تحالف المال والسلطة يعيق مكافحة الفساد في الأردن

عمان تستحدث شعبة لتلقي شكاوى التجاوز على المال.
الخميس 2022/10/06
مكافحة الفساد لا تزال ظاهرة صوتية

تصطدم مساعي الحكومات الأردنية المتعاقبة لمكافحة الفساد بعقبات تكبح استشراءه، خاصة داخل المؤسسات الحكومية، إذ إن البيئة التشريعية الرخوة وتحالف المال والسلطة أهم عوامل فشل الإستراتيجيات الأردنية في محاصرة الظاهرة.

عمان - قالت مصادر إن استحداث الحكومة الأردنية لشعبة تلقي شكاوى التجاوز على المال العام خطوة إيجابية على المستوى النظري، لكنها شككت في تأثيرها على مناخ الفساد الوظيفي المستشري في المملكة، والذي يقويه تحالف المال والسلطة.

واستحدث ديوان المحاسبة الأردني شعبة جديدة تعنى بمتابعة الشكاوى والملاحظات التي ترد إليه من الجهات المختلفة، ترتبط مباشرة بمكتب رئيس الديوان، وتتبع تنظيميا مديرية العلاقات العامة والتعاون الدولي والإعلام.

وقال رئيس ديوان المحاسبة عاصم حداد الأربعاء إنّ استحداث الشعبة يأتي في إطار حرص الديوان على تعزيز دوره الرقابي، من خلال رفع مستوى التواصل مع المجتمع المحلي والمؤسسات الإعلامية والجهات الخاضعة لرقابته، للإبلاغ عن أي تجاوز على المال العام.

مهند حجازي: هناك حجر عثرة أمام طريقنا في محاربة الفساد

وبيّن أن الشعبة ستعمل على تعزيز مبدأ الرقابة والمساءلة وتوطيد العلاقة بين الديوان والأطراف ذات العلاقة، إضافة إلى زيادة ثقة المجتمع المحلي بدور الديوان من خلال متابعة شكاوى أفراده بالسرعة الممكنة.

ويمثل الفساد أحد أهم أسباب تعثر الاقتصاد الأردني وتردّي الأوضاع المعيشية داخل المملكة. ولم تتمكّن الحكومات الأردنية المتعاقبة من كسر ظهر الفساد الذي يستمر في النمو نتيجة لتشابك المال والسلطة بين أيدي الفاسدين.

ويشكل الأردن بيئة وظيفية واجتماعية حاضنة للفساد، إذ إنه رغم الضرر الكبير الذي يهدد الدولة وأمنها الاقتصادي وما يترتب عليه من خلل في الأمن على كافة الأصعدة، إلا أن الفساد يحظى بشبكة علاقات اجتماعية حاضنة له، فالكثير من المسؤولين والسياسيين الأردنيين يرتبطون بعلاقات قرابة ومصاهرة في ما بينهم، مما يجعل هناك حزام أمان يحمي من يمارس الفساد من المحاكمة أو أن يطوله القضاء.

ويقول رئيس مجلس هيئة النزاهة ومكافحة الفساد في الأردن مهند حجازي إن هناك حجر عثرة أمام طريقنا في محاربة الفساد.

ويؤكد تقرير اللجنة بصراحة اتساع وعمق أزمة الفساد في الأردن وخطورتها، كما يشير إلى أن السياسات التي رسمت للحد من الفساد ومكافحته اعتراها إما خلل في التطبيق وإما قصور في التنفيذ، وقد بات لزاما إعادة النظر بكل تلك السياسات والمسارات حتى لا تتحول المشكلة إلى معضلة والحل إلى عقدة مزمنة.

ويؤكد محللون أن الحل الأنسب لمعالجة الفساد المالي والإداري في الأردن هو تشديد الرقابة ووضع قوانين صارمة للحد من الفساد والوساطات.

ويشير هؤلاء إلى ضرورة إصلاح البيئة التشريعية الرخوة، فمثلا تشكل نصوص الدستور الأردني عائقا وعقبة أمام القضاء على الفساد، إذ ينص على أنه لا يجوز تقديم أي وزير أو رئيس وزراء إلى المحاكم عن الجرائم والمخالفات التي وقع فيها الوزير أثناء تأديته لمنصبه، إلا بموافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب الذي يحق له فقط اتخاذ قرار باتهام الوزير إذا وجد أن في أعماله ما يخالف القانون.

