اعتبار الطلاق وصمة عار لا يثني النساء عن طلب الانفصال في العراق

التدخل الأسري والزواج المبكر وراء تزايد حالات الطلاق في العشرية الأخيرة.
الخميس 2022/10/20
جل العبء الناجم عن الطلاق يقع على المرأة

يرجع خبراء علم الاجتماع والمختصون في الشأن الأسري ارتفاع نسب الطلاق في العراق إلى عوامل مثل الصعوبات الاقتصادية والتدخل الأسري، و الزواج المبكر الذي تكون نتائجه كارثية، فضلاً عن الخيانة الزوجية التي تشجعها، شبكات التواصل الاجتماعي. وعادة ما يقع على المرأة جل العبء الناجم عن الطلاق لأن نظرة المجتمع العراقي المحافظ والأبوي إلى حدّ كبير تميّز بين الرجل والمرأة.

بغداد - بعد عام واحد فقط من الزواج، انفصلت منال عن زوجها لأنّه لم يكن مستقلا ماديا عن عائلته. وتزداد حالات الطلاق في العراق منذ عقد على الأقلّ، ويصدر القضاء سنويا عشرات الآلاف من قرارات الطلاق.

وتصدرت العاصمة بغداد المرتبة الأولى من ناحية عدد حالات الطلاق، تليها البصرة ونينوى ثم الأنبار وديالى.

وتنشر السلطات القضائية التي تقول إنها تعمل على الحدّ من حالات الطلاق، تقارير عديدة وإحصاءات عن الموضوع. أما الأسباب التي توردها لتزايد حالات الطلاق، فهي عديدة مثل الصعوبات الاقتصادية والتدخل الأسري، لكن أيضا الزواج المبكر الذي تكون نتائجه كارثية، فضلا عن الخيانة الزوجية التي تشجعها، وفق التقارير، شبكات التواصل الاجتماعي.

وتقول منال البالغة من العمر 33 عاما والمطلّقة منذ ثماني سنوات، إن زوجها سابقا، وهو أيضا ابن عمها، “كان يعمل في متجر والده لبيع أجهزة منزلية كهربائية”. وتضيف “لم يكن مستقلا ماديا، ما سبّب مشاكل عائلية”.

73

ألف قضية طلاق سجلت خلال العام 2021 في العراق البالغ عدد سكانه 42 مليون نسمة

وتقول منال التي كانت ترغب في أن تعيش مع أسرتها وحدها وليس مع عائلة زوجها، إن طليقها “لم يكن قادرا على اتخاذ قرارات بمفرده”.

وتعيش منال التي تعمل في منظمة نسوية عراقية غير حكومية، اليوم، مع أهلها برفقة ابنها آدم البالغ من العمر تسع سنوات. ويلتقي الفتى والده من حين لآخر.

وبحسب تقرير نشر على موقع مجلس القضاء الأعلى العراقي، سجّلت أكثر من 73 ألف قضية طلاق خلال العام 2021 في العراق البالغ عدد سكانه 42 مليون نسمة، وهي حصيلة مماثلة لحصيلة العام 2018.

وأشار الموقع إلى أنه خلال العقد الممتد بين 2004 و2014، انتهى زواج واحد من بين كل خمس زيجات بالطلاق. وسجل خلال الفترة نفسها 516 ألفا و784 طلاقا من بين 2.6 مليون زواج.

وأشارت دراسة نشرت في مارس 2021 في المجلة الشهرية لمجلس القضاء الأعلى إلى أن “السكن المشترك مع أهل الزوج يؤدي في أحيان كثيرة إلى تدخل الأهل في حياة الزوجين بشكل سلبي”.

وهناك أيضا “اعتماد الزوج ماديا على أهله” وصعوبة الحصول على فرص عمل، فضلا عن “الخيانة الزوجية بسبب الإنترنت”.

وقالت المحامية والناشطة المجتمعية منن مقداد “هناك العديد من حالات الطلاق سببها الخيانة الزوجية ومواقع التواصل الاجتماعي والمسلسلات التي غالبا ما تشجّع على ذلك، وبعد أن يكتشف الزوج خيانة زوجته يرفع دعوى للتفريق على زوجته، ويقدم للقاضي أدلة مشفوعة بالصور لمحادثات بين الزوجة وعشيقها، هذه الخطوة عادة ما يقوم بها الزوج للتخلّص من دفع النفقة ومؤخر الصداق، أو ليأخذ حضانة الأطفال من الزوجة”.

وأشارت مقداد إلى أنّ “انتشار المخدرات والكحول كذلك يؤدي بالنهاية إلى الطلاق لأنّ الزوج غالبا لا يكون في وعيه داخل المنزل، ويقوم بضرب الزوجة والأطفال وهذا ما يجعلها تطلب الطلاق للتخلص منه”، مؤكدة أنّ “المرأة تبقى هي الأكثر خسارة في مجتمع يلقي بالذنب على عاتقها حتى في حال لم تكن هي السبب، لأنها تفتقر إلى الاستقلال المادي والاجتماعي الذي يضعها تحت ضغوط كبيرة، إذ تجبر على تحمل ظروف فوق طاقتها”.

