مرونة الحكومة المصرية في الحوار تحدد مستوى تجاوب المعارضة

القاهرة - تنتظر قوى المعارضة في مصر الإعلان عن موعد تدشين المرحلة الثانية من الحوار الوطني الشامل الذي دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسي في أبريل الماضي وما سيتمخض عنها لتحديد موقفها النهائي من استمرار المشاركة في الحوار أو الانسحاب حال تأكّدها من أن مخرجاته لن تكون على مستوى التطلعات السياسية.
ولم يعلن مجلس أمناء الحوار الوطني عن بدء الجزء الثاني من الحوار بعد أن انتهى من تشكيل اللجان المعنية بمحاوره الثلاثة؛ السياسية والاقتصادية والمجتمعية، في اللقاءين السابع والثامن اللذين عقدا يوم السابع عشر من سبتمبر، وفيهما بدت الأجواء مواتية لانطلاق جولة جديدة مهمتها الدخول في عمق القضايا المطروحة للحوار.
وعقدت الحركة المدنية الديمقراطية التي تضم طيفا واسعا من القوى والأحزاب والشخصيات السياسية لقاءات الأيام الماضية شهدت تباينا في طروحاتها، حيث شكك فريق في التطمينات التي قدمت في الاجتماعين الأخيرين وظهرت في شكل مرونة نزعت فتيل خلاف كان سيتسبب في إرباك الحوار.
وبدا التناغم السياسي كبيرا في الاجتماعين بين أعضاء مجلس الأمناء الذي يضم عددا من الشخصيات المؤيدة للحكومة والمعارضة لها بعد الاستجابة لجزء معتبر من مطالب الثانية في اختيار مقرري ومنسقي المحاور الرئيسية أملا في الخروج بنتائج إيجابية تقود إلى إصلاحات حقيقية في الملفات المعني بها الحوار وهي متشعبة وممتدة.
الفترة التالية لمؤتمر المناخ (كوب 27) الذي سيعقد في شرم الشيخ في نوفمبر المقبل ستحدد مصير الحوار
ورغم رسائل التطمين التي قدمت من القائمين على الحوار وعدد كبير من أعضاء مجلس الأمناء بصورة شخصية، فضلا عن تلميحات من قبل جهات محسوبة على الحكومة، لا تزال هناك شكوك تخيّم على بعض قوى المعارضة التي ترى أن الحوار قد يتحول إلى عملية سياسية مطلوبة من جانب النظام المصري في حد ذاتها للإيحاء بأنه منفتح على المعارضة وعازم على فتح المجال العام أمام الحريات.
وكشفت مصادر من داخل المعارضة لـ”العرب” أن الفترة التالية لمؤتمر المناخ (كوب 27) الذي سيعقد في شرم الشيخ في نوفمبر المقبل ستحدد مصير الحوار، لأن الحكومة تبدي تجاوبا كبيرا الآن مع تحفظات المعارضة ومخاوفها لمنع تشويه الصورة التي تريد أن يبدو عليها الحوار الوطني في الداخل.
وأضافت المصادر ذاتها أن هناك عددا من الأحزاب والشخصيات التي تعتقد أنه كلما اقترب مؤتمر المناخ ازدهر الحوار الوطني وشهد رواجا إعلاميا وزاد عدد المفرج عنهم من المحبوسين في السجون المصرية، حيث تريد الحكومة أن تؤكد جديتها في ملف الحريات وتضفي مصداقية على استعدادها لتوسيع الإصلاحات السياسية.
وعلمت “العرب” أن العضو البارز في الحركة المدنية الديمقراطية والمرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي يتعرض حاليا لضغوط كبيرة داخل الحركة ليعلن اعتراضه على المشاركة في الحوار الوطني بسبب الشكوك المرتفعة في إمكانية خروجه بنتائج تلبي طموحات المعارضة.
وحمل ردّ صباحي عليهم رفضا لتبني نهج المقاطعة، مؤكدا أنه يشاركهم الشكوك السياسية، غير أنه دعي مباشرة من قبل الرئيس السيسي للحوار ولا يستطيع اتخاذ هذه الخطوة إلا بعد الرجوع إليه مباشرة، وهو لا يزال لديه الأمل في حكمته ورشادة أجهزة الدولة المعاونة في أن توفر الأجواء المناسبة لنجاح الحوار.
