مدونة الأسرة المغربية تثير الجدل من جديد

دعا حقوقيون وسياسيون في المغرب إلى ضرورة مراجعة مدونة الأسرة مراجعة شاملة لتتلاءم مع الدستور والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وإلى تحيين مختلف الآليات المؤسساتية والتشريعات المتعلقة بحقوق النساء والنهوض بهن. كما دعت منظمات نسوية إلى ضرورة فتح نقاش حول تزويج القاصرات ومسألة الولاية بالنظر إلى الحيف الكبير الذي يلحق بالنساء في المسألتين، وهما بالأساس نقطتان تستوجبان المراجعة في مدونة الأسرة المغربية.
الرباط ـ كانت دعوة العاهل المغربي الملك محمد السادس لتعديل مدونة الأسرة قد لقيت ترحيبا حقوقيا، لكن مراقبين توقعوا أن تفتح الخطوة صراعا جديدا بين المحافظين والحداثيين على المدونة التي تثير نصوصها حساسية كبيرة في المملكة.
ومدونة الأسرة هي محط خلاف كبير بين المحافظين الذين يدافعون عن ضرورة ارتباطها بالشريعة الإسلامية، والحداثيين الذين يشددون على ضرورة استجابتها للاتفاقيات الدولية التي وقع عليها المغرب.
وبمناسبة اليوم الوطني للمرأة عاد الجدل من جديد ليفتح سجال حقوقي وسياسي عن مدونة الأسرة المغربية والدعوة إلى مراجعتها مراجعة شاملة، حيث لم تعد مدوّنة الأسرة التي تم اعتمادها في العام 2004 بصيغتها الحالية تستجيب للتحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تشهدها المملكة المغربية، ولا للدور المحوري الذي أصبحت تلعبه النساء في تدبير الأسر وإعالتها، ما يدعو إلى مراجعتها وتعديلها.
ودعت الجبهة الوطنية لمناهضة التطرف والإرهاب إلى مراجعة شاملة لمدونة الأسرة وللمنظومة الجنائية، وملاءمتهما مع الدستور والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان. وشددت على ضرورة “العمل على تنقية وتطهير هذه القوانين من كل فكر إقصائي لا يؤمن لا بديمقراطية ولا بمساواة ولا بحقوق الإنسان ولا بحق الاختلاف”.
المؤسسات الحكومية مدعوة إلى الانخراط في التوجه إلى مغرب الحداثة الذي تكون فيه حقوق المرأة والطفل في المقدمة
وأكدت الجبهة، في بلاغ لها، أن ما جاء في الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش، يعد أرضية لتأسيس مدونة أسرة، وقانون حالة مدنية، وقانون جنائي، وقوانين أخرى جديدة للتشريع تقطع مع أي تأويل للدين يلحقه بفقه متجاوز متخلف وسنة مشكوك في سلامة مصدرها، ويؤكد أن الحياة المدنية المغربية عقائديا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا تتم في إطار الإسلام المنصوص عليه في القانون الإطار (دستور المملكة المصادق عليه سنة 2011) وهو الإسلام الدستوري المغربي.
وقال الحبيب حاجي عضو سكرتارية الجبهة الوطنية لمناهضة التطرف والإرهاب، إن الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش دعا إلى مراجعة مدونة الأسرة وتجاوز الاختلالات والسلبيات التي أبان عنها تطبيقها، وإلى تحيين مختلف الآليات المؤسساتية والتشريعات المتعلقة بحقوق النساء، والنهوض بها.
وأضاف حاجي أن الأحزاب السياسية مطالبة بالالتزام بأهمية مناهضة كل أشكال وخطابات العنف والتطرف والترهيب المادي والفكري في القوانين المتعلقة بحقوق النساء، بما يضمن المساواة، مع العمل على توجيه برلمانييها لتفعيل محتوى الخطاب الملكي واقتراح تشريعات جديدة وتوجيه وزرائها في الاتجاه نفسه.
