الإيطاليون يصوتون في انتخابات يتصدرها اليمين المتطرف

يصوّت الإيطاليون في انتخابات تشريعية لتحديد ملامح البرلمان الجديد، ومن المتوقع أن يتصدر اليمين المتطرف نتائجها من خلال وصول زعيمة “إخوان إيطاليا” إلى السلطة، في خطوة يمكن أن تشكل زلزالا سياسيا في إيطاليا بصفة خاصة وفي الاتحاد الأوروبي بصفة عامة.
روما - توجّه الناخبون في إيطاليا نحو صناديق الاقتراع الأحد، لاختيار من يمثّلهم في برلمان جديد، وسط توقّعات بسيطرة التحالف اليميني الذي تقوده جورجيا ميلوني على أغلب مقاعده، وتولي رئاسة حكومة لأول مرّة في تاريخ البلاد.
وفتحت مراكز الاقتراع أبوابها في الساعة الخامسة صباحا بتوقيت غرينتش، بينما كان الناخبون يقفون في صفوف الانتظار للإدلاء بأصواتهم. وتستمر عمليات التصويت حتى الساعة التاسعة مساء بتوقيت غرينتش، على أن تصدر فور انتهائها أولى استطلاعات الرأي التي ستعطي صورة أوليّة واضحة عن النتائج.
وقال رئيس حزب “الرابطة” المناهض للمهاجرين ماتيو سالفيني أثناء توجهه إلى التصويت “أشارك لأفوز، لا لمجرد المشاركة”، مؤكدا أن “حزبه سيكون على منصة الفائزين: الأول أو الثاني وفي أسوأ الحالات الثالث”.
وأضاف سالفيني، الذي شغل منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية في حكومة جوزيبي كونتي بين 2018 و2019، في تصريح للصحافيين “أرغب في العودة من الغد إلى حكومة هذا البلد الاستثنائي”.
كما صوت في الصباح رئيس الجمهورية سيرجيو ماتاريلا وزعيم “الحزب الديمقراطي” (يسار الوسط) إنريكو ليتا.

ماتيو سالفيني: لديّ رغبة في العودة من الغد إلى حكومة هذا البلد الاستثنائي
وتمّت الدعوة إلى هذه الانتخابات التشريعية المبكرة في يوليو عقب انهيار حكومة الوحدة الوطنية بقيادة رئيس الوزراء السابق ماريو دراغي، بعدما سحبت ثلاثة أحزاب في ائتلافه -وهي حزب “فورتسا إيطاليا” (يمين وسط) بزعامة سيلفيو برلوسكوني، و“الرابطة” (يمين متشدد) بزعامة ماتيو سالفيني، و”حركة خمس نجوم” الشعبوية المعادية للهجرة- دعمها له.
وفي ظل توقعات تمنح حزب “فراتيلي ديتاليا” (إخوان إيطاليا) من الفاشيين الجدد حوالي ربع نوايا الأصوات، بحسب استطلاعات الرأي الأخيرة، من المرجح أن تتولى زعيمته جورجيا ميلوني (45 عاما) رئاسة حكومة ائتلافية تكون الهيمنة فيها لليمين المتطرف على حساب اليمين التقليدي.
وستشكّل هذه الخطوة زلزالا حقيقيا في إيطاليا، إحدى الدول المؤسسة لأوروبا، فضلا عن الاتحاد الأوروبي الذي سيضطر إلى التعامل مع السياسيّة المقربة من رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان.
ويرى متابعون أن وصف الانتخابات الإيطالية التشريعية بأنها تاريخية لا يستند فقط إلى أن سيدة تقدم نفسها بخطاب قومي متشدد كمنقذة للبلد من مشاكل غياب الاستقرار السياسي، بل يعود أيضا إلى أن حزبها المرشح للفوز والتربع على قائمة أكبر الأحزاب البرلمانية لا يهدد فحسب بعودة شبح الفاشية من قبل قادته وكتلة وازنة من ناخبيه، بل يمثل كذلك سابقة تعبّد الطريق أمام الأحزاب الاحتجاجية المتطرفة على مستوى الاتحاد الأوروبي للوصول إلى السلطة، أو تعقّد مشهد معسكر الوسط في الحياة السياسية – الحزبية في دول الاتحاد.
وحذرت زعيمة الحزب خلال حملتها الانتخابية من أن “الكل قلق في أوروبا لرؤية ميلوني في الحكومة… انتهت الحفلة، وستبدأ إيطاليا بالدفاع عن مصالحها الوطنية”.
ونجحت ميلوني -المعجبة سابقا بموسوليني والتي ترفع شعار “الله، الوطن، العائلة”- في جعل حزبها مقبولا كقوة سياسية وطرح المسائل التي تحاكي استياء مواطنيها وإحباطهم ببقائها في صفوف المعارضة، في حين أيدت الأحزاب الأخرى حكومة الوحدة الوطنية بزعامة ماريو دراغي.
غير أن الأمور لم تُحسم بعد؛ إذ لفتت إميليانا دو بلازيو، أستاذة علم الاجتماع في جامعة لويس بروما، إلى أنه “لا يمكن التكهن بنتيجة الانتخابات التي تحددها المشاعر واللحظة الأخيرة”.
وأشارت، في حديثها لوكالة فرانس برس، إلى “دور الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم بعد وتقدر نسبتهم بحوالي 20 في المئة، وإلى أهمية نسبة المشاركة”.
وقد تنطوي الانتخابات على مفاجآت، لاسيما في جنوب البلاد، في ما يتعلق بنتائج “حركة خمس نجوم” المعارضة لمؤسسات الحكم والتي يُنسب إليها إقرار حدّ أدنى للرواتب بالنسبة إلى الذين هم أكثر فقرا، والحزب الديمقراطي (يساري) الذي يملك قاعدة قوية محليا.
وأيا تكن الحكومة التي ستنبثق عن الانتخابات لتتولى مهامها اعتبارا من نهاية أكتوبر، فهي ستواجه منذ الآن عقبات في طريقها، وستتحتم عليها معالجة الأزمة الناجمة عن الارتفاع الحاد في الأسعار، بينما تواجه إيطاليا ديْنا يمثل 150 في المئة من إجمالي ناتجها المحلي، وهي أعلى نسبة في منطقة اليورو بعد اليونان.

