التهديد الجنسي المسلط على الأطفال من الظواهر المسكوت عنها في تونس

دعوة إلى اعتماد الفضاء الرقمي واستغلاله لكشف مخاطر الظاهرة.
الجمعة 2022/09/23
التشريعات وحدها لا تكفي لحماية الأطفال

لم تستطع حزمة القوانين والتشريعات التونسية حماية الأطفال من العنف المسلط عليهم، وخصوصا التهديدات الجنسية التي كشفت تقارير وزارة المرأة والأسرة والطفولة تضاعفها على امتداد العشرية الأخيرة. وتكثّف السلطات التونسية محاولات تطويق الظاهرة عبر الحملات التحسيسية والتوعوية وعبر إنجاز برامج مشتركة تكون غايتها المزيد من توفير الحماية للأطفال.

تونس - شهدت العشرية الأخيرة تضاعف عدد الإشعارات الموجهة إلى مندوبي الطفولة بخصوص الأطفال المعرضين للتهديدات بالعنف أو التحرش الجنسي، وفق تقرير صادر عن وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن.

وقد قفز عدد الإشعارات الموجهة إلى مندوبي الطفولة خلال هذه العشرية من 8 آلاف إشعار إلى أكثر من 17 ألف إشعار في 2019.

ويأتي إقليم تونس الكبرى في صدارة المناطق الأكثر تسجيلا للإشعارات بحوالي الثلث، يليه إقليم الوسط الشرقي بـ20 في المئة من الإشعارات، أما المرتبة الثالثة فهي من نصيب إقليم الشمال الشرقي بنسبة 12 في المئة من مجموع الإشعارات.

كما سلط تقرير إحصائي آخر صادر عن نفس الوزارة الضوء على أهم عناصر التهديد ومختلف أساليب العنف التي مورست على الطفل التونسي من عمر الصفر إلى 17 سنة في مختلف الأوساط وجميع المحافظات. وتمثل هذه الشريحة 30 في المئة من مجموع السكان في تونس، أي ما يعادل 3.442 مليون طفل.

مشروع تربية الأطفال مبكرا على قواعد الوقاية من الاعتداءات الجنسية سيكون جاهزا في 31 مارس 2023

وكشف التقرير أن حالات الاستغلال الجنسي شهدت ارتفاعا خلال سنة 2014 مقارنة بسابقاتها؛ حيث تعهد مندوبو حماية الطفولة بـ289 وضعية وناهزت نسبة التحرش الجنسي بالأطفال 52 في المئة من مجموع 331 إشعارا في إطار الاستغلال الجنسي للطفل عام 2014، في حين بلغت نسبة ممارسة الجنس مع الطفل حدود 35 في المئة. وباستثناء بعض المحافظات فقد انتشرت هاتان الظاهرتان بشكل لافت للنظر على غرار محافظة تونس الكبرى ومحافظات إقليم الشمال الشرقي والساحل، خاصة أمام التفاعل الإيجابي للمجتمع من خلال إعلام وإشعار مندوبي حماية الطفولة بالحالات المعنية.

وخلال جلسة عمل مع فوزية جابر، رئيسة جمعية “صون” لحماية الأطفال والمراهقين من العنف والاعتداءات الجنسية، دعت وزيرة المرأة والأسرة والطفولة آمال الحاج موسى إلى الاعتماد على دعائم اتصالية سمعية وبصرية مبسطة واستغلال الفضاء الرقمي في حملة تحسيسية لإبراز مخاطر ظاهرة الاعتداءات الجنسية على الأطفال.

وتنزّلت هذه الجلسة في إطار متابعة تنفيذ بنود الاتفاقية المُبرمة بين الوزارة والجمعيّة، والمتعلقة أساسا بتعزيز الشراكة في مجال الوقاية من العنف الجنسي الذي يمكن أن يسلّط على الطفل والتوقّي من مخاطره بجميع أشكاله ومجالاته.

وأثنت الوزيرة على المشروع المشترك بين الطرفين حول تربية الأطفال في سنّ الطفولة المبكرة على قواعد الوقاية من الاعتداءات الجنسية، لاسيما أمام تنامي عدد الإشعارات ذات العلاقة، مشيرة إلى أن مندوبي حمايـة الطفولة تعهدوا في سنة 2020 بـ1030 حالة اعتداء جنسي على الطّفل فيما تضمّن تقرير الهيئة الوطنيّـة للاتّجار بالأشخـاص لسنة 2020 قرابة 290 حالة اتجار بالأطفال.

وأكدت أنّ التهديد الجنسي الذي يطال الأطفال يعتبر من الظواهر المسكوت عنها ممّا يستوجب انتهاج مقاربة علميّة تعتمد على المؤشرات والإحصائيّات، داعية إلى إعداد دليل إجرائي لفائدة المتدخّلين يضبط كيفيّة التعامل مع وضعيّات التهديد، بالإضافة إلى برمجة لقاءات دوريّة مفتوحة في مركّبات الطفولة بالمربين والأطفال للتحسيس والتوعية، مع الحرص على تمرير رسائل إيجابية واقتراح آليات عملية لتجاوز وضعية التهديد.

