"بي.بي.سي" تحتفل بمئويتها وسط تساؤلات حول مستقبلها

لندن - مرّت مئة عام منذ أن اكتشف الآلاف عبر أجهزة الراديو بثّ هيئة الإذاعة البريطانية في خريف 1922، مئة عام أصبحت “بي.بي.سي” خلالها من عمالقة الإعلام في العالم، غير أنها تواجه اليوم تساؤلات حول مستقبلها في ظل خطة تقشف صارمة.
وتحتل “بي.بي.سي” في المملكة المتحدة موقعا خاصا في المشهد الإعلامي. وقالت جين سيتون أستاذة تاريخ وسائل الإعلام في جامعة وستمنستر “‘بي.بي.سي’ هي نحن!”، مضيفة “إنها تجسيد لحسّنا الفكاهي ومراكز اهتمامنا وقيمنا” وهي بالتالي ليست ملكا “لا للحكومة ولا لشركة خاصة، إنها ملك لنا نحن” البريطانيين.
ويبدأ حوالي سبعة ملايين شخص نهارهم مع إذاعة “راديو 4” وبرنامجها الإخباري “توداي” الذي يحظى بمتابعة هائلة. وفي عطلة نهاية الأسبوع، تنصب الأنظار على برنامج “ستريكتلي كام دانسينغ”، مسابقة رقص تعرض بنجاح كبير منذ عشرين عاما وتحظى بالحصة الأكبر من التعليقات في قطاع وسائل الإعلام.
وعبر “بي.بي.سي” استكشف الملايين من المشاهدين أرجاء الأرض مع ديفيد أتنبرو الحاضر على الشاشة منذ الخمسينات. كما أن مسلسلاتها مثل بيكي بلايندرز وفليباغ وكيلينغ إيف تصدَّر إلى جميع أنحاء الأرض.
الظروف المالية الصعبة لـ"بي.بي.سي" تترافق مع انتقال الجمهور ولاسيما جمهور الشباب إلى المنصات الإلكترونية
فتأثير “بي.بي.سي” يتخطى بكثير حدود بلادها، ويعدّ جمهورها العالمي 492 مليون شخص في الأسبوع بحسب تقرير المجموعة لفترة 2021 – 2022.
وتبث خدمة “بي.بي.سي” العالمية “بي.بي.سي وورلد سيرفيس” بأربعين لغة.
وفي عام 1938 انطلقت الخدمة العربية في “بي.بي.سي” وكانت الأولى بغير اللغة الإنجليزية. وتم اختيار المذيع أحمد كمال سرور أفندي من الإذاعة المصرية ليكون صوتها. وتمت إضافة المزيد من اللغات إلى “بي.بي.سي” على مدى العقود التالية مع تقديم البرامج الإذاعية والتلفزيونية حول العالم.
ووُلدت “بي.بي.سي” أونلاين في عام 1997، وحذت خدمات اللغات حذوها. كما شهد إدخال وسائل التواصل الاجتماعي ظهور العلامات التجارية لـ”بي.بي.سي نيوز” و”بي.بي.سي العالمية” عبر العديد من المنصات المختلفة.
وأثار إعلان “بي.بي.سي” بداية الشهر وقف البث الإذاعي بعدة لغات من أبرزها اللغة العربية تفاعلا واسعا حيث عبّر كثيرون عن حزنهم لهذا الخبر، مودعين “صوت لندن” الذي رافقهم لسنوات طويلة.
وتشكل الهيئة الإعلامية أداة اساسية للقوة الناعمة البريطانية. وتلتزم المجموعة منذ قرن بمهمتها الأساسية القاضية بـ”الإبلاغ والتوعية والترفيه”، وأوضح جيمس ستيرلينغ المكلف الاحتفال بمئوية الـ”بي.بي.سي” أن “هذه القيم هي أساس كلّ ما نفعل”.