جورجيا ميلوني: الكل قلق في أوروبا لرؤية ميلوني في الحكومة… انتهت الحفلة، وستبدأ إيطاليا بالدفاع عن مصالحها الوطنية
وإيطاليا في حاجة ماسة إلى المساعدات التي يوزعها الاتحاد الأوروبي في إطار خطته للإنعاش الاقتصادي بعد جائحة كورونا العالمية، والتي يمثل هذا البلد أول المستفيدين منها وبفارق كبير عن الدول الأخرى.
وأوضح المؤرخ مارك لازار لفرانس برس “لا يمكن لإيطاليا أن تسمح لنفسها بالاستغناء عن هذه المبالغ المالية”، معتبرا “هامش التحرك أمام ميلوني محدودا جدا” على الصعيد الاقتصادي. في المقابل، بإمكانها الوقوف في صف وارسو وبودابست في معركتهما مع بروكسل “حول مسائل الدفاع عن المصلحة الوطنية في وجه المصالح الأوروبية”.
ومثلما فعلت قبلها زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبن تخلت جورجيا ميلوني في نهاية المطاف عن مشروعها القاضي بالخروج من اليورو، لكنها تطالب بـ”مراجعة قواعد ميثاق الاستقرار” المعلقة بسبب الأزمة الصحية، والتي تحدد سقف العجز في ميزانية الدول وديونها بـ3 في المئة و60 في المئة على التوالي من إجمالي ناتجها المحلي.
وفي المسائل الاجتماعية تعتمد ميلوني المتحدرة من روما مواقف محافظة ومتشددة، وقد أعلنت في يونيو “نعم للعائلة الطبيعية، لا للوبي مجتمع الميم! نعم للهويّة الجنسية، لا لأيديولوجيا النوع الاجتماعي”.
كما أن وصولها إلى السلطة سيؤدي إلى إغلاق حدود بلد يصل إلى سواحله سنويا عشرات الآلاف من المهاجرين، وهو ما يثير مخاوف المنظمات غير الحكومية التي تغيث مهاجرين غير نظاميين، يعبرون البحر في مراكب متداعية هربا من البؤس في أفريقيا.
ويتفق الخبراء منذ الآن على أن مثل هذا الائتلاف الحكومي الذي ستواجه فيه ميلوني تحديا حقيقيا في التعامل مع حليفين مربكين، سيلفيو برلوسكوني وماتيو سالفيني، لن يستمر طويلا في بلد معروف بافتقاره إلى الاستقرار الحكومي.