفسها متشجعة للمضي في هذا المسار.
السرد النسوي
بالطبع كانت نجاحاتها وسمعتها تسبقها، ولهذا سرعان ما اختيرت عضوا مهمة في العديد من لجان التحكيم الرصينة، ومنها لجنة تحكيم جائزة البوكر العالمية، وخلال ذلك وفي مرحلة من مراحل عملها في التحكيم كانت اختياراتها لا تخلو من الصعوبة ولهذا أحدث رفضها منح الروائي الأميركي فيليب روث جائزة البوكر العالمية ضجة كبيرة لم تفلح معها أي تسوية إلا باستقالتها من لجنة التحكيم ورفض قراراتها، لأنها كانت تفضل روائيين آخرين من وزن فيليب بولمان وآني تيلر ومارلين روبنسون.
هذه واحدة من التحولات في مسار كاليل وتوجهاتها وهي التي تنعكس عليها النسوية السردية الى حد كبير، لكنها قالت تعليقا على تلك الواقعة إنها كانت قد قرأت العديد من الروايات التي كتبها كبار الكتاب من أنحاء العالم ومنهم من الصين وماليزيا وهنغاريا وغيرها، “لكنني وجدت نفسي وأنا أجتمع مع عضوي لجنة تحكيم آخرين قد جاءا باسم واحد هو الكاتب الأميركي روث، وللأسف لم تكن هنالك أي مساحة تذكر للنقاش أو لتغيير ما اتفقا عليه ولهذا قررت الاستقالة”.
تاريخ كاليل يشهد لها العديد من النجاحات السابقة ومنها الجائزة العالمية للكتابة النسائية في عام 1989، وحصلت أيضا على شهادات الدكتوراه في الآداب من جامعة شيفيلد وجامعة يورك وجامعة أكسفورد بروكس والجامعة المفتوحة في بريطانيا، كما أنها حكّمت في جائزة دبلن الدولية للأدب وجائزة أورويلفي عام 1996، وحضيت بالعديد من التكريمات في بريطانيا وخارجها.
وبقي مسار كاليل مرتبطا بكثير من منجزها والمواقع المرموقة التي تقلدتها في دور النشر الكبيرة لكن واحدة من علاماتها الفارقة يبقى هو كتاب “المعتقد السيء، التاريخ المنسي للعائلة” وهو الكتاب الذي رسخ منجزها في ميدان السرد النسوي بصفة عامة وشكل إضاءة مهمة في هذا المسار.
*إعداد وترجمة طاهر علوان