"ذلك الغريب" رواية اجتماعية تنتصر للمرأة وغرباء الوطن

حفاوة نقدية مصرية بالروائية اللبنانية مريم هرموش تزامنا مع صدور ترجمة سويدية لروايتها.
الأحد 2022/09/25
الوقوف إلى جانب المرأة (لوحة للفنانة هيلدا حياري)

تنتصر الكثير من الروائيات العربيات لقضايا المرأة كل منهن من زاوية ومن رؤية معينة، وإن كانت الكثيرات منهن يتوجهن إلى واقع المرأة بطريقة مباشرة أو من خلال كليشيهات مكررة، فإن هناك كاتبات يثرن قضايا المرأة جنبا إلى جنب مع قضايا الإنسان العربي، فيضعنها في إطارها، ما يجعلها أكثر تماسكا وقدرة على إبلاغ الأفكار كما نجدها في رواية “ذلك الغريب” للكاتبة اللبنانية مريم هرموش.

القاهرة - احتفت مكتبة مصر العامة بالدقي برواية “ذلك الغريب” للكاتبة اللبنانية مريم هرموش في ندوة شارك فيها نخبة من النقاد والكتاب والمثقفين المصريين.

في قراءته للرواية أشار السفير رضا الطايفي عضو مجلس إدارة سلسلة مكتبات مصر العامة إلى أنه استمتع بالسياق العام للرواية وبأحداثها وشخصياتها، وسعد بالأسلوب الأدبي الرفيع الذي صيغت به، فخرجت مقطوعة أدبية بما حفلت به من أحداث ووقائع مثيرة نجحت الكاتبة في تجسيدها بتمكن وبراعة مدهشين عبر سرد مثير ومشوق وتوصيف دقيق غاص في أعماق شخصيات الرواية التي جمعت عددا من الثنائيات في بناء درامي متماسك مثل: أريج ومدحت، أريج والغريب، أريج ودولشي (كلبها الوفي)، نادر ونسرين، نادر وسيلفيا، نسرين وطارق، ليلي ووالدها وغيرهم.

مأساة حياة عبثية

رواية "ذلك الغريب" تأتي عبر نسق سردي ما بعد حداثي، ولغة بصرية، ومشهدية سينمائية، وبنية روائية مفعمة بالبوح

ذكر الطايفي أن الرواية تندرج ضمن الروايات الاجتماعية؛ إذ تلاقت وتباعدت فيها مشاعر إنسانية مركبة جمعت بين الحب والكراهية، الصداقة والعداء، الوفاء والخيانة، كرم المشاعر وبخلها، نكران الذات والأنانية، التسامح والانتقام، القوة والضعف، المثالية والواقعية، دفء الوطن وصقيع الغربة، الحرب والسلام.

وأضاف أن مريم هرموش تنتصر فيها لقصة حقيقية ليست من وحي الخيال. وأن الرواية جسدت ببراعة الأجواء الاجتماعية التي واكبتها، فكانت جائحة كورونا حاضرة وضاغطة على الأحداث ومؤثرة في أبطالها، كما كانت قضية الهجرة وتداعياتها المأساوية حاضرة بفعل الحروب وتداعيات العولمة وعولمة الفايروسات التي نثرت بذور الخوف في النفوس وفرضت العزلة الجبرية علي الجميع، وأصبح الكل يخاف من الكل وعلى الكل حيث توحد العالم حول الخوف.

واختتم الطايفي حديثه مؤكدا أن رواية “ذلك الغريب” بحق إضافة مهمة تثري المكتبة العربية وهي جديرة بالقراءة والتأمل.

ومن جهة أخرى أكد الناقد شريف الجيار أن رواية “ذلك الغريب” تأتي عبر نسق سردي ما بعد حداثي، ولغة بصرية، ومشهدية سينمائية، وبنية روائية مفعمة بالبوح وتعدد الرواة، لتطرح واقعا مأساويا للمرأة في ظل هيمنة ذكورية تعاني من العقد الأبوية منذ الطفولة، فتتجلى الزوجة الفنانة التشكيلية أريج في واقع سوسيو نفسي مأزوم، لا تخرج من سطوته إلا بالحب لذلك الغريب الفنان الذي رحل، وتعرج بنا الرواية إلى الهزة الإنسانية التي أصابت الكوكب في ظل جائحة كورونا، لاسيما في أوروبا، ذلك الفايروس الذي وحد البشر لحماية أنفسهم من شبح الموت، وتنقلنا الرواية عبر رواتها المتعددين من مصر إلى كندا ثم إيطاليا، لتجسد عالما مأزوما، وأنفسا متشظية، لا مخرج لها في هذه الحياة إلا بالحب.