وقدمت رئيسة جمعية “صون” لحماية الأطفال والمراهقين من العنف والاعتداءات الجنسية لمحة عن مشروع تربية الأطفال في سن الطفولة المبكرة على قواعد الوقاية من الاعتداءات الجنسية، ويمتد إنجازه من 16 يونيو 2022 إلى 31 مارس 2023، وهو ممول من القنصلية العامة لإمارة موناكو بتونس، مشيرة إلى أن المشروع يقوم على منهجية تشاركية وتطبيقية من خلال تشريك الأطفال والمربين والمشرفين عليهم في إعداد الدعائم واستعمالها بهدف ملاءمتها للواقع ولاحتياجات الأطفال.

وأفادت بأن هذا البرنامج سينجز على مرحلتين: مرحلة أولى نموذجية تتعلق بملاءمة الأدوات وتجربتها والتدريب عليها في إطار مجموعة مصغرة، ومرحلة ثانية للتعميم تتمثل في تكوين مكونين جهويين وتمكينهم من الأدوات ليؤمّنوا بدورهم دورات تكوينية للمدربين.

وعزا خبراء تنامي الإشعارات بالانتهاكات التي تطال الطفل إلى تراجع الحواجز النفسية والاجتماعية لدى المواطن التونسي وتعامله مع الاعتداء الجنسي بوعي مقارنة بالسنوات السابقة، وهو ما شجعه على الإفصاح بذلك لدى السّلط المعنية، كما أنّ اهتمام الإعلام المفرط ببعض الحالات المتضررة خلال السنوات الماضية والتشهير بأصحابها شجّع الأولياء على كسر حواجز الصمت في هذا المجال وجعل هذه الانتهاكات من المواضيع المألوفة بعدما ظلت على مدى عدة سنوات من المواضيع المسكوت عنها.

وقال الباحث الاجتماعي حسن موري إن “تضاعف عدد البلاغات المتعلّقة بتهديد الأطفال لا يعني بالضرورة زيادة نسبة التهديدات، بل قد يكون مؤشراً على زيادة الوعي بين المواطنين حول أهمية الإبلاغ عن الجرائم والتهديدات وزيادة الثقة في مؤسسات الدولة ومصالحها لمتابعة ورعاية الأطفال المهددين”.

ويضيف أن “هذا العدد المرتفع من الإشعارات لا يعني حماية جميع الأطفال المعنفين أو المهددين، كما لا يقلص من زيادة المخاطر والتهديدات التي تتربص بأطفال تونس لاعتبارات عدة، من بينها تغير أشكال الجرائم وزيادة نسبة الحرية والحد من الرقابة على البرامج التلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي، والتي يمكن أن تتضمن حضّا على العنف”.

وفي يونيو 2021 أعلنت وزارة المرأة والأسرة وكبار السن عن الإطلاق الرسمي للبوابة الإلكترونية الخاصة بتلقي الإشعارات والتبليغ عن المواقع التي تتضمن فيديوهات وصورا عن الاستغلال الجنسي المسلّط على الأطفال عبر الإنترنت ودخولها حيّز النفاذ.

وأفادت إيمان الزهواني هويمل، وزيرة المرأة السابقة، بأنّ تونس انخرطت بصفة فعلية في المشروع الدولي المتعلّق بإطلاق بوابات للإشعارات الخاصة بالفيديوهات والصور حول الاستغلال الجنسي للأطفال على الإنترنت، وستقدّم هذه البوابة خدمات لتحسيس وحماية الأطفال من الاستغلال الجنسي الذي يمارس في الفضاء السيبراني.

تربية الأطفال

كما بيّنت انخراط مندوبي حماية الطفولة في تلقّي مختلف الإشعارات ومتابعة الأطفال ضحايا العنف الجنسي والتعهّد النفسي بهم، معتبرة أنّ البوابة ستعمل على حذف مختلف الفيديوهات والصور ومعاقبة الجناة.

وذكّرت هويمل بأنّ الوزارة أطلقت في بداية 2021 بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) حملة تحسيسية واسعة النطاق لحماية الأطفال من العنف المتأتي من الإنترنت، استهدفت الأطفال والمراهقين والأسر قصد توعية الرأي العام بأشكال العنف المسلّط على الأطفال في الفضاء السيبراني وللتعريف بآليات الإشعار الموضوعة على ذمتهم.

وأكّدت بالمناسبة سعي الوزارة خلال الفترة المقبلة إلى وضع قانون ينصّ على تجريم الجرائم الإلكترونية، لاسيما الاعتداء الجنسي على الأطفال، وذلك لوضع حدّ للجرائم الإلكترونية التي ما فتئت تتصاعد بشكل ملحوظ.

وأضافت الوزيرة السابقة أنّ “بلادنا عملت على تكريس حماية حقوق الطفل من خلال الانضمام إلى المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي كانت آخرها انضمام تونس سنة 2019 إلى اتفاقية مجلس أوروبا المتعلّقة بمقاومة التحرش والاستغلال الجنسي ‘لازروتي’ لتكون بذلك أول دولة من خارج الاتحاد الأوروبي تنضم إلى الاتفاقية”.

17