ودعت الجبهة المذكورة المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، المستقلة وغيرها، إلى “الانخراط في التوجه إلى مغرب الحداثة والعلمانية تكون فيه حقوق المرأة والطفل في المقدمة”.
وكان الملك محمد السادس قد أكد في خطاب العرش أنه حرص منذ اعتلائه العرش “على النهوض بوضعية المرأة وإعطائها المكانة المستحقة”، مشيرا إلى إصدار مدوّنة الأسرة واعتماد المساواة في دستور 2011 والمناصفة كهدف للدولة، موضحا أن الأمر لا يتعلق بمنح المرأة امتيازات مجانية بل بمنحها المكانة التي تستحقها.
واعتبر الملك محمد السادس أنه “إذا كانت مدونة الأسرة شكلت قفزة إلى الأمام فإنها أصبحت غير كافية لأن التجربة كشفت وجود عدة عوائق أمام استكمال هذه المسيرة وتخوف دون تحقيقها ومن بينها عدم تطبيقها بشكل صحيح لأسباب سوسيولوجية متعددة، لاسيما أن فئة من المواطنين تعتقد أن هذه المدونة خاصة بالنساء في ما هي تخص الأسرة كلها”.
وكشفت مجموعة من الوجوه السياسية النسائية أن بنود مدونة الأسرة الحالية أبانت الممارسة خلال 19 عاما أنها تعتريها نواقص تتطلب التعديل.

وأكدت عائشة لبلق، عن حزب التقدم والاشتراكية، في ندوة نظمتها جمعية التحدي للمساواة والمواطنة بالدار البيضاء، أن مثل هذا اللقاء سيساهم في النقاش الدائر حول الحاجة إلى مراجعة شاملة للمدونة.
وأوضحت عضو المكتب السياسي للحزب، في كلمة لها، أن “المدونة حققت العديد من النتائج، لكن الممارسة أظهرت فراغات بها، خصوصا في ظل التحولات التي يعرفها المجتمع، وبعد دستور 2011 وانخراط المغرب في اتفاقيات دولية، ما يجعلها وثيقة متجاوزة”.
وقالت لبلق إنه بعد خطاب الملك بمناسبة عيد العرش، تتطلب مدونة الأسرة مراجعة شاملة، رغم عدم تحديد الجهة التي ستشرف على ذلك.
ويقترح “حزب الكتاب”، وفق المتحدثة نفسها، ضمن ما يجب تعديله في المدونة، أن “يتم اعتماد المقاربة الحقوقية التي تستحضر النفس الديمقراطي والتحولات والتزامات المغرب وروح دستور”؛ كما دعت إلى تعديل على مستوى الصياغة والألفاظ “لأن المدونة رغم تقدمها تتضمن مفاهيم تكرس الدونية”، مضيفة أنه على مستوى الولاية “يجب أن تكون مشتركة على قدم المساواة، لأنه تبين على ضوء إجراءات إدارية أن المرأة تجد صعوبة في عدة أمور، على غرار تنقيل التلاميذ، خاصة حين تكون في وضعية طلاق”.
18
عاما سن الزواج المحدد بالقانون المغربي كما يتيح القانون أيضا إمكانية تزويج قاصرات بأذون اسثتنائية يمنحها قضاة
وسجلت الفاعلة السياسية سوء استعمال بعض المواد بالمدونة، على رأسها تزويج القاصرات، داعية إلى فتح نقاش حول مسألة التعصيب، بالنظر إلى الحيف الكبير الذي يلحق النساء في الجانب المالي.
ويحدد القانون المغربي سن الزواج في 18 عاما، وهو الحد الأدنى للزواج قانونيا. لكن القانون يتيح أيضا إمكانية تزويج قاصرات بأذون اسثتنائية يمنحها قضاة.
ومنحت محاكم الأسرة أكثر من 13 ألف إذن لتزويج قاصرات في العام 2020، من أصل 20 ألف طلب، وتندد جمعيات نسائية وحقوقية بهذا الوضع مطالبة بسد هذه الثغرة القانونية.
