إنزال حكومي فرنسي لتفعيل "إعلان الجزائر"

بورن عقب لقائها بتبون: الجزائر يمكنها الاعتماد على فرنسا.
الثلاثاء 2022/10/11
الجزائر تستثمر في الاندفاعة الفرنسية

حظي الوفد الفرنسي الذي تقوده رئيسة الحكومة إليزابيت بورن بحفاوة لافتة من قبل الجزائر، في ظل رهانات من كلا الجانبين على أن تشكل هذه الزيارة انطلاقة جديدة في العلاقات الثنائية التي طغى عليها الفتور في الفترة الماضية.

الجزائر - اعتبرت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيت بورن الاثنين أن الجزائر وفرنسا تتقدّمان باتّجاه “شراكة متجددة دائمة”، بعدما التقت الرئيس عبدالمجيد تبون في ثاني يوم من زيارتها للجزائر.

وبدأت بورن الأحد زيارة رسمية إلى الجزائر غير مسبوقة في تاريخ العلاقات من حيث حجم الوفد الوزاري المشارك فيها، بعد أزمة حادة عصفت بالجانبين منذ أشهر، ويسعى البلدان لتجاوزها عبر مصالحة تنهي حالة الجفاء في ظل تطورات عالمية متسارعة.

وقادت بورن وفدا مكونا من 16 وزيرا يمثلون نحو نصف طاقمها الوزاري، في “إنزال حكومي” بدا أن الغاية منه تصحيح “خطأ” ارتكبه سلفها جون كاتسكس في أبريل 2021، عندما قلص وفده الذي كان سيرافقه للجزائر إلى أربعة وزراء، وعزى ذلك إلى وباء كورونا، فردت الجزائر بإلغاء الزيارة في اللحظة الأخيرة.

وقالت رئيسة الحكومة الفرنسية أمام الصحافيين في قصر الرئاسة بالجزائر العاصمة “أشعر أننا حققنا تقدما معا، وأن اللجنة الحكومية رفيعة المستوى وضعت أسس شراكة متجددة ودائمة ستكون في صالح شبابنا”.

وشددت بورن ونظيرها الجزائري أيمن بن عبدالرحمان على رغبتهما في “تكثيف” العلاقات الثنائية في ختام اجتماع اللجنة الحكومية رفيعة المستوى، وهو الأول منذ عام 2017، والذي أسفر عن توقيع 12 اتفاقية تعاون في مجالات الصناعة والفن والثقافة.

أيمن بن عبدالرحمان: هناك حاجة لتسهيل حقيقي في حركة تنقل الأشخاص

وأضافت بورن التي كانت الجزائر أول دولة تزورها منذ تعيينها “إن قدومي إلى الجزائر مع وفد وزاري هام وحفاوة الاستقبال الذي خصني به الرئيس تبون وكل أعضاء الحكومة الجزائرية وثراء محادثاتنا هي دليل على عزمنا على العمل والبناء”.

وقبل الالتحاق بمأدبة غذاء أقيمت على شرفها، أكدت رئيسة وزراء فرنسا للرئيس تبون أنه “يمكنه الاعتماد على تعبئة حكومة بلادها… فتعاوننا ضروري وسنضعه في خدمة بلدينا”.

وكان الرئيس إيمانويل ماكرون تحدث هاتفيا مع نظيره الجزائري قبل وصول رئيسة الوزراء لتجديد التزامه بـ”الشراكة المتجددة” التي أسسها الطرفان قبل خمسة أسابيع بالجزائر.

وزار ماكرون قبل نحو شهر ونصف الشهر الجزائر حيث وقع مع نظيره الجزائري على “إعلان الجزائر” من أجل شراكة متجددة.

ويرى مراقبون أن هذا الحرص الفرنسي على تذويب الخلافات مع الجزائر والدفع باتجاه انطلاقة جديدة يعود إلى جملة من العوامل لعل في مقدمتها أزمة الطاقة العالمية التي تنذر بشتاء أوروبي صعب.

كما تحاول فرنسا إنعاش نفوذها المتراجع في المنطقة لصالح قوى منافسة، وهي تراهن على التعاون مع الجزائر في عدد من الملفات، حيث تتقاطع مصالحهما على غرار ملف الساحل الأفريقي.

في المقابل بدا أن الجزائر تحاول استثمار الاندفاعة الفرنسية صوبها من أجل التسويق لعودة قوية إلى الساحة الدولية، والترويج إلى أنها باتت قبلة للقوى الدولية المأزومة.

وقبل لقاء تبون افتتحت بورن مع نظيرها بن عبدالرحمان منتدى الأعمال الجزائري – الفرنسي الذي يستمر إلى الثلاثاء.

ومنتدى الأعمال في الجزائر العاصمة من تنظيم الغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة وهيئة “بزنس فرانس” الحكومية الفرنسية المسؤولة عن الاستثمار الدولي، والتي رافقتها 70 شركة فرنسية.