ويقترن اسم “بي.بي.سي” بـ”الحياد” الذي جعل منه مدراء المجموعة “أولوية” في وقت تواجه بانتظام انتقادات من السلطات المحافظة.
واتهمت الحكومة “بي.بي.سي” بأنها غطت مسألة بريكست بانحياز ضد الخروج من الاتحاد الأوروبي. كما تأخذ عليها بصورة عامة التركيز على اهتمامات النخب في المدن بدل التركيز على الطبقات الشعبية، وهي هجمات تلقى أصداء في الصحافة الشعبية التي تسارع إلى انتقاد بي.بي.سي.
وجمّدت حكومة بوريس جونسون لسنتين في يناير رسم ”بي.بي.سي” البالغ 159 جنيها إسترلينيا في السنة (181 يورو)، ما شكل ضربة قاسية للمجموعة ولاسيما في ظل تضخم يقارب 10 في المئة في المملكة المتحدة.
كما أشار إلى إمكانية إلغائه مستقبلا، وهو تهديد أثار جدلا حتى في صفوف المحافظين أنفسهم.
وتحت هذه الضغوط المالية، أعلنت المجموعة في مايو خطة تهدف إلى ادّخار 500 مليون جنيه إسترليني في السنة (586 مليون يورو). وفي سياق هذه الخطة، سرحت حوالي ألف موظف (من أصل حوالي 22 ألفا) ودمجت قنوات، فيما باتت قنوات أخرى تبث حصرا على الإنترنت.

نيك روبنسون: إذا استخلص جيل أولادي أنهم ليسوا بحاجة إليها وأن بإمكانهم الحصول على كل ما يريدون على يوتيوب وسكاي (شبكة سكاي نيوز الخاصة) ونتفليكس، عندها يكون قضي علينا
وتترافق هذه الظروف المالية الصعبة مع انتقال الجمهور ولاسيما جمهور الشباب إلى المنصات الإلكترونية، متسائلين حول جدوى دفع رسم.
غير أن أنواعا جديدة من البرامج ظهرت محققة نجاحا. وبات الصحافي روس أتكينز أحد وجوه الابتكار في المجموعة، مطلقا مقاطع فيديو قصيرة تعرف باسم “إكسبلاينر” تعرض في بضع دقائق أحد المواضيع الساخنة مستعينة بتحليل وتدقيق في صحة الخبر وعناصر سياق.
وتبث هذه الفيديوهات على الشبكات الاجتماعية محققة ملايين المشاهدات عبر العالم ما بين موقع الـ”بي.بي.سي” الإلكتروني والتلفزيون.
وقال أتكينز لوكالة فرانس برس إن “الملايين من الأشخاص ما زالوا يتابعون أحداث الساعة على ‘بي.بي.سي’. لكن ملايين آخرين يستقون معلوماتهم على تويتر وإنستغرام وتيك توك” وهي المجموعة التي يتوجّه إليها تحديدا ويقول “متابعونا يثبتون أن هذا النوع من الصحافة له جمهور”.
ويدرك روس أتكينز الذي انضم إلى “بي.بي.سي” عام 2001 الصعوبات التي تواجهها المجموعة ويقول “سيكون لذلك تأثير على كل الذين يعملون هنا” لكنه يؤكد أنه لا يزال “يعتز بأنه صحافي في ‘بي.بي.سي'” ويعمل “في أفضل منظمة إعلامية في العالم”.
وتساءل مقدم برنامج “توداي” الصحافي النجم نيك روبنسون حول مستقبل الـ”بي.بي.سي” وقال لصحيفة تلغراف “إذا استخلص جيل أولادي أنهم ليسوا بحاجة إليها وأن بإمكانهم الحصول على كل ما يريدون على يوتيوب وسكاي (شبكة سكاي نيوز الخاصة) ونتفليكس، عندها يكون قضي علينا”.
وأضاف “لكننا سنستحق ذلك إذا لم نتمكن من إثبات قيمتنا المضافة للناس”.