وعن تجربته في القراءة لكاتبة “ذلك الغريب” قال الأكاديمي كمال مغيث “قرأت لهرموش من قبل رواية ‘أكبر من العشق‘ فوجدتها صاحبة لغة وأسلوب مميزين، وكتابة جميلة ومتفردة وخاصة، تتجاوز فيها بطلاتها همهن النسوي الذاتي والمحلي ويسعين عبر دروب مختلفة  للبحث عن الذات الإنسانية المفقودة، وبعدما قرأت ‘ذلك الغريب‘ وجدتني أمام لغة عذبة سيالة، رقيقة شجية، وبناء درامي خاص ومتميز يعتمد على تعدد الأصوات السردية، ما أفسح المجال للأبطال ليعبروا بأنفسهم عن مشاعرهم ويبرروا مواقفهم ويتحدثوا عما يختلج بدواخلهم”.

وتطرق مغيث إلى الحكاية التي تتناولها الرواية وتدور حول فتاة رومانسية حالمة، تمتلك أنوثة غامرة وحبا للحياة بلا حدود وأملا كبيرا في المستقبل، أريج التي شغفها مدحت حبا فتزوجته، لكي تكتشف بعد ذلك بجلاء كم هو أناني وانتهازي ومتسلق وفاسد ولا يمكنه أن يقدم  لأحد شيئا حتى لابنه وابنته اللذين يسعيان للبحث عن الحياة والحب بعيدا عنه وعن وطنهم نفسه.

 أما أريج فتنطوي على خيبة أملها وتسعى للبحث عن ذاتها في لوحاتها التي تمتلئ بنساء محلقات في الفراغ بلا رؤوس ولا ملامح، حتى تلتقى ‘ذلك الغريب‘ الدافئ المثقف الإنسان الذي يتمكن ببساطة وطبيعية ودون عناء ولا قصد من امتلاك روحها ورغم هذا لا تلتقيه إلا لماما ومع هذا فهو يباغتها بموته المفاجئ، وتدهشنا الرواية بذلك التساؤل الوجودي، هل يمكننا أن نعيش حياة كاملة هي العبث والكذب والخداع والاستلاب وغربة الروح، بينما يخبئ لنا القدر السعادة في ما يتبقى لنا من سنوات قليلة مع غريب لم نعرف له اسما؟

وأشار مغيث إلى ما احتوته الرواية من معاناة مؤلمة لتلك الرومانسية الحالمة بين العمر الذي ضاع في الوهم والأكاذيب وبين الأمل المتوهج الذي سرعان ما خبا وأنطفأ، إذ تترك البطلة البيت الذي وهبته عمرها وحياتها واهتمامها والزوج الذي لم يعد لديه إلا الشكوك والتوجس والعدوانية وفضائح جنسية بالغة الخسة، وتترك خلفها مذكرات تشرح معاناتها وتشير إلى الأمل الذي بعثه ذلك الغريب، وإن كانت مذكرات مقطوعة بعض صفحاتها التي شغلتنا هرموش بالتفكير في محتواها، وتذهب أريج لتهب لذكرى ذلك الغريب الذي مات؛ ما بقي لها من حياة، بينما تردد جدران بيتها اسمها الذي يغيب: أريج أريج أريج.

واستهلت الأكاديمية بسمة الصقار حديثها بوصف رواية “ذلك الغريب” بأنها لوحة فنية ترسمها هرموش وقالت “إن هذه اللوحة تحملنا مع ظلال وخطوط كلماتها الساحرة إلى عالم الحب في زمن الكورونا، نحلق بين ثنايا صفحاتها في محاولة إصلاح أجنحة جبران خليل جبران المتكسرة كي تهيم أرواحنا في سماء الحب العذري الطاهر الذي يسمو مترفعا عن كل دنس”.

