المجتمع الدولي ينتبه لوجود أزمة في العراق بعد مرور عام عليها

بغداد - تصاعدت في الفترة الأخيرة الضغوط الدولية على الفرقاء في العراق، لإنهاء الأزمة السياسية التي بلغت العام، وحالت دون تنفيذ الاستحقاقات الدستورية المتمثلة في انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة.
وتقول أوساط سياسية إن استفاقة المجتمع الدولي الآن تعود بالأساس إلى الخشية من انعكاسات استمرار الأزمة على الوضع الأمني في البلاد، والذي قد يؤثر على تدفق النفط في الوقت الذي تشهد فيه أسواق الطاقة ارتفاعا كبيرا في أسعار هذه المادة، متأثرة في ذلك بتفاعلات الأزمة الأوكرانية.
ويمتلك العراق حوالي 145 مليار برميل من النفط، مما يجعله خامس أكبر دولة نفطية في العالم. وقد سجلت صناعة النفط العراقية اتجاهات إيجابية في الأشهر الأخيرة، حيث بلغت مستويات الإنتاج حوالي 4.4 مليار برميل يوميا من النفط الخام، وبلغت الصادرات أعلى مستوياتها في 50 سنة، بقيمة 11.07 مليار دولار.
بعثة الأمم المتحدة في العراق تدعو الأطراف السياسية في البلاد إلى الانخراط في حوار دون شروط مسبقة
وترجع الزيادة في الصادرات إلى حد كبير إلى التحول في الاعتماد العالمي بعيدا عن روسيا نحو قوى نفطية أخرى خلال الأشهر القليلة الماضية.
وتوضح الأوساط السياسية أن تعالي الأصوات الدولية المطالبة بإنهاء الأزمة مرده الأساسي الرغبة في تحقيق قدر من الاستقرار لضمان تدفق النفط، مشيرة إلى أن هذا الضغط الدولي يخدم بشكل غير مباشر قوى الإطار التنسيقي التي تدفع باتجاه تشكيل تحالف موسع يضم المكونين الكردي والسني، يتولى إدارة الدولة.
ودعت بعثة الأمم المتحدة في العراق الاثنين الأطراف السياسية في البلاد إلى الانخراط في “حوار دون شروط مسبقة” من أجل إيجاد مخرج لـ”أزمة طال أمدها تنذر بالمزيد من عدم الاستقرار”، بعد عام من الانتخابات التشريعية.
وقالت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) في بيانها، إنه “يتعيّن على الجهات الفاعلة كافة الانخراط في حوار دون شروط مسبقة”، في إشارة موجهة أساسا إلى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي يرفض المشاركة في أي حوار قبل الموافقة على شروطه وهي تشكيل حكومة مستقلة بشكل كامل عن الأحزاب السياسية.
ودعت ساسة البلاد إلى “الاتفاق بشكل جماعي على النتائج الرئيسة من خلال تقديم تنازلات تعيد التأكيد على هدفهم المعلن وهو تلبية احتياجات الشعب العراقي وتشكيل حكومة ذات صلاحيات كاملة وفاعلة”.
وأجرى العراق انتخابات تشريعية مبكرة في العاشر من أكتوبر 2021، تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة التي خرجت رفضا لفساد الطبقة السياسية وتدهور البنية التحتية في خريف العام 2019.
لكن على بعد عام من ذلك، مازالت الأحزاب السياسية نفسها تهيمن على السلطة في البلاد. وعلى الرغم من المفاوضات اللامتناهية في ما بينها، فشلت أطراف الأزمة في التوصل إلى اتفاق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتسمية رئيس جديد للوزراء.
وتتركز الخلافات أساسا بين الإطار التنسيقي الذي يشكل المظلة السياسية للقوى الموالية لإيران، وبين التيار الصدري الذي كان فاز في الاستحقاق التشريعي، لكنه قرر في يونيو الماضي استقالة كتلته النيابية من البرلمان.
ويدعو الصدر إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، فيما يطالب الإطار التنسيقي بتشكيل حكومة جديدة قبل التوجه لإجراء انتخابات.
وبلغ التوتر بين الطرفين ذروته في التاسع والعشرين من أغسطس عندما وقعت مواجهات مسلحة بين أنصار الصدر من جهة وقوات من الجيش والحشد الشعبي من جهة أخرى، قتل خلالها أكثر من 30 من عناصر التيار الصدري.
ونبه بيان الأمم المتحدة إلى أن “اليوم ليس لدى العراق الكثير من الوقت. فالأزمة التي طال أمدها تنذر بالمزيد من عدم الاستقرار والأحداث الأخيرة دليلٌ على ذلك”. وأضاف بأن “إقرار ميزانية 2023 قبل نهاية العام يمثل أمرا ملحا”.
ودعت السفارة الفرنسية في بغداد في بيان لها جميع الأطراف السياسية “بشكل عاجل إلى الانخراط في حوار حقيقي دون شروط مسبقة ومع استعداد حقيقي لتقديم تنازلات”.
ويقول مراقبون إن الضغوط الدولية من شأنها أن تزيد من إحراج موقف الصدر، الذي لم يحسن إدارة المعركة مع الإطار التنسيقي، واتخذ قرارات مندفعة لاسيما حينما قرر الانسحاب من العملية السياسية.
ويشير المراقبون إلى أن موقف الإطار التنسيقي بات اليوم أقوى بكثير، لعدة أسباب من بينها الظرفية الدولية التي باتت تخدمه بشكل واضح. وهذا بالطبع سينعكس على مواقف القوى الكردية والسنية التي كانت حليفة للتيار الصدري.
ويوضح المراقبون أن جميع المؤشرات تصب في سياق توجه الحزب الديمقراطي الكردستاني وائتلاف السيادة السني باتجاه الدخول في تحالف جديد مع الإطار التنسيقي، وسط ترجيحات أن يجري الإعلان عن هذا التحالف خلال الأيام القليلة المقبلة.
وزار رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي الاثنين أربيل برفقة مرشح الإطار التنسيقي لرئاسة الوزراء محمد شياع السوداني ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض ورئيس تحالف السيادة خميس الخنجر.
وعقد الرباعي لقاء مطولا مع زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، ناقشوا خلاله الوضع السياسي في العراق والمسيرة التفاوضية لعقد جلسة البرلمان القادمة لاختيار رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة الاتحادية، واتفق المجتمعون على دراسة هذه القضايا الحساسة والوصول إلى حلول قبل عقد الجلسة المعنية.
ويشكل الخلاف داخل المكون الكردي حول رئاسة الجمهورية العقدة الرئيسية أمام قيام تحالف إدارة الدولة، لكن المراقبين يرجحون انتهاء هذا الخلاف قريبا، حيث أنه ليس من صالح أي طرف كردي أن يظهر المعرقل لحل الأزمة في العراق.