وقال الباحث المتخصص في الإصلاح الديني محمد عبدالوهاب رفيقي إن “الاستثناء الذي استغلته السلطة التقديرية للقضاة لشرعنة الكثير من زواج القاصرات من المرتقب أن يكون محل جدال ونقاش أثناء الإعداد لتعديلات المدونة”.
كما أكدت حنان رحاب عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ضرورة مراجعة الكثير من القضايا التي جاءت بها المدونة، من أجل المصلحة الفضلى للطفل، ومن أجل تحقيق المساواة في تدبير الأسرة، سواء في حالة الزواج أو في حالة الطلاق.
وشددت رحاب على تجريم تزويج القاصرات، مع العمل على مراجعة مسألة الحضانة مراجعة حقيقية وشاملة من أجل تحقيق مصلحة الطفل.
كما دعت قيادية “حزب الوردة” إلى مراجعة بعض أحكام الإرث لصالح تحقيق حقوق المرأة والطفل، إلى جانب الشروط المرتبطة بمواد إثبات البنوة.
وأعلن حزب الاستقلال المغربي تكوين لجنة من قيادة الحزب، ومن أطره المتخصصة في المجالات ذات الصلة، لإعداد تصور التنظيم المتعلق بمدونة الأسرة والنهوض بالمشاركة الفاعلة للمرأة في التنمية.
وبدعوة الملك الجديدة، توقع مراقبون أن يشهد المغرب صراعا محتدما بين الإسلاميين والليبراليين في المملكة مشابها لما حدث في 2004 حول الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية.
وفي سنة 2004 تدخل الملك لينهي الانقسام الحاد في المجتمع. وكان هدف المدونة الأساسي تعزيز دور المرأة داخل الأسرة المغربية مع منحها حقوقا جديدة وتقييد تعدد الأزواج وتسهيل الطلاق. وانتهى مسار تعزيز حقوق المرأة بإعلان المغرب سحب تحفظاته بشأن الاتفاقية الدولية للقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة.
لكن بعد مرور أكثر من عقدين على اعتمادها، لا تزال الجمعيات النسائية تناضل لإقرار القوانين مقابل مقاومة المحافظين، وتقول إن الوقت حان لتحديثها.
كما ترى المحللة المغربية شريفة لومير أنه “بعد مرور قرابة عقدين على اعتماد مدونة الأسرة صار لزاما مراجعة البعض من مضامينها و تحيينها (تحديثها) بما يتلاءم وما يفرضه الواقع”.
وقالت لومير إن “ما يأتي في مقدمة هذه المواضيع هو الإرث وتزويج القاصرات والعلاقات الرضائية والولادات خارج مؤسسات الزواج، والولاية على الأبناء ومسطرة الصلح ومساطر النفقة والطلاق”.
وينص الفصل 19 من دستور 2011 على أن “يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية… وكذلك في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب”. لكن الفصل نفسه يربط احترام هذه المساواة بـ”نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها” التي تتعدد تأويلاتها.
واستبعد الباحث رفيقي تغييرا جذريا في قضية الإرث وتحقيق المساواة التامة بين الرجل والمرأة، مشيرا إلى أن الإرث سيكون محل النقاش خاصة في ما يتعلق بـ”التعصيب”، أي قانون الإرث الإسلامي.
وأوضح رفيقي أن من القضايا التي هي محل خلاف وستشهد نقاشا كبيرا أيضا “الولاية الشرعية للمرأة التي لا تستطيع أن تسجل ابنها في مدرسة أو تستخلص وثائق ثبوتية”.
ومع دعوة الملك إلى تعديل المدونة، جدد حقوقيون دعواتهم إلى ملاءمة التشريعات الوطنية مع نظيرتها الدولية. وكانت المملكة تحفظت على بعض بنود اتفاقية لجنة القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة، التابعة لمنظمة الأمم المتحدة “سيدوا”.