العراق يدشن مرحلة زيادة قدرات تكرير النفط

عزز العراق خطواته نحو تنمية قطاع التكرير بالاستثمار الأمثل للطاقة الإنتاجية المتاحة بعد سنوات من التلكؤ والارتباك في إدارة هذه الصناعة، الأمر الذي من شأنه تقليص نفقات استيراد المشتقات النفطية، والتي تثقل كاهل الموازنة السنوية بفعل تنامي الطلب وارتفاع الأسعار.
بغداد - أعطت الحكومة العراقية الأحد الضوء الأخضر لعمليات التشغيل التجريبي لمصفاة مدينة كربلاء الواقعة جنوب العاصمة بغداد والتي من المتوقع أن تسهم في تغطية جزء كبير من الطلب المحلي المتزايد على المواد البترولية.
وتعتبر المصفاة البالغة تكلفة إنشائها حوالي 6.5 مليار دولار، أول مشروع من نوعه يُنفذ في العراق بهذا المستوى منذ ثمانينات القرن الماضي، ويتميز بأن جميع وحداته صديقة للبيئة ووفق المواصفات الأوروبية.
وأعلن وزير النفط إحسان إسماعيل في بيان “البدء بعمليات ضخ النفط الخام لمصفاة كربلاء النفطية إيذانا بالمباشرة بالتشغيل التجريبي للوحدات الإنتاجية” لهذه المنشأة الواقعة في وسط البلاد.
وقال إن المصفاة البالغة طاقة إنتاجها اليومية 140 ألف برميل “ستسهم في الفترة القليلة المقبلة بتغطية جزء من الحاجة المحلية وتقليل الاستيراد” للمشتقات النفطية والوقود بنسبة 60 في المئة.
ومن المقرر عقب هذه المرحلة التشغيلية الأولى أن يبدأ الإنتاج في المصفاة مطلع 2023، كما كانت قد أعلنت الوزارة في وقت سابق.

إحسان عبدالجبار: المصفاة الجديدة ستقلص الاستيراد بنسبة 60 في المئة
ومع دخول المصفاة الجديدة إلى العمل رسميا فإن الطاقة التكريرية لكافة مصافي البلاد تصل إلى أكثر من مليون برميل يوميا.
وقال المدير العام لشركة مصافي الوسط عائد جابر عمران الذي قام بإدارة عجلة ضخ النفط الخام بأنها “خطوة مهمة للتعجيل بعمليات الإنتاج والتكرير للمصفى”.
ويعدّ العراق ثاني أكبر مصدّر للنفط في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، حيث يصدّر يوميا نحو 3.3 ملايين برميل وفق اتفاق تحالف أوبك+.
وتشكّل عائدات الطاقة (نفط وغاز) نسبة 90 في المئة من إيرادات البلاد التي تحتوي على احتياطات هائلة من النفط الخام.
لكن العراق يعاني من تهالك في بنيته التحتية بسبب عقود من الحرب والنزاعات وسوء الإدارة والفساد المزمن والبطء في عمليات إعادة الإعمار وتنفيذ إصلاحات ضرورية.
ولا يزال رغم ثروته النفطية الهائلة ينتظر تنفيذ العديد من المشاريع الكبرى في البنية التحتية وخاصة في صناعة التكرير الضعيفة، والتي تشكل إحدى المفارقات المثيرة للجدل في بلد يعد من كبار المنتجين على مستوى العالم.
وبحسب مسؤول في وزارة النفط، فضّل عدم الكشف عن هويته، فإن “مصفاة كربلاء ستنتج نحو عشرين نوعا من المنتجات النفطية، أبرزها البنزين عالي الأوكتان، وهذه المرة الأولى التي ينتج فيها في داخل العراق”.
وأضاف المسؤول لوكالة الصحافة الفرنسية إن “هذه أول مصفاة بهذه الطاقة الإنتاجية يتم بناؤها منذ الثمانينات”.
ويفترض أن تنتج مصفاة كربلاء 9 ملايين لتر من الوقود يوميا، أي “أكثر من نصف” 15 مليون لتر يوميا يستوردها العراق، كما قال إحسان موسى غانم معاون المدير العام لشركة توزيع المنتجات النفطية العراقية.