وتلفت المتحدثة إلى “النظرة الدونية للمجتمع تجاه المطلقات، رغم أنّ أغلبهن يتحمّلن تربية الأطفال مهما بلغ عددهم ومصاريفهم، لأنّ الأزواج الذين ينفصلون عن زوجاتهم يبحثون عن أي حجة لعدم دفع النفقة، وإن كانت لأطفالهم، ومع غياب التوعية بالحقوق، وتأخير قضايا التفريق بسبب الروتين والإجراءات التي عادة ما تأخذ شهورا تبقى هناك الكثير من القصص البشعة التي لم تصل بعد إلى المحاكم”.

ويعدّ الزواج المبكر سببا رئيسيا للطلاق. خلال العام 2020 سجّلت 1498 حالة طلاق لمراهقات لم يبلغن الـ15 عاما من العمر بعد. وفي العام الذي تلاه، سجلت 2594 حالة.

ونقل الموقع الإلكتروني لمجلس القضاء الأعلى في تقرير نشر عام 2019 عن أحد القضاة قوله “سجّلت المحاكم تزايدا في حالات الطلاق، لاسيما خلال العقد الأخير”.

العديد من حالات الطلاق سببها الخيانة الزوجية ومواقع التواصل الاجتماعي
العديد من حالات الطلاق سببها الخيانة الزوجية ومواقع التواصل الاجتماعي

وتحدّثت الناشطة النسوية في مجال حقوق الإنسان وتمكين المرأة منذ نحو 50 عاما هناء إدوار عن كون “الضغوط المالية على الأسرة” من بين أبرز أسباب الطلاق.

وأضافت أن تلك الضغوط تؤدي إلى عبء نفسي ومشاكل.

وفي بلد لم يكن بمنأى عن تزايد حالات العنف الأسري خلال فترة تفشي جائحة كورونا، رحّبت إدوار بالشجاعة المتزايدة لدى كثير من النساء العراقيات اللواتي يتخذن قرار الطلاق.

وتضيف الناشطة التي تدير منظمة “شبكة النساء العراقيات” غير الحكومية، “هناك وعي بين النساء اللواتي يقلن لأنفسهن إذا استمر العنف في حياتهن وحياة أطفالهن، فالطلاق أفضل”.

لكن نظرة المجتمع العراقي المحافظ والأبوي إلى حدّ كبير، تميّز بين الرجل المطلق والمرأة المطلقة.

وتتحدث إدوار عن المعايير المزدوجة التي يتمّ التعامل بها مع الطرفين: فالنساء يجدن أنفسهنّ أمام معركة الحفاظ على حضانة أطفالهنّ، كما يتعرضن لـ”التحرش والاستغلال الجنسي”، فضلا عن ضغوط الأهل ومجتمع مازال يؤمن بـ”وصمة العار”. كل ذلك يدفع عائلة المرأة المطلقة إلى معارضتها خروج هذه الأخيرة من المنزل أو الحصول على وظيفة.

العاصمة بغداد تصدرت المرتبة الأولى من ناحية عدد حالات الطلاق، تليها البصرة ونينوى ثم الأنبار وديالى

أما الرجل “فكل شيء مقبول منه اجتماعيا، يطلّق في يوم، ثم يتزوج في اليوم التالي”.

وأكدت باحثة اجتماعية تعمل في إحدى محاكم بغداد، مفضلة عدم كشف اسمها، لفرانس برس أن “الطلاق أصبح شيئا أكثر شيوعا مما كان عليه من قبل”.

وكشفت الشابة البالغة من العمر 30 عاما والمسؤولة عن دراسة طلبات الطلاق والعمل على معالجتها وإيجاد سبل للمصالحة، أنها تنجح “بمعالجة حوالي 10 في المئة فقط من القضايا… لوقف خطوة الطلاق”.

وتابعت الباحثة التي تعمل منذ ثماني سنوات في هذا المجال بالقول إنه خلال سبتمبر قامت بدراسة 310 قضايا، مقابل 200 قضية في الشهر ذاته من العام الماضي.

وعلى الرغم من التجربة التي خاضتها، لا تستبعد منال اليوم فكرة الزواج مرة أخرى، لكن شروطها تغيرت، إذ على زوج المستقبل تقبّل ابنها والتعايش مع ظروف عملها.

وتنصح منال الأجيال القادمة، خصوصا النساء، بـ”تأمين الاستقلالية المادية وعدم الزواج بسنّ صغيرة”.

وتقول “ينبغي الانتظار، لا يجب أن يكون الزواج الهدف في الحياة”.

وفي العادة يقع على المرأة المطلقة في المجتمعات العربية جل العبء الناجم عن الطلاق وينظر إليها دوما على أنها في وضع غير سوي، كما تتعرض للوصم اجتماعيا وأخلاقيا، ولا يخرج عن هذه الحالة السائدة سوى المجتمع الموريتاني حيث تزداد قيمة المرأة اجتماعيا كلما طلقت وهو أمر ذو صلة بعادات قبلية تختص بها القبائل في موريتانيا.

17