أي سيناريوهات لانتهاء الغزو الروسي لأوكرانيا

زيلينسكي يوقع مرسوما يرفض أي مباحثات مع بوتين.
الأربعاء 2022/10/05
تكافؤ قوة الردع يدفع للتفاوض

مع توقيع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مرسوما يرفض أي مباحثات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، لا يرى محللون نهاية قريبة للغزو الروسي، إلا أنهم يتوقعون أن تقود الولايات المتحدة بدل أوكرانيا المفاوضات مع روسيا في نهاية المطاف.

كييف - تغير مسار الوضع العسكري في ما يخص الساحة الأوكرانية، خاصة بعد أن شهدت الأسابيع القليلة الماضية تراجع القوات الروسية، نتيجة الضربات الأوكرانية المتتالية والمباغتة، وتكبّد روسيا خسائر كثيرة نتيجة ذلك، سارعت روسيا بضم بعض الأراضي الأوكرانية إلى الاتحاد الروسي، مما يشير إلى أن الجانب الروسي لن يتراجع عن ضم الأراضي الأوكرانية مهما حدث، في حين أن استمرار الدعم لأوكرانيا من الغرب لن يتوقف أيضا، وهذا يعني أن مصير الحرب هناك بات يتجه نحو طور التعقيد وتضاؤل فرص المفاوضات بين الطرفين.

ووقع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الثلاثاء مرسوما ينص على عدم إجراء مباحثات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين.

وقال زيلينسكي في اجتماع مع مجلس الأمن والدفاع الوطني إن بوتين “لا يعرف الكرامة والمصداقية”. وأضاف “نحن مع المباحثات مع روسيا، ولكن مع رئيس آخر”.

وجاء في المرسوم “من المستحيل إجراء مباحثات مع رئيس الاتحاد الروسي بوتين”.

دميتري بريجع: في عام 2024 يمكننا أن نرى مفاوضات بعد حرب شرسة

ويشكل الاستفتاء الذي أجرته روسيا في المناطق التي سيطرت عليها في أوكرانيا سببا لتعقيد المشهد وملف المفاوضات بين الجانبين، وسط رفض كبير من الدول الغربية والولايات المتحدة لهذا الاستفتاء، باعتبار الغرب ينظر إلى أي تمدد روسي في أوكرانيا على أنه اختراق للإستراتيجية الغربية التي تهدف إلى إحكام حصار الناتو على روسيا جغرافيا وسياسيا.

وعلى الرغم من ذلك، فبعد قرار التعبئة الجزئية العسكرية والاستفتاءات الروسية في مناطق أوكرانية والتقدم، يجدر التساؤل عن السيناريوهات المحتملة لانتهاء الغزو الروسي، وما إذا كان انسحاب بوتين غير ممكن وانتصار أوكرانيا بعيد المدى، سوف تستمر الحرب إلى أجل غير مسمى؟

ويرى محللون في خطوة الحكومة الروسية بضم الأراضي الأوكرانية أنها ليست قانونية على الإطلاق، كما تمثل تصعيدا خطيرا للغاية في إطار الحرب الدائرة منذ أشهر عدة. حتى دولة مثل الصين، التي لم تكن على وفاق مع الغرب وتتعاطف أكثر مع روسيا في هذا الصراع حتى اليوم، فقد أعلنتها صراحة بأنها لن تقبل ضم الأراضي بالقوة مطلقا.

وهذه الخطوة الروسية حتما ستزيد من تعقيد جهود البحث عن تسوية سلمية نهائية، لأن أوكرانيا ودول الغرب لن تقبل عملية الضم أو تعترف بها رسميا، إلى جانب أنه سيصبح من الصعب على أي حكومة روسية مستقبلية أن تتخلى عن هذه الأراضي بموجب الدستور، وأصبح ذلك أمرا محسوما بمجرد إعلان بوتين عن ضمها إلى روسيا رسميا.

لكن رغم ذلك، لا بد من التوصل إلى تفاهم أو اتفاق بين الطرفين لوقف هذه الحرب التي تؤثر بالعالم كله وليس فقط روسيا وأوكرانيا، لاسيما تداعيات تلك الحرب الاقتصادية.

وفي هذا الإطار يرى الباحث في الشأن الروسي دميتري بريجع أن الحرب ستستمر لفترة طويلة وقد تتحول إلى حرب كبرى لن تنتهي سريعا لأن كل طرف يريد استمرار الحرب للاستفادة منها، خاصة وأن الجانب الروسي لا يستطيع التراجع أو الاستسلام في أوكرانيا، ذلك لأن هذا قد يسبب مشاكل كبيرة في الداخل الروسي، وقد تتفكك روسيا إلى دول أو جمهوريات وفقا لمشروع “إنهاء الاستعمار الروسي”، وهو المشروع الذي يهدف إلى تفكيك روسيا وفقا للشريحة القومية في روسيا.