وينتج العراق الذي يملك ثلاث مصاف في الخدمة، نصف احتياجاته اليومية من الوقود التي تبلغ 30 مليون لترا، وفق موسى، فيما يستورد النصف الآخر.
وتشير البيانات إلى أن العراق لديه 14 مصفاة، منها اثنتان تحت الإنشاء في كل من الفاو والأنبار، إذ ما تم استثناء مصفاة كربلاء، ويبلغ مجموع الطاقة الإنتاجية للمصافي العاملة قرابة 1.3 مليون برميل يوميا.
ولدى البلد مصفاتين كبيرتين هما الدورة وبيجي وتصل طاقتها إلى 210 آلاف برميل يوميا، والبصرة وتصل طاقتها إلى 140 ألف برميل يوميا.
وتقول مصادر في القطاع إن إنتاجهما الفعلي يصل إلى ما بين 200 و250 ألف برميل يوميا.
وتشير تقديرات حكومية إلى أن العراق يستورد ما قيمته 5 مليارات دولار سنويا من مشتقات النفط لسد الحاجة المحلية التي تقدر بنحو 600 ألف برميل يوميا.
وكان عبدالجبار قد أشار في وقت سابق هذا العام إلى أن بلاده تخطط لوقف استيراد الوقود نهائيا اعتبارا من 2023، مع وصولها إلى الاكتفاء الذاتي.
وقال إن “المشاريع الجارية بشأن تكرير النفط محليا ستضيف إنتاج مليون لتر من البنزين يوميا، ليبلغ الإجمالي 4 ملايين لتر يوميا”.
وتطمح السلطات في بناء مصاف جديدة بعد أن تقلصت الطاقة التكريرية للبلاد بشدة جراء الأضرار التي لحقت بمصفاة بيجي الأكبر في البلاد خلال سيطرة تنظيم داعش عليها في منتصف عام 2014 قبل أن تعود إلى العمل في 2018.
1
مليون برميل يوميا حجم طاقة التكرير مع دخول مصفاة كربلاء العمل رسميا مطلع 2023
وسرعت الأزمة المالية في تحويل أنظار العراق نحو تحسين خبراته وشراكاته لتنمية نشاط التكرير وتحسين جودة المشتقات النفطية.
وأبرمت شركة مصافي الجنوب التابعة لوزارة النفط في ديسمبر الماضي اتفاقا مع شركة صينية لإنشاء مصفاة الفاو بطاقة 300 ألف برميل يوميا بتكلفة تصل إلى ثمانية مليارات دولار مع مجمع للبتروكيمياويات بقيمة 21 مليار دولار.
وفي سبتمبر 2021 أبرمت وزارة النفط اتفاقا أوليا مع شركتي سيب السويدية وليماك التركية لبناء مصفاة نفط بطاقة 70 ألف برميل يوميا بالقرب من مدينة الموصل في شمال البلاد.
ومن المتوقع أن تستخدم المصفاة النفط الخام الثقيل من حقل القيارة النفطي الشمالي لإنتاج الوقود.
وتأتي الصفقة بعد ثلاثة أشهر من توقيع شركة مصافي الجنوب الحكومية اتفاقا مع شركة الأوسط للخدمات المحدودة الإماراتية المتحالفة مع باور وسي.أن.أي.سي ونورينكو الصينية، لإنشاء مصفاة ذي قار لتكرير النفط بطاقة مئة ألف برميل يوميا.
وقال محافظ ذي قار أحمد غني الخفاجي في ذلك الوقت إن “شركة مصافي الجنوب تعمل على تهيئة المستلزمات الكاملة للبدء بمراحل المشروع، حيث ستتم تهيئة الأرض والحصة المائية، فضلا عن بعض القضايا اللوجستية اللازمة للتنفيذ”.
وسبق أن وقعت وزارة النفط في 2018 اتفاقا مع شركة رانية الدولية، ومقرها إقليم كردستان، لبناء مصفاة نفطية قرب مدينة كركوك في شمال البلاد بطاقة تبلغ نحو 70 ألف برميل يوميا.