النساء يضحين بصحتهن من أجل إطعام أسرهن

تقليص الوجبات ونوعيتها يخلف آثارا صحية خطرة على الأمهات الحوامل والمرضعات.
الجمعة 2022/09/30
صحة الطفل قبل صحة الأم

أثر ارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب ارتفاع معدلات التضخم في العالم على موازنات الأسر الفقيرة، ما جعل الأمهات العائلات لأسرهن يتنازلن عن حقهن في الرعاية الصحية من أجل إطعام أطفالهن. وإضافة إلى غياب التأمين الصحي وعدم القدرة على تحمل تكاليف الأدوية، تعمد الأمهات إلى تقليل عدد الوجبات التي يتناولنها كل يوم ونوعيتها ما يعرض صحتهن للخطر.

نيروبي - عندما شعرت الأم الكينية لثلاثة أطفال، أغنيس واشيرا، بألم في صدرها قبل ستة أشهر تقريبا، تجاهلته وتوقعت أن يكون إحدى نتائج العمل اليومي لساعات طويلة في غسل الملابس يدويا في ممرات كاوانغوير الضيقة العشوائية في نيروبي. ثم تطور الألم على مدى أشهر إلى ضيق مستمر في صدرها، وغالبا ما يتركها غير قادرة على التنفس بسهولة.

لكن ارتفاع معدل التضخم في كينيا إلى أعلى مستوى في خمس سنوات عند 8.5 في المئة يجعل الأم البالغة من العمر 48 عاما غير قادرة على طلب المساعدة الطبية.

وقالت واشيرا، التي تكسب حوالي 1500 شلن كيني (12.46 دولار) في الأسبوع، لمؤسسة تومسون رويترز عبر الهاتف من منزلها “ليس الذهاب إلى الطبيب خيارا. ليس لدي تأمين صحي ولا يمكنني تحمل تكاليف الأدوية، ويعني سعر الوقود المرتفع أن دفع أجرة النقل للوصول إلى المستشفى مكلف للغاية”.

أزمة غلاء المعيشة أثرت بشكل غير متناسب على النساء اللاتي يتقاضين رواتب قليلة ويضطلعن بالمزيد من المسؤولية

وأدى ارتفاع تكاليف المعيشة الناجم عن حرب أوكرانيا ووباء كوفيد - 19 إلى توسيع نطاق عدم المساواة بين الجنسين في الدول من كينيا ولبنان إلى سريلانكا وبريطانيا، كما يقول نشطاء حقوق المرأة.

ويُجبر هذا النساء على إهمال صحتهن لتلبية احتياجات الأسرة لأن التضخم يضغط على ميزانياتها، مع احتدام الوضع حيث تفرض العديد من البلدان تدابير تقشفية.

وقالت وانغاري كينوتي، رائدة حقوق المرأة العالمية في منظمة أكشن إيد الخيرية الدولية، إن جميع جوانب صحة المرأة معرضة للخطر.

وأضافت أن “ما نراه يحدث هو أن النساء ينتهي بهن الأمر إلى تقليل عدد ونوعية الوجبات التي يتناولنها كل يوم، والتخلي عن الرعاية الصحية الأساسية لشراء الطعام. ومع توفر كمية أقل من الطعام، تصبح النساء والفتيات ‘ماصات الصدمات’ في الأسرة، مما يعني أنهن يأكلن بعد الجميع وبكمية أقل، مما يخلّف آثارا صحية وغذائية خطيرة، وخاصة بالنسبة إلى النساء الحوامل والمرضعات”.

وتقول جمعيات خيرية إن أزمة غلاء المعيشة العالمية أثرت بشكل غير متناسب على النساء اللاتي يتقاضين عادة رواتب أقل من الرجال ويضطلعن بالمزيد من واجبات الرعاية المنزلية غير مدفوعة الأجر.

وقال نشطاء في مجال حقوق المرأة إن الأسر الفقيرة لا تزال تعاني من فقدان الدخل والديون المتزايدة بسبب جائحة كوفيد - 19 ولا يمكنها تحمل المزيد من الصدمات الاقتصادية مثل ارتفاع التضخم.

ويوجد في أفريقيا، على سبيل المثال، 58 مليون شخص معرضون لخطر الانزلاق إلى الفقر بسبب الوباء والحرب في أوكرانيا، وفقا للأمم المتحدة.

