استنزاف دور اللغط الاجتماعي بغرض الإلهاء السياسي في مصر

القاهرة - يتفاءل مصريون بأن ما كانوا يعتقدون أنه لغط اجتماعي مقصود أوشك على الزوال، حيث تولد لدى شريحة كبيرة منهم أن ما يفعله الفنان محمد رمضان من إثارة، وما يقدم عليه رئيس نادي الزمالك الرياضي مرتضى منصور من تصرفات غريبة، انطوى على أغراض تريد منها الحكومة إلهاء الرأي العام وإبعاده عن الاهتمام بالأزمات الاقتصادية والحديث في ملفات سياسية حرجة.
ظهرت معالم هذا المحدد أخيرا في شبه اختفاء لمرتضى وغياب قضايا مثيرة للجدل غلبت على خطابه الموجه للإعلام تجاه شخصيات رياضية وكيانات ومؤسسات في الدولة، كأن من استراحوا لما قام به من لغط لم تعد طاقتهم تتحمل المزيد منه.
وجاء إلغاء حفل كان محددا أن يقيمه رمضان بمدينة الإسكندرية المطلة على البحر المتوسط في السابع من أكتوبر الجاري، رسالة مهمة في سياق استنزاف دور اللغط الاجتماعي، فالحفل الذي ألغي سبقه احتجاج رمزي من سكان في الإسكندرية المعروفة بثقافتها الرفيعة، وكانت صاحبة معرفة “كوزموبوليتانية” حيث انصهرت فيها ثقافات متوسطية عدة قبل عقود، وباتت موطنا مهما لجماعات سلفية في الوقت الراهن.
مرتضى منصور أوجد حالة من العداء المفتعل بين جمهور ناديي الزمالك والأهلي أدت إلى حالة طاغية من الاستنفار
وكانت المدينة العريقة تستطيع أن تستوعب رمضان وغيره من مطربي المهرجانات “السوبر ستارز” ومطربي الأغاني الشعبية والكلاسيك، غير أن إلغاء الحفل هذه المرة فهم على أنه بداية العد التنازلي لسياسة اعتمدت على شغل الناس في أمور هامشية لإبعادهم عن قضايا مركزية تمثل منغصا للحكومة في ظل ما تواجهه من متاعب.
وانجرفت شرائح كبيرة الفترة الماضية من المغرمين بالتقليعات الفنية الغريبة والمشاجرات والخلافات التي أحاطت بالفنان رمضان ودرج على بثها على حساباته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي مصحوبة بعبارته الشهيرة “نبر ون” أو رقم واحد، ونجح في أن يجر خلفه الملايين من المتابعين.
كذلك فعل منصور عندما أوجد حالة من العداء المفتعل بين جمهور نادي الزمالك والأهلي بما كان يتبناه من ألاعيب تؤدي إلى حالة طاغية من الاستنفار، تقود إلى انخراطهم في موضوعات لا علاقة لها بالأخلاق الرياضية الحقيقية.
وتجاهلت أجهزة الدولة الكثير من التجاوزات وأخذ عليها عدم قيامها بتنفيذ حكم الحبس الصادر بحق منصور مؤخرا، ما عزز حديثا حول رعايتها له وتوفير غطاء سياسي لتصرفاته، أو على الأقل ترتاح لما يقوم به ولا غضاضة فيه من جانبها.
وهو الحال نفسه بالنسبة إلى رمضان الذي أثار الكثير من الجدل مستغلا علاقته مع بعض أجهزة الدولة، وكان يتعمد الإيحاء بها كنوع من الحصول على شرعية رسمية.
ويقول مراقبون إن هناك تغيرا حدث في ما يوصف بـ”الإلهاء السياسي” في مصر من خلال توظيف شخصيتي رمضان ومرتضى بصورة أساسية لما يحظيان به من شعبية ومتابعة على مواقع التواصل، بجانب تشجيع الاهتمام بكثير من القضايا والملفات والحوادث الاجتماعية التي تخلب عقل وقلب المشاهدين.
ويضيف المراقبون أن هذه الحالة فقدت دورها، وبدأت تجلب معها نتائج عكسية يمكن أن تضر بسمعة الدولة وأجهزتها الرسمية، سواء أكانت ترعاها عمدا أو بصورة غير مباشرة أو حتى ترضى بها انطلاقا مما يتردد حول هذه الظاهرة والتي تجنبت الحكومة الدخول مباشرة لوضع حد لهذه المسألة التي زادت عن حدها.
ويتناسب حديث التراجع والتغير في الأولويات حيال هذا التوجه مع تفاؤل بتغير في أداء الإعلام المصري عامة، حيث يصعب أن تتبنى القاهرة من خلال قنواتها الإخبارية الجديدة المتوقع انطلاقها قريبا سياسة تقوم على مناقشة القضايا بجدية وتسمح بالتسطيح السائد في الشارع خاصة أنها متهمة بأنها لا تقوم بما يكفي لمواجهته.
وبدأت الحكومة المصرية استعدادات مكثفة لتدشين الجمهورية الجديدة التي تعد التصرفات السلبية من نوعية ما يقوم بها رمضان ومرتضى مسيئة لها سياسيا، وعليها أن تظهر صرامة مع الخارجين عن قواعدها، أو على الأقل لا تسمح أن تبدو هذه الظاهرة كأنها تحظى برعاية من قبل أحد أجهزتها الرسمية.
علاوة على أن تصاعد حدة الأزمات الاقتصادية في مصر لم يعد يحتمل المزيد من اللغط الاجتماعي لأغراض سياسية، والصمت عليه يؤكد ما تردد حول رعاية الحكومة له، وقد يخلق رذاذه مشكلات لم تأخذها في الحسبان.
من الضروري وضع حد لذلك قبل أن تتحول التكهنات والتخمينات والشائعات إلى حقائق تلصق بالحكومة تهمة ربما تكون بريئة منها لكن تتحمل تكاليفها السياسية بلا داع، في وقت تسعى فيه القاهرة لطي الصفحة الماضية بكل ما حوته من تقلبات لبدء صفحة جديدة، ولذلك من الواجب القضاء على الظواهر الإنسانية غير الطبيعية.