وواصلت “في هذه الرواية الرائعة أعادتنا المبدعة هرموش في ثالث تجربة روائية لها إلى عالم الكتابة الرائقة والألفاظ والتراكيب التي تداعب الروح وتشغل الفكر، ولم تعوِّل هرموش على براعتها في نسج لغة خاصة بها ولكن تلك المهارة كانت بمثابة الإطار الذهبي الذي صاغت به تجربتها الإبداعية بحرفية، فكان الخط النفسي للرواية متسقا مع بواعث وخلفيات الشخصيات المحورية بشكل يدفع القارئ إلى مواصلة القراءة دون شعور بانفصال نفسي عند الانتقال من مكان إلى مكان ومن راو إلى آخر”.

وأردفت “تمكنت الكاتبة من التفاصيل الدقيقة لمعطيات كل شخصية فكانت مفردات ‘أريج‘ الفنانة التشكيلية في الرواية هي مفردات فنان تشكيلي حقيقي حين يصف تأثيرات الألوان والظلال على إظهار بواعث ومدلولات العمل الفني، كذلك عند وصف أماكن بعينها في بلدان عدة مثل كندا وإيطاليا ومصر، وذكر تفاصيل مناطق بعينها فتتحول الكلمات إلى صورة حية أمام القارئ”.

وأشادت الصقار ببراعة التعبير المتباين عن الخوف الذي اعترى العالم منذ جائحة كورونا وانعكاساته المختلفة على شخصيات الرواية باختلاف معطياتهم ودوافعهم والذي تُرجم إلى طاقة عطاء عند أحدهم، وإلى اكتئاب عند الأخرى وإلى فزع من الموت عند الأخير.

وأكدت الصقار أن هرموش قامت بطرح إشكالية الغربة بمختلف ظلالها وبمنتهى الألم دون عبارات وشعارات رنانة، إلى أن أوصلتنا إلى حقيقة أكثر ألما وهي أن غربة الروح أكثر وجعا من غربة المكان.

فلسفة الإبداع

مريم هرموش تنتصر لقصة حقيقية ليست من وحي الخيال وتجسدها في الرواية ببراعة الأجواء الاجتماعية التي واكبتها

قام الفنان التشكيلي والكاتب أحمد الجنايني برسم صورة غلاف رواية “ذلك الغريب” بعد أن خاض تجربة خاصة مع سطورها دفعته لقراءة الأعمال السابقة للكاتبة وهذا ما أكده قائلا “كان طبيعيا أن أعيد قراءة هرموش بعد أن أنهيت قراءتي لروايتها المدهشة ‘ذلك الغريب‘؛ فلم تكن تلك الرواية بمعزل عن أسئلة كانت تدفعني للاقتراب من عالمها ليس لكتابة رؤية نقدية حول ذلك الغريب فقد سبق أن قمت بذلك وأُضيفت رؤيتي النقدية إلى الطبعة الثانية للرواية ولكن الدافع الحقيقي ربما كان محاولة للاقتراب أكثر من هذا العالم الذي صدرته لنا هرموش عبر روايتيها ‘شيء مني‘ و‘ذلك الغريب‘ وقبلهما كنت أقرأ ‘أكبر من العشق‘”.

وتابع “كان السؤال ملحا ويمثل نافذة مهمة أطل منها على عالم ليس يشبه كثيرا ما قرأته سابقا من أدب الأظافر الطويلة التي خربشت صفحات وذاكرة ستينات القرن الماضي حين كتبت غادة السمان وليلى بعلبكي وغيرهما عن تلك الأنثى التي تصرخ في وجه العالم لتعلن عن أنوثتها المتمردة وعالمها الذي تحاول أن تقهر به الواقع المجتمعي الذي خرجت منه وثارت عليه؛ فها هي السمان تعلن في مجموعتها القصصية ‘عيناك قدري‘: ما أروع وما أسوأ أن تكون امرأة”.

