تصاعد التحذيرات من اتساع أزمة المحروقات في تونس

وضعت أزمة الوقود المحتدمة السلطات التونسية في موقف محرج بالنظر إلى تطميناتها المتكررة من أنها تقوم بما يلزم لتأمين الإمدادات، خاصة وأن التقديرات تؤكد أن الاحتياطيات المتوفرة لا تكفي سوى لأسبوع واحد، بينما تتعرض المالية العامة للدولة لضغوط شديدة ناتجة عن الحرب في أوكرانيا.
تونس - تزايدت المؤشرات على اتساع أزمة المحروقات بتونس في ظل أزمة سيولة محتدمة وذلك بعد أقل من شهر من زيادة الحكومة لأسعار المشتقات النفطية للتخفيف من أعباء دعم هذا البند في الميزانية العامة.
وقال سلوان السميري كاتب عام الجامعة العامة للنفط والمواد الكيمائية التابعة لاتحاد الشغل، أكبر نقابة عمالية في البلاد، الاثنين إن “احتياطي البلاد من الوقود يكفي أسبوعا واحدا فقط بعد أن كان المعدل في حدود ستين يوما”.
وتوقع خلال تصريحات لإحدى الإذاعات المحلية انفراجا للأزمة بداية “من مساء الاثنين أو صباح الثلاثاء مع وصول باخرة محملة بالوقود وانطلاق تفريغ حمولتها”.
وأوضح أن ناقلة البنزين التي يتم تفريغها في بنزرت شمال البلاد بعد خمسة أيام من وصولها إلى ميناء الولاية (المحافظة) ستمنح تونس بضعة أيام إضافية من الإمداد، بحيث تصل إلى ما بين عشرة و14 يوما فقط قبل أن تنفد الكميات.

سلوان السميري: البعض من المزودين لا يبدون مرونة في سداد الشحنات
وتشهد أغلب محطات البنزين في تونس شحا في المحروقات، مما أدى إلى تشكل طوابير طويلة للمركبات أمام البعض من المحطات القليلة التي ما زال بحوزتها كميات من المشتقات النفطية المتاحة للبيع.
وتكرار هذا المشهد على مدار أسابيع في واقع الأمر اعتبره منتقدو الحكومة، وخاصة من مجتمع الاقتصاد، علامة أخرى على أزمة تتكشف في المالية العامة، التي ما فتئت تتسع يوما بعد يوم.
وتواجه تونس بالفعل نقصا في بعض السلع المدعومة، حيث تسببت رفوف السوبر ماركت الفارغة في احتجاجات الشهر الماضي، في الوقت الذي تسعى فيه إلى إنقاذ دولي لتمويل مدفوعات الديون وإنفاق الدولة.
وقال السميري لراديو شمس أف.أم “قد يستأنف نقص إمدادات الوقود إذا لم تجد الدولة سيولة كافية لدفع تكلفة الشحنات الجديدة”.
وأوضح أن بعض المزودين العالميين يبدون مرونة في التعامل مع سداد الشحنات لكن البعض الآخر شدد من الإجراءات وهم يطالبون بمستحقات قديمة لم تسددها الحكومة.
ونفت الحكومة مرارا أنها تكافح لدفع أجور المستوردين مقابل سلع مثل البنزين والدقيق والسكر التي تبيعها بسعر مدعوم، وألقت باللوم في السابق على النقص في المضاربين الداخليين.
ومع ذلك، في حين أن وزيرة الطاقة ألقت باللوم في النقص على سلوك المستهلك ومشاكل التوزيع العالمية، يبدو أنها تقر أيضا بأن المدفوعات للمستوردين تساهم في عقبات في الإمداد.
ولكن وزيرة الطاقة والصناعة والمناجم نائلة نويرة القنجي أكدت أن ناقلة جديدة بصدد تفريغ حمولتها. وسعت إلى تبرير ما يحصل بالقول إن “الطوابير الكبيرة في محطات الوقود نتجت عن اندفاع المستهلكين الذين يكدسون الإمدادات”.
وقالت خلال تصريحات لإذاعة موزاييك أف.أم إن “سبب ندرة الوقود هو اندفاع الناس”. وأضافت “الكثير من التونسيين يأخذون أكثر مما يحتاجون”.
وأوضحت “هناك ضغوط مالية بسبب الوتيرة الفورية للدفع التي يطلبها البائعون”.
وفي مطلع يوليو الماضي، اضطرت تونس إلى اللجوء إلى مخزونها من المشتقات النفطية بعدما عجزت عن توفير التمويلات اللازمة لشراء الشحنات من الأسواق الدولية بسبب شروط المزودين بالدفع الفوري للشحنات عند التسليم.
ونقلت وكالة الأنباء التونسية الرسمية عن رشيد بن دالي المدير العام لإدارة المحروقات بوزارة الطاقة قوله في ذلك الوقت إن بلاده “بدأت في استخدام مخزونها الإستراتيجي من المنتجات البترولية حتى تتمكن من تلبية الطلب المحلي”.
وأوضح بن دالي أن هذه الوضعية جد دقيقة وهي تعتبر بمثابة الحرب الأسبوعية بالنظر إلى ندرة المواد البترولية والظرف المالي الحالي الذي تعرفه تونس والأزمة الأوكرانية، وهي كلها ضغوط ترزح تحتها خزينة الدولة.
وتشير التقديرات إلى أن الاستهلاك اليومي من الوقود يوميا يبلغ قرابة 90 ألف برميل، في حين تبلغ الطاقة الإنتاجية للشركة التونسية لصناعات التكرير نحو 32 ألف برميل يوميا.
وسجلت المالية العامة لتونس، التي يقول مسؤولون إنها تواجه أسوأ أزمة لها، خسائر إضافية بحوالي ملياري دولار بسبب تداعيات الحرب بين أوكرانيا وروسيا على تكاليف التوريد.
وقالت وكالة التصنيف موديز الأسبوع الماضي إن تونس واجهت اختلالات كبيرة في المالية العامة والخارجية ومخاطر تمويل متزايدة تمثل ضعفا ائتمانيا كبيرا.