بوتين يأمل أن يبرر مطالباته للشعب الروسي بتضحية أكبر في سبيل دعم جهود الحرب، وذلك عن طريق تصوير الحرب بأنها دفاع من روسيا عن أراضيها

وأردف بريجع “أعتقد أننا لن نشهد أي محادثات تفاوضية في الوقت الحاضر بين روسيا وأوكرانيا، لكنني أعتقد أنه في عام 2024 يمكننا أن نرى مفاوضات بعد حرب شرسة في عام 2023، ويمكن استخدام الأسلحة النووية التكتيكية في العام الجاري، أو في العام المقبل 2023”.

واستدل بريجع ذلك بالقول “في عام 2024 هناك انتخابات رئاسية في روسيا وأيضا في الولايات المتحدة، وقد يتغير فيها قادة روسيا والولايات المتحدة بشخصيات قد تحل الوضع في المنطقة وقد نرى عالما متعدد الأقطاب وتعديلات في الأمم المتحدة”.

ولا شك أن صعوبة إجراء محادثات سلام مباشرة بين أوكرانيا وروسيا الآن تفرض على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تحمّل مسؤولية أكبر عن الجهود الدبلوماسية لاحتواء وتقييد الصراع.

لكن، إذا لم تفعل إدارة الرئيس الأميركي ذلك فسوف تكون قد تخلت فعليا عن مسؤوليتها عن حماية الولايات المتحدة والشعب الأميركي من المخاطر التي تهدد بقاءهما.

وهذا الخطر ليس افتراضيا أو تخمينيا، فقد ردت إدارة بايدن على خطوات روسيا العدائية بزيادة دعمها لأوكرانيا قبل وأثناء الحرب. بينما ردّت الحكومة الروسية في كل مرة بالتصعيد أكثر، وإذا استمرت دورة التصعيد الحالية دون رقيب فسوف تتحول فكرة اندلاع المواجهة النووية المباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا إلى احتمالية قائمة.

ومن هنا، من الضروري تذكر دروس الحرب الباردة وسط هذه الظروف الخطيرة بصورة استثنائية، حيث تكاتفت الولايات المتحدة مع حلفائها في أوروبا الغربية أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات بهدف الحيلولة دون انتشار أوسع للقوة السوفييتية والشيوعية الستالينية داخل أوروبا. ونجحت الولايات المتحدة في مساعيها التي تمخضت عن احتواء الاتحاد السوفييتي، قبل انهيار الشيوعية السوفييتية في النهاية.

يجب على واشنطن وموسكو بدء المحادثات في الوقت الراهن من أجل تجنب التصعيد لحرب نووية

ورفضت إدارة أيزنهاور في الوقت ذاته فكرة “دحر” القوة السوفييتية في أوروبا بالوسائل العسكرية، مجادلة بأن هذه الإستراتيجية ستؤدي إلى حرب نووية عالية المخاطر وستنتهي إلى تدمير أجزاء كبيرة من الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة على حد السواء.

ويجب على واشنطن وموسكو بدء المحادثات في الوقت الراهن من أجل تجنب التصعيد لحرب نووية، ما سيسمح بتقديم ضمانات سرية وموثوقة من الجانبين، حيث يُشار إلى أن الطرفين حافظا على مثل هذه السرية في اتفاقية الرئيس كينيدي لسحب الصواريخ الأميركية من تركيا مقابل سحب الصواريخ السوفييتية من كوبا.

ويجب أن ترتبط هذه الضمانات أولا وقبل كل شيء بالقضايا التي قد تؤدي لاندلاع حرب مباشرة وصريحة بين البلدين، مثل أن تقدم روسيا ضمانات لواشنطن بأنها لا تنوي مهاجمة أي من الدول الأعضاء في الناتو. بينما يجب أن تضمن واشنطن لموسكو عدم اتخاذ أي خطوات لحصار معقل كالينينغراد الروسي، وأنها ستتوقف عن دعم الأوكرانيين.

وبينما يتوقع مراقبون وخبراء أن تعلن القوات الأوكرانية انتصارات جديدة في الفترة المقبلة، يأمل الرئيس الروسي بوتين أن يبرر مطالباته للشعب الروسي بتضحية أكبر في سبيل دعم جهود الحرب، وذلك عن طريق تصوير الحرب بأنها دفاع من روسيا عن أراضيها في مواجهة الهجوم الأوكراني المضاد المدعوم من الغرب.

5