كما ينص الدستور الأردني على الجواز للنائب أن يكون شريكا في المؤسسات التي يزيد عدد المساهمين أو المالكين للحصص فيها عن عشرة أشخاص، فسمح هذا الاستثناء للسلطة التشريعية بممارسة التجارة بشروط يسهل تحقيقها، فنتج بهذا النص باب للتزاوج الحقيقي بين فساد السلطة التشريعية وفساد السلطة التنفيذية.

bb

وتواجه الحكومات الأردنية المتعاقبة تهما بالتواطؤ وعدم بذل جهود لمحاربة المحسوبية والفساد، اللذين أثرا سلبا على المنوال الاقتصادي والاجتماعي في المملكة.

ويعتقد الكاتب نضال منصور أن توجيه أصابع الاتهام إلى الحكومات فقط بالتورط في الفساد فيه ظلم كبير، مضيفا أن الفساد أو التواطؤ معه أو السكوت عليه حالة مجتمعية، وأنه يحتاج إلى منظومة أخلاقية وتربوية وقانونية وسياسية تجرّم كل الممارسات التي تؤدي إلى الفساد وتصنعه مثل الواسطة.

وأفادت منظمة الشفافية الدولية بأنّ الفساد في الأردن ينشط بكثرة في العطاءات الحكومية ومشاريع البنية التحتية والعمالة الأجنبية المخالفة، والتراخيص الممنوحة من قبل البلديات الأردنية، إضافة إلى التهرّب الجمركي والضريبي.

ويقول محللون إن الفساد تحول إلى ظاهرة يصعب اقتلاعها في الأردن، حيث يختلط فيها السياسي بالاقتصادي، وأنه حتى وإن وجدت إرادة لدى حكومة الرزاز لمواجهتها، وهو أمر يشكك فيه البعض، إلا أن المسألة تحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك، حيث إن الأخيرة لا تمتلك الولاية العامة بالشكل الذي يسمح لها فيها بفتح كل الملفات.

المسؤولون يرتبطون بعلاقات قرابة ومصاهرة ما ينشئ حزام أمان يحمي من يمارس الفساد من أن يطاله القضاء

ويقول الباحثون الأكاديميون والخبراء القانونيون إن سبب وجود الفساد في الأردن يُعزى إلى عوامل عدة، أهمها ضعف أداء الأجهزة الرقابية الرسمية لعدم استقلاليتها إداريا وماليا، ووجود تنازع نوعي في الاختصاص بين هذه المؤسسات، مما يشتت الجهود ويعيق التنسيق والتشاركية فيما بينها في قضايا الفساد.

ويعزو هؤلاء ذلك أيضا إلى وجود اختلالات في دور بعض مؤسسات المجتمع المدني المعنية بمكافحة الفساد لافتقارها إلى القدرات والاختصاصات وآليات الحوكمة، واعتماد بعضها على التمويل الخارجي، وابتعادها عن الشفافية في الإفصاح عن تقاريرها الإدارية والمالية، إلى جانب تقييد الوصول إلى المعلومات وعدم إتاحتها لتمكين المواطنين من المشاركة في الحياة السياسية.

ويعود ذلك أيضا إلى ضعف بعض التشريعات الإجرائية الناظمة لملاحقة الأموال المنهوبة والحاجة إلى تعديل بعض القوانين لهذه الغاية، وقصور التشريعات الوطنية الناظمة لمكافحة الفساد وعدم مواءمة بعضها للاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد مثل الرشوة والاستغلال بالنفوذ.

كما يتسم الدور الرقابي للمجلس النيابي بالضعف، إذ إن حصانة بعض المسؤولين وتجاوزاتهم لتنفيذ القانون بعدالة وعدم تعرضهم للمساءلة عن تجاوزاتهم، تجعل القوانين الناظمة للعمل السياسي مثل قانون الانتخاب غير مفعّلة، وتضعف دور مجلس النواب في مهمته الرقابية ويصبح أقرب إلى مجلس خدماتي بدل من قيامه بالواجب الرقابي، إضافة إلى ترجيح معايير الولاء على معايير الكفاءة في شغل المواقع العليا.

ويلفت المحللون إلى أن وجود هيئة لمكافحة الفساد لا يعني بالضرورة أن الأردن في الطريق الصحيح في مواجهة هذا الأخطبوط، الذي كلف الأردن الكثير وحوله إلى بيئة نافرة للمستثمرين المحليين والأجانب على حد السواء.

وكان الأردن من الدول السباقة إلى التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، إلا أن ذلك يستوجب ضرورة الالتزام بكل استحقاقات هذه الاتفاقية لتحقيق أعلى درجات الوقاية من آفة الفساد، التي لا ئؤثر فقط على الصعيد الوطني، بل على المستوى الدولي أيضا.

2