وتساءل: كيف إذن كانت هرموش وهي التي لم تخرج من عباءة الأظافر الطويلة تكتب رواياتها؟ أو تنزف إبداعاتها؟ هل كانت تحمل صندوقا سحريا خبأته في ذاكرتها، مليئا بالمعلومات التي سوف تواجه بها أبطال روايتها فتهندس عبرها خطوط الدراما التي ستصعد بها مرتفعات الرواية؟ تماما كما فعلت في رواية “شيء مني” التي غامرت بصندوق معلومات خبأته في ذاكرتها لتمارس دور الطبيبة النفسية وتحتمي ببقعة روشاخ النمساوي وتنزع عن ذاكرة مريضها تلك الغلالات التي حجبت عنه ذاكرته وضيعتها، فاستحال المريض إلى محض رقم في دفتر المستشفى.

أم أنها غامرت وهي تحمل فقط مفتاح روايتها وظلت كساحرة ترتدي أقنعة تخبئها وتستتر وراءها لتتعرف بنفسها على تفاصيل أحداث وتصاعد دراما لم تكن قد سطَّرت بنودها وأحداثها وعناوينها مسبقا، فأصبحت الرواية عندها محض سرد تكتشف هي ماهيته أثناء الحمل، ومخاض ولادة الجنين الإبداعي.

وأكد الجنايني أن تلك المغامرة لا يقوى على الولوج فيها سوى مَن قبض على فلسفة الإبداع وأمسك بسرة الدراما التي تصنع نفسها وتتوالد عبر شهيق وزفير أنفاسها فتصبح مريم، على حد وصفه، وكأنها تقرأ نصا لم يكتب من قبل وتشاهد مسرحا برختيا.

الوطن والحنين

Thumbnail

من جهة أخرى تناول الروائي والناقد طارق منصور قضية الغربة في رواية “ذلك الغريب” مؤكدا أنها تبرز بجلاء في كل صفحات الرواية، وكأن الكاتبة تجرعت آلامها في يوم من الأيام، فجاءت مشاعر الغربة على يديها صادقة تماما، وأجادت الحبكة الدرامية بحيث يرى القارئ مظاهر هذه الغربة المتنوعة داخل إطار هذا العمل الرفيع.

 وأضاف قائلا “إن مظاهر الغربة في هذه الرواية تتمثل ما يمكن أن نسميه ‘غربة الوطن‘، فمدحت البطل الثاني في الرواية، زوج أريج، نجح بجدارة في أن يجعل كل أفراد أسرته غرباء داخل الوطن؛ حتى قرر كل فرد منهم الانصراف عنه والفرار بنفسه إلى أرض أخرى عسى أن تكون أكثر حنانا من أرض الوطن. لكن يكتشف أفراد تلك الأسرة أن الغربة كتبت عليهم جميعا، فنادر هاجر إلى إيطاليا هربا من جحيم أبيه مدحت، وتلبية لدعوة صديقته الإيطالية التي قرر الزواج منها، فهاجم الفايروس اللعين إيطاليا بشراسة، وكان عليه أن يكافح في أرض جديدة من أجل الحب والبقاء، ونجح في تحقيق هدفه، واكتملت سعادته حين شعر بقيمة وجوده كإنسان”.

وأردف “أما الابنة نسرين فقد هجرت الوطن وتركت المنزل، الذي كان من المفترض أن يحتويها حتى بعد زواجها، إلا أنها لجأت إلى الهجرة مع زوجها إلى كندا أيضا، على طريقة شقيقها نادر، عسى أن يجدا أرضا تحتويهما، وتؤمن لهما مستقبلهما. وتأتي أصعب اللحظات هنا حين تنجح الكاتبة في تصوير لحظات الألم والحيرة وتمزق العواطف حين تقترب الابنة من ساعة الولادة ولا تجد سندا لها إلا الله، وصوت الأم أريج المتمزق ألما عبر الهاتف”.

الرواية تندرج ضمن ما يسمى الروايات الاجتماعية إذ تلاقت وتباعدت فيها مشاعر إنسانية مركبة جمعت بين المتناقضات

وأكد منصور أن الاسم الذي أتت به الكاتبة، عن عمد، للطفلة التي أنجبتها نسرين “حنين”، يشي بما ترسَّخ بداخلهما، بل بداخل كل غريب، حنين كل منهما إلى الآخر، بل وحنين نسرين إلى الوطن، بعد أن تجرعت أولى آلام الغربة الحقيقية. وتدلل المؤلفة على هذا في متن كلامها حين تقول “الحنين، ذلك الشعور الغامض بأن روحك في مكان لا يستطيع أن يبلغه جسدك” (ص 28).