واستهل رئيس الوزراء الجزائري بن عبدالرحمان المحادثات بالتشديد على رغبة بلاده إرساء “ديناميكية دائمة” في التبادلات الثنائية على أساس “التكامل والمصالح المشتركة”.

وشدد على ضرورة أن تعمل الجزائر، القوية بموقعها المركزي في شمال أفريقيا، على “تنويع اقتصادها والخروج من اعتمادها على المحروقات وجذب الاستثمار الأجنبي”، مستشهدا بقطاعات مثل الزراعة وإنتاج الأدوية واللقاحات والطاقة المتجددة، والتي “تفتح آفاقا إيجابية للشركات الفرنسية”.

كما رحبت بورن بـ”الديناميكية الجديدة للتعاون الاقتصادي الثنائي”، مؤكدة أن فرنسا “المستثمر الرئيسي في الجزائر خارج المحروقات” والشركات الفرنسية “مستعدة للمشاركة في تنويع” الاقتصاد الجزائري.

ودعت إلى الاعتماد على الشباب من ضفتي البحر المتوسط الذين “يريدون العمل ويحملون أفكارا كثيرة وسوف يبنون أيضا العلاقة بين فرنسا والجزائر”.

وأشاد فابريس لوساشي نائب رئيس حركة المؤسسات الفرنسية وهي أكبر منظمة لأرباب العمل، بـ”الديناميكية التي خلقها رئيس الدولة” ماكرون خلال زيارته في أغسطس لإحياء العلاقات الثنائية بعد شهور من القطيعة والتوتر. وقال “لقد خلق حيوية والحيوية مهمة” للأعمال.

والجزائر هي ثاني أكبر شريك تجاري لفرنسا في أفريقيا. وبحسب الجمارك الجزائرية كانت فرنسا في 2020 ثاني أكبر مورد للبلاد بعد الصين، وثاني مستورد بعد إيطاليا. كما أن باريس هي أيضا ثاني أكبر مستثمر في الجزائر، وفقا لصندوق النقد الدولي، حيث توجد 500 شركة فرنسية في البلاد توظف 40 ألف شخص.

ولا يشمل برنامج الزيارة ملف تزويد فرنسا بشحنات إضافية من الغاز، لكن بورن قالت إنها تريد “مواصلة المضي قدما” مع الجزائر لزيادة طاقاتها الإنتاجية.

ولم يرافق رئيسة الحكومة الفرنسية في وفدها الحكومي الضخم من المجموعات الفرنسية الكبيرة، سوى “سانوفي” المتخصصة في صناعة الدواء والتي تملك مشروعا لإنشاء مصنع للأنسولين، وأربع شركات صغيرة ومتوسطة.

وهذه الشركات هي “جنرال إنرجي” التي تخطط لبناء مصنع لإعادة تدوير ومعالجة نوى الزيتون و”انفنيت أوربت” التي لها مشروع لبناء أول قمر اصطناعي جزائري صغير و”نيو إيكو” العاملة في مجال معالجة النفايات مثل مادة الأسبيستوس، و”أفريل” المتخصصة في تحويل الحبوب.

الرئيسان مهدا الطريق
الرئيسان مهدا الطريق

وتحدثت بورن عن ثلاث ركائز أساسية “لهذه الشراكة المتجددة” وهي: الاقتصاد من أجل “تطوير التجارة والابتكار وخلق فرص العمل” والتنقل والتأشيرات وملف الشباب من خلال زيادة التعاون التربوي والثقافي.

كما أشاد رئيس الوزراء الجزائري بـ”نوعية الحوار السياسي” و”التوافق الكبير حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك”.

وباشرت بورن زيارتها الأحد بخطوات رمزية تتعلق بالذاكرة، كما فعل ماكرون خلال زيارته التي تمكن خلالها من إعادة الدفء إلى العلاقات بين البلدين بعد أشهر من التوتر.

وفي ما يتعلق بملف الذاكرة حول الاستعمار الفرنسي للجزائر وحرب الاستقلال، قالت بورن إن إنشاء لجنة من المؤرخين كان قد أعلن عنها الرئيسان نهاية أغسطس الماضي، لم تعد سوى “مسألة بضعة أيام”.

وفي ما يخص مسألة التأشيرات التي خفضتها باريس بشكل كبير في خريف العام 2021، قالت بورن “ناقشنا وسائل تشجيع التنقل الطلابي والعلمي والفني والاقتصادي”، فيما شدد بن عبدالرحمان على الحاجة إلى وجود “تسهيل حقيقي لحركة” تنقّل الأشخاص. وتحدثت عن “نقاشات مكثفة” حول هذا الملف بين وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين ونظيره الجزائري، قائلة إنها “واثقة” من أنهما سيتوصلان إلى نتائج سريعا.

وكان الرئيسان مهدا الطريق في أغسطس لمرونة في تسليم التأشيرات للجزائريين، مقابل تعاون أكبر من الجزائر في مكافحة الهجرة غير الشرعية.

4