وقالت كارولين ديري، مديرة مشروع خدمات الإغاثة الكاثوليكية في غانا “تنشأ النساء في وضع غير موات بسبب عدم المساواة بين الجنسين”.

وأضافت ديري، التي تركز على صحة المرأة “من غير المرجح أن يكن في وظيفة براتب جيد، ومن المرجح أن يكن مقدمات رعاية. لذلك، فليس من المستغرب أن يكن أول من يقدم تضحيات على حساب صحتهن”.

وارتفعت أسعار المواد الغذائية أكثر من 11 ضعفا في لبنان، حيث فقدت الليرة أكثر من 90 في المئة من قيمتها. وتقهقر أكثر من 80 في المئة من السكان إلى ما دون خط الفقر. وتكافح النساء لدفع ثمن باهظ مقابل الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية. حيث ارتفع سعر حبوب منع الحمل، على سبيل المثال، بأكثر من 600 في المئة منذ 2019.

وضع معيشي مزري
وضع معيشي مزري

قالت كارين، المترجمة البالغة من العمر 26 عاما من بيروت، إنها لم تعد قادرة على تحمل تكاليف وصفتها الطبية لهذه الحبوب التي تناولتها لعلاج اضطراب المبيض متعدد التكيُّسات.

وتابعت كارين، التي لم ترغب في الكشف عن اسمها الكامل، إن تكلفة موانع الحمل الفموية كانت تستهلك 12 في المئة من راتبها الشهري.

وقالت “هذا كثير للغاية بالنسبة إلي من الناحية المالية لأنني بحاجة إلى شراء الطعام لطفلي. إذا اشتريت الحبوب، فإن هذا يعني طعاما أقل لطفلي”.

في سريلانكا، حيث وصل معدل التضخم إلى أكثر من 60 في المئة، لم تعد سيثي باتيما البالغة من العمر 49 عاما قادرة على تحمل تكاليف علاج متلازمة ستيفن جونسون، وهو اضطراب نادر وخطير يصيب الجلد والأغشية المخاطية، وقد أثر على بصرها.

وتوقفت الأرملة، وهي أم لطفلين، وليس لديها تأمين طبي، عن زيارة مستشفى خاص لتلقي العلاج منذ ما يقرب من عام بعد أن بدأت التكاليف في الارتفاع إلى 15 ألف روبية سريلانكية (41.67 دولار) شهريا.

في أفريقيا يوجد 58 مليون شخص معرضون لخطر الانزلاق إلى الفقر بسبب الوباء والحرب في أوكرانيا، وفقا للأمم المتحدة

وقالت لمؤسسة تومسون رويترز من منزلها في العاصمة كولومبو “بدأت عيني تتحسن أثناء العلاج. لكن لي ابنتين في المدرسة، ويبقى معاش زوجي هو الشيء الوحيد الذي يدعمنا. كانت مصاريف السفر والعلاج باهظة. التصق جفناي الآن معا ولا أستطيع رؤية أي شيء”.

ولا يقتصر الأمر على البلدان النامية حيث تتحمل صحة المرأة وطأة أزمة غلاء المعيشة. فقد وجدت الدراسات التي أجريت في بريطانيا حيث بلغ التضخم 9.9 في المئة أن النساء يجبرن على اتخاذ خيارات صعبة أيضا.

ووجدت دراسة استقصائية أجرتها مؤسسة بانغ ويمن تراست الخيرية في شهر يونيو أن 30 في المئة من الأمهات الشابات يعانين من الجوع أحيانا حتى يتمكن أطفالهن من تناول الطعام. وارتفعت هذه النسبة إلى 58 في المئة من الأمهات العازبات.

ويحذر المدافعون عن حقوق النوع الاجتماعي من أن وضع صحة المرأة في العديد من البلدان من المرجح أن يزداد سوءا حيث تسعى الحكومات التي تعاني من ضائقة مالية إلى الحد من الإنفاق من أجل سداد الديون التي تكبدتها أثناء الوباء.

وقال فيليستر جيتونغا، مسؤول العدالة بين الجنسين وحقوق المرأة في منظمة أوكسفام “تفرض العديد من الحكومات تدابير تقشفية، وبالتالي سيؤثر ذلك على الجهود المبذولة لتحسين خدمات الرعاية الاجتماعية مثل الرعاية الصحية والتعليم اللذين يعتبران أساسيين لكرامة الإنسان.وسيؤثر ذلك بالطبع على النساء بشكل متزايد ويضاعف عدم المساواة بين الجنسين أكثر”.

17