هل يكتب الميثاق الإعلامي الفرنسي نهاية "العمى الإعلامي" حول البيئة

وسائل الإعلام ذات الجمهور الأكبر يجب عليها أن تتعامل مع القضايا البيئية بما يتناسب مع الوضع البيئي الخطير.
الجمعة 2022/09/16
هل يجب مقارنة التدهور البيئي بالجنون النازي

باريس - وقع أكثر من 500 صحافي فرنسي من مختلف وسائل الإعلام، بشكل فردي على ميثاق “الصحافة في ذروة الطوارئ البيئية”، الذي يدعو للتغيير من طريقة عمل المهنة الصحافية.

وتم الإعلان عن الميثاق يوم الأربعاء الماضي خلال أمسية عامة في باريس بعد صيف تميز بالكوارث المناخية، حيث يسرد الميثاق حوالي عشرة بنود التزم بها حوالي ثلاثين من طواقم التحرير، بما في ذلك صحيفة “20 دقيقة” و“إذاعة فرنسا الدولية” و“فرانس 24”، بالإضافة إلى وسائل إعلام مستقلة على الإنترنت كـ“ميديا بارت”  و“فارت” وهي منصة تم إنشاؤها بالاشتراك مع “فرانس تيليفيزيون”، بالإضافة إلى المدارس والجمعيات التي تمثل المجتمع.

ويقول مراقبون إن الخبر السار هو أن الميثاق يتمتع بحماسة مذهلة في أوساط المهنة الصحافية.

من جانبها، أعلنت إذاعة فرنسا “نقطة تحول بيئية”، بينما أعلنت “فرانس تيليفيزيون”، وهي مجموعة قنوات عمومية فرنسية تنتمي بنسبة 100 بالمئة إلى الدولة الفرنسية، عن إنشاء خلية مخصصة للمناخ والتنوع البيولوجي في هيئة تحريرها.

وتم تشجيع الصحافيين، وفق بنود الميثاق، على ألا تكون البيئة “محصورة بعد الآن في عنوان بسيط”، بل “أن تصبح ‘موشورا’ يمكن من خلاله النظر في كل الموضوعات”.

ويقول خبراء إن وسائل الإعلام ذات الجمهور الأكبر يجب عليها أن تتعامل مع القضايا البيئية بما يتناسب مع الوضع البيئي الخطير.

بينما تدق وسائل الإعلام المستقلة ناقوس الخطر، وتوفر معلومات عن المعرفة العلمية، فإن وسائل الإعلام الرئيسية لا تزال غافلة عن المشكلة

وفي كتاب نُشر عام 2018، يروي الصحافي الفرنسي دانيال شنايدرمان كيف أن وسائل الإعلام الفرنسية والإنجليزية والأميركية، مع استثناءات نادرة، لم تدرك أو لم ترغب في رؤية العنف الأيديولوجي للزعيم النازي أدولف هتلر، خلال الثلاثينات من القرن الماضي، خلال وصوله إلى السلطة. وساهم هذا العمى الجماعي إلى حد كبير في التسلسل الرهيب الذي أدى إلى كوارث الحرب العالمية الثانية.

ويسأل شنايدرمان في نهاية كتابه “ما الذي يحدث اليوم ولا تراه وسائل الإعلام بشكل سيء؟ الكارثة البيئية المستمرة هي واحدة من هذه النقاط العمياء المحتملة”.

ولأن مدى التدهور البيئي الجاري، سواء كان الأمر يتعلق بالاحترار العالمي أو التدمير المهلوس للتنوع البيولوجي والتلوث المتزايد لجميع النظم البيئية، له مقياس تاريخي يمكن مقارنته بالكوارث الهائلة التي تسبب بها الجنون النازي، يعمل العلماء الآن على تطوير أجندة أبحاث الكوارث، كتب أحدهم في أغسطس في المجلة العلمية للأكاديمية الأميركية للعلوم “هناك العديد من الأسباب للاعتقاد بأن تغير المناخ يمكن أن يؤدي إلى كارثة عالمية”. أحد أسباب هذا القلق هو أننا يمكن أن نصل إلى عتبات، أو نقاط تحول، بحيث  تحدث تأثيرات لا رجعة فيها، وترتبط ببعضها البعض، وتتضخم دون قيود.

لا شيء من هذا جديد حقا، إنها مسألة تأكيد وتتويج الفرضيات التي تم وضعها منذ الثمانينات: العالم في حالة خطر كبير!

ولكن بينما كانت التحذيرات تنهمر منذ عقود، وبينما تظهر جميع أجزاء المحيط الحيوي، قبل كل شيء، تدهورا سريعا وواضحا بشكل متزايد، تواصل وسائل الإعلام التعامل مع المسألة البيئية باعتبارها ظاهرة ثانوية. وتتصدر أحيانا عناوين الأخبار في حالة ارتفاع درجات الحرارة أو الفيضانات المدمرة، ولكن دون أن ينتج عنها علاج يتناسب مع الكوارث المحتملة التي يمكن توقعها إذا لم يتغير شيء. ومع ذلك، فإن وسائل الإعلام لها دور أساسي في التأثير على المجتمع وتوجيهه في اتجاه أو آخر.

وبينما تدق وسائل الإعلام المستقلة ناقوس الخطر، وتوفر معلومات عن المعرفة العلمية، وتروي النضالات ضد تدمير العالم وتقدم تقارير عن المبادرات التي تستكشف البدائل، فإن وسائل الإعلام الرئيسية لا تزال غافلة عن المشكلة، أو على الأقل “جبانة”.

ويعتبر مراقبون أن الأشياء تتغير في فرنسا، وقد بدأ كل شيء بمبادرة المواطنين، عندما اجتمع الناس معا في مجموعة تسمى “مناخ الإعلام” Climat media، لمضايقة وسائل الإعلام السائدة بشأن معالجتها غير المكتملة للقضايا البيئية الرئيسية. أصيبت بعض وسائل الإعلام بالفضيحة بشكل خاص عندما احتل نقل لاعب كرة قدم إلى باريس سان جيرمان في أغسطس 2021، مساحة أكبر بكثير في الأخبار التلفزيونية من نشر تقرير جديد للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ!

وبعدها التقط الصحافيون مبادرة “مناخ الإعلام”، من المواطنين، وتم تشكيل مجموعة بهدف تطوير ميثاق للصحافة حول البيئة الذي تدور فكرته حول إعطاء الصحافيين سلسلة من المبادئ، مستمدة من الخبرة المهنية، لمعالجة المعلومات بشكل أفضل حول موضوع البيئة.

16