نائلة نويرة: النقص سببه المستهلكون إذ يأخذون أكثر مما يحتاجون
والشهر الماضي، استكملت الحكومة التونسية خططها المتعلقة بخفض الدعم عن المشتقات النفطية والتي تستحوذ على حيز كبير من مخصصات الإنفاق في الميزانية بينما الدولة تكافح لمعالجة الاختلال في التوازنات المالية.
واستفاق التونسيين حينها على وقع زيادة رابعة في الأسعار خلال العام الجاري بنسبة 3 في المئة، “في إطار برنامج تعديل أسعار المواد البترولية”.
وقالت وزارتا الطاقة والتجارة في بيان مشترك إن “التعديل يأتي في ظل تواصل ارتفاع أسعار المحروقات في السوق العالمية نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية، وما تشهده أسواق الطاقة من اضطرابات تتعلق بتقلص الإمدادات وارتفاع كلفة المواد البترولية”.
وشمل التعديل، أسعار البنزين الرفيع الخالي من الرصاص والسولار دون كبريت والبنزين العادي ليصل إلى 2.4 دينار (0.75 دولار) للتر الواحد.
وأصبح سعر الغازوال (السولار) دون كبريت 2.08 دينار (0.65 دولار) وسعر لتر الغازوال العادي عند 1.86 دينار (0.58 دولار) للتر الواحد.
وجاءت تلك الخطوة مع توقع تونس أن يزيد عجز الموازنة إلى 9.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية هذا العام مقارنة بتوقعات سابقة عند 6.7 في المئة بسبب ارتفاع الدولار والزيادة الحادة في أسعار الحبوب والطاقة.
وتقول وزارة الطاقة إن كل زيادة قدرها دولار واحد في سعر برميل النفط يترتب عليها احتياجات تمويل إضافية سنوية للوقود والكهرباء والغاز تبلغ نحو 47 مليون دولار.
وتأمل الحكومة في الانتهاء قريبا من اتفاقية على مستوى الموظفين مع صندوق النقد الدولي من أجل برنامج إنقاذ يتضمن إصلاحات يحتمل ألاّ تحظى بشعبية والتي يمكن أن تطلق المزيد من الدعم الثنائي للميزانية.