مخاوف من عودة الصدام بين التيار الصدري والإطار التنسيقي في الشارع

بغداد - وسط تصعيد إعلامي بين طرفي الأزمة السياسية في العراق، عادت التوترات بينهما إلى الشارع مجددا، بعدما اقتحم أنصار التيار الصدري قناة فضائية مقربة من قوى الإطار التنسيقي، إثر برنامج حواري اعتبره التيار مسيئا له، ما يضع الأزمة السياسية على مفترق طرق جديد، قد يدفع باتجاه التصادم مجددا.
وأدان رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي مساء الثلاثاء قيام مجاميع مقربة من الزعيم الشيعي مقتدى الصدر باقتحام محطة تلفزيون الرابعة، ووصفه بأنه "فعل مستهجن".
وقال الكاظمي في تغريدة على حسابه في تويتر إن "ما حصل من اعتداء على إحدى وسائل الإعلام العراقية، وتهديد أرواح العاملين بها، هو فعل مستهجن ويمثل أعلى مستوى من التجاوز على القانون وحرية الصحافة، ولا يندرج ضمن الممارسات والاحتجاجات السلمية والقانونية".
وأضاف "وجهنا بمحاسبة الفاعلين، وتشديد الحماية على المؤسسات الصحافية".
وبدأ التصعيد الإعلامي بين الطرفين على إثر مداخلة لمقدمة برنامج حواري تبثه قناة الرابعة الفضائية، المقربة من تحالف الإطار التنسيقي، وتتبنى طروحاته السياسية، اتهمت فيها جيش المهدي (الجناح العسكري للتيار الصدري) بأنه سلّم أسلحته، بل و"باعها" إلى الجيش الأميركي.
وعلى إثر ذلك، تجمعت الحشود أمام مبنى القناة في منطقة الكرادة وسط بغداد، ثم احتشدت وطالبت إدارة القناة بالاعتذار على حديث مقدمة البرنامج.
ومع عدم صدور أي اعتذار من مذيعة البرنامج، اقتحم الصدريون مبنى القناة بالقوة، رغم الحراسة المشددة، وحطموا الأثاث والمعدات وأجهزة البث وغيرها.
وأظهرت صور جموعا من المحتشدين الغاضبين يحملون صورا للصدر. ورفع آخرون لافتات كتب في إحداها "قناة الرابعة بوق للميليشيات".
كما حاصر أنصار الصدر ليلة الثلاثاء منزل مدير القناة غزوان جاسم في بغداد، وسط هتافات تؤيد توجه زعيمهم وتحذر من المساس به وبالتيار الصدري.
وقال جاسم على حسابه في تويتر "بالرغم من التوضيح إلا أن جمهور التيار الصدري أصر على الاقتحام والعبث بمحتويات القناة، والكل بقي متفرجا كما جرت العادة أمام أي اعتداء".
ونشرت القناة على حسابها في تويتر مقاطع مصورة، كما ذكرت في بيان أنها تستنكر "ما قامت به جماعة تنتمي إلى التيار الصدري من مهاجمة مقر القناة".
وتدخلت القوات الأمنية وقامت بإبعاد المجاميع وفرضت طوقا أمنيا في محيط القناة التلفزيونية.
ونقلت وكالة شفق نيوز عن مصدر أمني قوله إن "مدير قوات حفظ القانون اللواء جواد الدراجي أصيب خلال دخول المحتجين الصدريين إلى مبنى قناة الرابعة، ومنعهم من الدخول".
وأضاف أن "قوات الشرطة الاتحادية اعتقلت أحد المندسين مع المحتجين حاول سرقة أجهزة ومتعلقات تخص القناة".
ودعا بيان لهيئة الإعلام والاتصالات العراقية اليوم المواطنين والأحزاب والتيارات والفعاليات السياسية والدينية كافة إلى التعامل وفق الأطر القانونية مع المخالفات التي قد تصدر عن وسائل الإعلام، واللجوء إلى القضاء أو هيئة الإعلام والاتصالات لتقديم شكاوى رسمية ضد أي مؤسسة إعلامية مرخصة، يروا أنها خالفت لوائح السلوك المهني ولائحة قواعد البث الإعلامي.
ومساء الثلاثاء، أعلن الصدر تمسكه بموقفه السياسي بتشكيل حكومة بعيدة عن الوجوه القديمة والالتزام بمحاربة الفساد.
جاء ذلك ردا منه على إحاطة ممثلة الأمم المتحدة بالعراق جينين هينيس بلاسخارت، في مجلس الأمن، والتي أكدت فيها استمرار الفساد بالعراق وخطورة الأزمة فيه، وأن الطبقة السياسية بالعراق غير قادرة على حسم الأزمة، ما يتطلب حوارا وطنيا شاملا.
وقال الصدر في تغريدة له، إنه يؤيد ما جاء بإحاطة بلاسخارت، وإنه "يوافق على الحوار، إذا كان علنيا ومن أجل إبعاد كل المشاركين في العمليات السياسية والانتخابية السابقة، ومحاسبة الفاسدين تحت غطاء قضاء نزيه، ونتطلع إلى مساعدة الأمم المتحدة بهذا الشأن، أعني الإصلاح ولو تدريجيا".
وشدد على ضرورة "ألا يكون السلاح المنفلت ضمن إطار الدولة واستعماله ضد المعارضين والثائرين وفي تثبيت النفوذ وتجذر الدولة العميقة، خصوصا وأن رئيس الوزراء الحالي يتعرض لضغوط هائلة بهذا الخصوص، مع أنه قائد القوات المسلحة، كما أن هنالك عدم تجاوب من بعض المسلحين معه، وإن كانوا ضمن نطاق الدولة".
وحذر السياسي العراقي عزت الشابندر من خطورة الوضع الحالي الذي تمر به البلاد، وقال عبر حسابه على تويتر، إن "فهمي لطبيعة الصراع السياسي الدائر الآن، أن خسارة أحد أطرافه لا تعني النصر للآخر، لأن العراق بحاجة إلى جميع أبنائه، ومن لا يوحدهم حبه، لا يجمعهم نهب خيراته وظلم أبنائه".
وشهد العراق خلال الأشهر الأخيرة أزمة سياسية بين الطرفين، تمثلت في اقتحام أنصار التيار الصدري المنطقة الخضراء ومبنى البرلمان، ومن ثم تطور المشهد إلى اشتباكات بينهم وبين جهات محسوبة على "الحشد الشعبي"، أوقعت العشرات من القتلى والجرحى، قبل أن يوجه زعيم التيار مقتدى الصدر أنصاره بالانسحاب.
لكن المشهد السياسي بالعراق استمر على حاله، مع التوتر والاحتقان بين الطرفين، خاصة وأن "الإطار التنسيقي" تجاوز شروط الصدر بحل البرلمان، والتوجه نحو انتخابات مبكرة، متحديا التيار، ونجح باستئناف عمل البرلمان، في وقت يسعى حاليا إلى التوجه نحو تشكيل الحكومة، وهو ما يتقاطع مع شروط الصدر، وسط استمرار المخاوف من عودة أنصاره إلى الشارع.
وتعيش البلاد أزمة هي الأطول من نوعها، إذ حالت الخلافات بين القوى السياسية دون تشكيل حكومة جديدة، منذ الانتخابات الأخيرة التي جرت في العاشر من أكتوبر عام 2021.