الحالة السياسية في الكويت

النشاط السياسي في الكويت شبيه جدا بالنشاط السياسي في أغلب الدول العربية والذي ينتمي إلى أيديولوجيات مغلقة تعاطت مع الشأن السياسي بوصفه مشروعا حزبيا لتحقيق المصالح الضيقة.
الجمعة 2022/09/23
غياب الرؤية الفكرية والسياسية

ينشغل الشعب الكويتي هذه الأيام بمتابعة الانتخابات البرلمانية التاسعة عشرة، وكل الأنظار متجهة إلى بورصة أسماء المرشحين الأكثر حظا للفوز بمقاعد مجلس الأمة القادم.

خلال هذه الأيام الحاسمة يكتفي المرشح بطرح العناوين الرئيسية والشعارات الانتخابية التي تدغدغ مشاعر وحاجات الناخبين، وأي نقاشات حول تفاصيل برنامجه الانتخابي تكون مؤجلة بعذر انشغال ذهن المرشح بالحملة الانتخابية القائمة.

بعد انقضاء السباق الانتخابي يتراجع الحديث عن البرامج السياسية للنواب، وتصب جهود غالبية النواب في الجدل حول قضايا جانبية وصراعات بينية، بعضها يقترب من النزاعات الشخصية، والانشغال بالمماحكات والخلافات اليومية.

◙ العمل السياسي تحول من ممارسة فن الممكن وتقديم التنازلات من أجل المصلحة العامة إلى الاستعداد للنزال والصراع في سبيل تحقيق الهدف

ويستمر هذا الانشغال والجدل إلى حين حل البرلمان أو انتهاء مدته أو إبطاله بالمحكمة الدستورية، بأقل حصيلة من الإنجازات والتقدم في الأداء السياسي، وبأكبر قدر من تضييع فرص التطور والنهوض الوطني، والضحية الكبرى دائما هي تأجيل بناء الرؤية الفكرية والسياسية لحاضر ومستقبل الوطن.

من أبرز تبعات تأجيل بناء الرؤية أن من يطلق عليهم النخبة السياسية يتشابهون في منطق فهم وإدارة الشأن العام مع الجماهير، فكلاهما ينطلق من ردود الأفعال والظروف التي صنعت الحدث لا من المنظورات الفكرية والسياسية.

بمعنى آخر، كان الإصرار أو التراخي في بناء الرؤية الفكرية والسياسية سببا في تساوي الوزير مع بقية الموظفين، والنائب مع بقية الناخبين في فهم مفردات العمل العام، فلو افترضنا أن المقاعد القيادية تبدلت، فإن ذات القرارات سوف يتم اتخاذها بفارق النزعة الدينية أو العلمانية فقط للشخص، أما الرؤية السياسية فهي غير حاضرة لا في عقل الرئيس ولا في عقل المرؤوس.

أدى ذلك الغياب إلى تحول العمل السياسي من صفته كمصلحة عامة إلى ميدان للانتهازية، فعندما تتراجع الأفكار، وتغيب مقاييس جودة الأداء، يتقدم أولئك الذين يمتلكون القدرة على تحقيق المكاسب الخاصة (للأفراد أو الجماعات) على حساب مصالح المواطنين.

ومن بين تبعات غياب الرؤية الفكرية والسياسية انشغال جميع الأطراف في كشف العيوب والمثالب، دون النظر في صواب الأفكار والمبادرات من عدمها. ولذا فإن المصلحة العامة لا تحكم المواقف السياسية عادة وإنما الحرص على عدم إعطاء الخصم نقاطا قد تُحسب لصالحه هو الأهم.

أدى ذلك إلى بقاء الأفكار في مراحلها الجنينية، ليتم وأدها لا بسبب فشلها وإنما لأنها أُنتجت من قبل جماعة أو جهة منافسة، لتبقى الأفكار دائما حبيسة الصراع والعناد بين أطراف النزاع، وتتعثر المبادرات مهما كانت مهمة وضرورية.

◙ بعد انقضاء السباق الانتخابي يتراجع الحديث عن البرامج السياسية للنواب، وتصب جهود غالبية النواب في الجدل حول قضايا جانبية وصراعات بينية

وهذا ما حدث في ملفات حساسة من قبيل “ملف العفو”، وهو من الملفات الشائكة التي حملتها المعارضة حيث طالبت بالإفراج عن سجناء الرأي والسماح بعودة المهجرين، وعلى الرغم من أنها مطالب حقوقية صرفة إلا أنها وقعت فريسة الانتماء المذهبي، والتشدد الديني.

لم يتردد التيار الديني في إبداء اعتراضه على شمول العفو الأميري للمتهمين لما عرف بخلية العبدلي، أو السماح بعودة المهجرين من المتهمين بإيوائهم، وطالبوا باقتصار العفو الأميري على عناصر محددة من الإسلاميين أو المعارضين والذين عرفوا بمهجّري تركيا.

كاد هذا النزاع أن يتسبب في إفشال فكرة المصالحة الوطنية، وإغلاق ملف العفو، لولا أن المرحلة السياسية الجديدة تقتضي طي صفحة الماضي بالكامل، والبدء من جديد في استعادة الهدوء والمضي قدما في مشروع التنمية المأمول.

يعود ذلك باعتقادي إلى ضبابية الرؤية الفكرية والسياسية عند الجماعات الناشطة في الشأن المحلي، إذ تعكس هذه المواقف المتشددة فهما ضيقا لمعنى العمل السياسي في دولة تعددية، وتكشف أن النشاط السياسي في الكويت شبيه جدا بالنشاط السياسي في أغلب الدول العربية والذي ينتمي إلى أيديولوجيات مغلقة، تعاطت مع الشأن السياسي بوصفه مشروعا حزبيا لتحقيق المصالح الضيقة، وتحول العمل السياسي من ممارسة فن الممكن وتقديم التنازلات من أجل المصلحة العامة إلى الاستعداد للنزال والصراع في سبيل تحقيق الهدف، حتى لو أدى ذلك إلى خسارة الجميع وغرق السفينة.

9