الشكوك تخيّم على بعض قوى المعارضة التي ترى أن الحوار قد يتحول إلى عملية سياسية مطلوبة من جانب النظام المصري في حد ذاتها للإيحاء بأنه منفتح على المعارضة
ووصلت رسالة صباحي المبطنة إلى الأجهزة المعنية بالحوار، ما أدى إلى انفراجة في الخلاف حول الأسماء المطروحة لإدارة اللجان الرئيسية والفرعية مؤخرا، وتم بالفعل قبول أسماء تعارض الحكومة بشدة للمشاركة.
وتتبنى شخصيات مصرية معارضة نهجا براغماتيا في التعامل مع ملف الحوار يقوم على التفاعل معه والاعتماد على قاعدة “خذ وطالب” لأن العزوف لن يمكنها من تحقيق شيء ملموس، ومن المهم منح النظام الحاكم فرصة لإعادة التموضع السياسي وتخفيف مستوى التشكيك في نواياه.
ولتعزيز رؤيتهم يستند هؤلاء على أن الحوار فتح أفقا جديدا لإمكانية حدوث انفتاح في الفضاء العام وقلل من فرص الزج بأعداد جديدة من النشطاء، والأهم أنه فتح الباب لخروج عشرات من الشباب من السجون اتهموا في قضايا سياسية أو كانوا على ذمة الحبس الاحتياطي، وهو ما يمكن التوسع فيه الفترة المقبلة.
وتمثل هذه النقطة هدفا مهما في أجندة قوى معارضة، لأنها تمهد الطريق لتطوي صفحة قاتمة شهدت اعتقال العديد من النشطاء والسياسيين، وضاعفت من التوترات مع الحكومة، وعندما تبدي الأخيرة مرونة فيها فهذا يعني إشارة إلى وجود تغيرات في الآليات التي يستخدمها النظام المصري في التعاطي مع المعارضة.
ولا يزال ملف الإفراج عن المعتقلين يعد المحك الرئيسي لما يمكن أن يشهده الحوار الوطني من جدية بعد أن باتت العلاقة طردية بينهما، فكلما زادت أعداد المفرج عنهم في قضايا الرأي والتعبير والحريات، زادت الثقة في الحوار، وعلى ذلك يمكن أن تبدي المعارضة ليونة تمنحه دفعة معنوية الفترة المقبلة.
النظام المصري مضطر بإرادته أو بدونها للمحافظة على الحوار الوطني وعدم وضع العراقيل أمامه بعد انتهاء مؤتمر المناخ
ويقول مراقبون إن قطار الحوار انطلق في القاهرة وسينتقل إلى محافظات أخرى ومن الصعوبة وقوفه قبل أن يصل إلى غايته النهائية المتعلقة بالحصول على مخرجات تعيد صياغة المشهد السياسي العام في البلاد، لأن تعطيله أو وقوفه في منتصف الطريق يعني الدوران مرة أخرى في حلقة مفرغة تجرد الحكومة من الوثوق في جميع خطواتها السياسية والاقتصادية.
ويضيف المراقبون أن النظام المصري مضطر بإرادته أو بدونها للمحافظة على الحوار الوطني وعدم وضع العراقيل أمامه بعد انتهاء مؤتمر المناخ، لأن قوى المعارضة التي تتحسب من حدوث مفاجآت غير سارة بعده سوف تستغل النكوص لتأكيد هواجسها التي بثتها سابقا.
ولم يعد الواقع المصري وما يكتنفه من أزمات اقتصادية يتحمل خلافا سياسيا حادا بين المعارضة والحكومة، لأن كل طرف يعلم أن تضافر الأزمات مع الخلاف يمكن أن يحوي مردودات سلبية على الدولة برمتها، ويقود إلى انفجار شعبي لا أحد يستطيع توقع تبعاته وتحمل ما ينجم عنها من تداعيات قاتمة.
وتفرض هذه النتيجة على قوى المعارضة مساعدة النظام المصري في التوصل إلى قواسم مشتركة جيدة وعدم التمادي في وضع شروط قاسية تجعل جناحا فيه يصر على رفض تقديم تنازلات حقيقية، وهو ما يمكّن الجناح المقابل في المعارضة من التصميم على وقف المشاركة في الحوار الوطني فيحدث الانسداد التام.