الفوضى.. أو السُكوت عن الفساد

نحكمكم أو نقتلكم، سَرديّات هدّامة وأيديولوجيات تبنّتها أنظمة فاشلة وتيارات سياسية قد تكون وسائل تهدف عندهم إلى تبرير الغايات. فكان الخَيار الذي لا ثالث له بوجوب الرضوخ لأهون الأمرين إما الاقتناع بالأمر الواقع والاستسلام للذات التي يُريدها هؤلاء أو القتل. وفي كلتا الحالتين فالأمر سيّان، لأن الأولى تعني القتل الرحيم أو البطيء الذي يتسلل بهدوء إلى النفس البشرية، أما الثانية فتعني القتل العمد سواء أرضيت به أم لا، لأنه في نهايته خاتمة سريعة للنفس البشرية.
لكن سَرديّات شتات المنظومة السياسية في العراق ابتدعت خياراً لا يقل غرابة وعجباً عن مبدأ القتل أو الحُكم، وذلك هو خَيار الفوضى أو السُكوت عن الفساد كمن يقول لك “إذا أردت أرنباً فهو لك وكذلك إذا أردت غزالاً فالأرنب من نصيبك” في مُعادلة سياسية غريبة تَفنّن في صياغتها مُخادعون وبارعون في التدليس والغش والنِفاق.
◙ محاولات التبرير لإيجاد أسباب مُقنعة أو مُبررات تدعو إلى ديمومة النظام السياسي الفاشل لا تعدو كونها حديث عاهر في سوق البغايا
نظرية هجينة ممزوجة بالسُخف وإيجاد التبريرات ومُحاولات إقناع الآخرين لرضوخهم للواقع السياسي أو التسليم به، في مُعادلة حياتية أو وجودية لا تتبّناها حتى شريعة الغاب التي تتوقف عندها في لحظة ما حالة الانقضاض على الفرائس ولو لفترة لتُعاود الدورة بعد استراحة، لكن المُعادلة كانت عند هؤلاء مُستمرة ومتواترة بالانقضاض دون توقف.
المنظومة السياسية التي تُحاول أن تُخيّر شعبها بين الفوضى والسُكوت عن الفساد ربما فاتها أن لِكلا الأمرين نتيجة واحدة تؤدي إلى هدف مؤكد وهو الخراب لأن الأمر في نهاية المطاف سيخرج عن السيطرة والمألوف، فالفساد لا يُمكن الاستمرار به إلى ما لا نهاية في حين المؤكد أن حصانته لا بد أن يأتي عليها وقت تُرفع عنه، عندما تختلف وتتخالف رؤوس الفساد فيما بينها على السرقات، ولا بد في المُحصّلة عند صراع المصالح أن يتحول إلى تنافس مُضن على زعامات الفساد للحصول على أكبر قدر من الغنيمة.
أما الفوضى فيبرز السؤال الأهم: هل غادرت تلك الفوضى بعناوينها المجتمع الساكت عن الفساد؟ وهل غابت الفوضى عن المجتمع وهو يعيش حياة الفساد بكل تفاصيلها؟
في المُحصّلة فإن محاولات التبرير لإيجاد أسباب مُقنعة أو مُبررات تدعو إلى ديمومة النظام السياسي الفاشل لا تعدو كونها حديث عاهر في سوق البغايا، لأنه في النهاية هو مُجرد حديث لا يستوفي شروطه حين يُدرك الجميع أن مُقومات هذا السلوك لا يمكن أن تتواجد في هذا السوق، فسواء سكت الجميع عن الفساد أو سمحوا للفوضى فالأمر سيّانٌ للقوم لأنهم في كُل الأحوال تائهون وضائعون في عناوين لإلهائهم وإشغالهم، لكن السُلطة التي تفتعل تلك التبريرات ستكون واهمة لأنها إن برّرت ذلك الفعل بالزمن الماضي أو حتى الحاضر فهو بالتأكيد علامة من علامات سقوطهم المُستقبلية حين لا تجد ما تقنع به، لكنهم حقاً أغبياء وحمقى حين لا يدركون ذلك.