إيمانويل ماكرون يستأنف حملة الإصلاح وخصومه يستعدون للمعركة

باريس - يبدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هذا الأسبوع حملة الإصلاح لولايته الثانية على رأس البلاد، عبر رفع سنّ التقاعد، في وقت يستعد فيه خصومه السياسيون للمعركة، وسيذوق ماكرون طعم الرفض الشعبي خلال أول إضراب في كافة أنحاء البلاد منذ إعادة انتخابه في أبريل الماضي.
وتعهّد ماكرون (44 عامًا) برفع سنّ التقاعد بعدما كان قد تراجع عن الخطّة التي أثارت انتقادات واسعة خلال السنوات الخمس الأولى له على رأس فرنسا.
وبعد أن خسر الأغلبية البرلمانية في يونيو الماضي، بات الرئيس الوسطي يواجه صعوبات كثيرة في إصدار التشريعات، في وقت يلقي فيه التضخّم المتزايد بثقله على الجوّ العام.
ورغم التحذيرات التي تلقّاها من حلفائه، كلّف ماكرون حكومته برفع سنّ التقاعد من 62 إلى 64 أو 65 عامًا، على أن يدخل التغيير حيز التنفيذ اعتبارًا من العام المقبل.
الرئيس الفرنسي كلّف حكومته برفع سنّ التقاعد من 62 إلى 64 أو 65 عامًا، على أن يدخل التغيير حيز التنفيذ اعتبارًا من العام المقبل
وقال الرئيس الفرنسي الخميس الماضي في مقابلة تلفزيونية، “لا أستبق ما ستفعله الحكومة والبرلمان، لكنني مقتنع بأنه ضرورة”.
ومع ازدياد العجز وبلوغ الدين العام مستويات تاريخية، يعتبر ماكرون أن رفع سن التقاعد وتأمين وظائف للمزيد من الأشخاص هما الطريقتان الوحيدتان اللتان يمكن للدولة عبرهما أن تزيد إيراداتها من دون زيادة الضرائب.
وسبق أن نظّم الاتحاد العام للعمل، مدعوما من أحزاب يسارية، تظاهرات في مختلف أنحاء فرنسا، في حراك يتوقع أن يستمرّ أشهرا عدة، للمطالبة برفع الرواتب، غير أنها باتت تعبّر عن معارضة واسعة لخطط الحكومة.
وقال رئيس الاتحاد العام للعمل فيليب مارتينيز الأسبوع الماضي في تصريح تلفزيوني،”نحن نعارض رفع سنّ التقاعد”، مضيفًا أن “الحجج التي تقدّمها الحكومة غير منطقية”.
ومن المرجح أن يكون موقف الرأي العام من إصلاح نظام التقاعد والإضرابات حاسمًا في تحديد ما إذا كان ماكرون سينجح في الإصلاح الذي ألغاه في العام 2020 بعد احتجاجات وبدء انتشار وباء كورونا.
وأشار استطلاع رأي نشره الأسبوع الماضي معهد “أودوكسا” المستقلّ للدراسات إلى أن 55 في المئة من المستطلعين لم يكونوا يريدون رفع سنّ التقاعد و67 في المئة قالوا إنهم مستعدّون لدعم التظاهرات المناهضة له.
غير أن استطلاعًا آخر نشرته مجموعة “أيلاب” أظهر مشهديّة مفصّلة أكثر، فوجد أن 21 في المئة فقط من المستطلعين يؤيّدون رفع سنّ التقاعد، لكن 56 في المئة من المستطلعين يرون أن النظام القائم حاليًا لم يعد نافعًا و60 في المئة يعتبرون أنه غير مستدام من الناحية المالية.
وقال وزير مقرّب من ماكرون فضّل عدم الكشف عن هويته الأسبوع الماضي، “لا أعرف أحدًا يريد العمل لفترة أطول، لكن لا أعرف أحدًا يعتقد أنه لن يعمل لفترة أطول”.
وأضاف لوكالة فرانس براس “ربّما أكون مخطئًا، لكنني لست متأكدًا من أن الإقبال على التظاهرات سيكون كبيرًا كما تأمل النقابات وحزب فرنسا المتمردة” اليساري الذي يدعم التظاهرات.
وسيكون العامل الحاسم الثاني هو كيفية طرح الحكومة الإصلاح على البرلمان حيث يقل عدد مقاعد أنصار ماكرون بنحو 40 مقعدًا عن الأغلبية.
ماكرون يعتبر أن رفع سن التقاعد وتأمين وظائف للمزيد من الأشخاص هما الطريقتان الوحيدتان اللتان يمكن للدولة عبرهما أن تزيد إيراداتها
ويفضّل البعض إدخاله في مشروع قانون موازنة الضمان الاجتماعي الذي سيتم التصويت عليه في أكتوبر، في خطوة ملتبسة سيعتبرها معارضون مخادعة.
ويعتبر آخرون أنه ينبغي تخصيص المزيد من الوقت للتشاور مع النقابات العمالية وأحزاب المعارضة، رغم رفضها جميعها أن تعمل مع الحكومة.
غير أن ماكرون يفضّل الخيار الأسرع، بحسب ما قال لوكالة فرانس برس مسؤول كبير فضّل عدم الكشف عن هويته.
ويتوقّع مراقبون أن تلجأ الحكومة إلى آلية دستورية مثيرة للجدل هي “المادة 49.3” التي تسمح للسلطة التنفيذية بإصدار التشريعات عبر الجمعية الوطنية دون حصول تصويت.
وإذا اتّحدت أحزاب المعارضة في مواجهة الإجراء أو طالبت بحجب الثقة عن الحكومة، فيمكنها إجراء انتخابات جديدة.
والإجراء الجديد “جريء لكن خطير”، بحسب ما قال حليف لماكرون لوسيلة إعلام فرنسية الأسبوع الماضي.
ويرى خبراء أن النجاح في إصلاح نظام التقاعد والتغييرات المنفصلة في نظام إعانات البطالة سيساعدان الرئيس في إعادة الترويج لنفسه كمصلح.
ومنذ فوزه التاريخي بولاية ثانية في أبريل، واجه ماكرون تطوّر الأزمة الأوكرانية وسط تقارير مفادها أن التراجع الذي مني به في الانتخابات التشريعية في يونيو جعله مرتبكًا وحتى محبطًا.