أما المذنب هنا، كما يقول منصور، فهو ذلك الأب الغريب عن أبنائه وزوجته أريج، الذي شتتهم جميعا في الأرض حتى يتفرغ لنزواته النسائية، التي كان يستمتع بها ليل نهار، ليتجرع مرارتها في نهاية الطريق. لم يكن مدحت سوى شخصية انتهازية، نجحت الكاتبة في أن تدفع القارئ وبسلاسة لكراهيتها منذ الوهلة الأولى، فما أتى به من أفعال لا يمكن أن يأتي بها إلاّ إنسان شاذ عن ناموس الكون، تفنن في تصوير ضحاياه من الفتيات الباحثات عن عمل يليق بهن، ثم مضاجعتهن تحت ضغط الحاجة والصور الفاضحة، ثم استمراء مضاجعتهن رغم أنوفهن؛ في وقت هجر فيه زوجته طوعا، مستمتعا بعالمه المعتم.

وفي نهاية حديثه أكد منصور أن  الفصل الأخير للرواية يشي بما للكاتبة من مهارة عازف أوركسترا، إذ اختتمت روايتها بنهاية طبيعية ملائمة للخط الدرامي، تم التمهيد لها عبر الفصول الأخيرة منها، حيث سيتجرع مدحت هنا من ذات الكأس، كأس الغربة داخل الوطن، حين خلا البيت عليه، وأصيب بذلك الفايروس، رغم إجراءاته الوقائية الشديدة، و”لم يجد إنسيا يؤانسه، فخرج إلى الشارع ليجد كلبا ضالا يبحث عمن يأويه، بعد أن لفظ الأهالي حيواناتهم الأليفة، خوفا من انتشار ذلك الفايروس اللعين، فأتى به إلى فيلَّته ليرافقه في تلك الغربة؛ ويتحدث إليه من حين إلى آخر، قائلا له ذات يوم: لم يبق لي غيرك”.

الكاتبة عمدت من خلال أحداث روايتها إلى الانتصار للمرأة عبر نماذج شخصياتها المألوفة لكثرة تكرارها في الواقع

وتحدثت الناقدة نشوة أحمد عما يحمله عنوان الرواية “ذلك الغريب” من مفارقة تتكشف عبر السرد، لندرك أن ذلك الغريب هو الأقرب، وهو الذي لم يكن ينبغي له أن يكون غريبا، وكأن وصفه بالغريب له دلالة تشي بالنقص، الذي لو لم يكن، لكانت حياة بطلة الرواية اكتملت واستقامت.

وواصلت قائلة إن “اللبنة الأساسية التي نهض عليها النص، هي قدرة الخوف على فضح هشاشة النفس الإنسانية، فخوف أريج على أبنائها كان سببا في استسلامها لحياة بائسة، وهذا الاستسلام، بحد قولها، شكل من أشكال الهشاشة، أما مدحت الذي اتسم بالعنف والصلف والتكبر، فقد حوله خوفه من الوباء والموت إلى شخصية هشة مهزومة ومذبذبة، وهكذا مضى الخوف في تعرية الشخوص وتجريدها من قوتها طوال الرحلة السردية”.

ورأت أن الكاتبة عمدت إلى الانتصار للمرأة عبر نماذج شخصياتها المألوفة لكثرة تكرارها في الواقع المعيش، فكم من أريج تدفع عمرها قربانا من أجل سلامة أبنائها، وكم من نسرين تتطوع لنصرة مظلوم لا تعرفه، وكم من رضا تعول أسرتها، وتمضي حياتها بظهر ينوء بأحمال ثقيلة.

 وأضافت “رغم ذلك لم تقع الكاتبة في فخ تأليه شخوصها، بل أظهرت من كل شخصية جانبيها المظلم والمضيء، حتى في شخصية مدحت وهو الأكثر ظلامية؛ إذ عمدت هرموش عبر تقنيات التذكر والاسترجاع إلى كشف العطب في طفولته، وكأنها تمرر فلسفة مفادها أن طفولة الإنسان وحدها تصنع كل لاحق في مراحل عمره التالية”.

11