تعيين باتيلي مبعوثا أمميا يعيد للاتحاد الأفريقي دوره في ليبيا

داكار - أعاد وجود مبعوث أممي ينتمي إلى دولة أفريقية حماس الاتحاد الأفريقي للعب دور فعال في الملف الليبي بعد أن ظل الاتحاد بعيدا عن الأزمة المستمرة في إحدى الدول الأعضاء لأكثر من عشر سنوات.
وبدت أول خطوة أفريقية في اتجاه الملف الليبي من خلال لقاء الرئيس السنغالي ماكي سال بصفته رئيس الاتحاد الأفريقي برئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة في القصر الرئاسي بالعاصمة داكار.
وقال سال، الاثنين، إن الاتحاد الأفريقي سيكون داعما أساسيا لتحقيق رغبة الشعب الليبي في إنهاء المراحل الانتقالية والذهاب إلى الانتخابات، معربا “عن سعادته بعودة الأمانة التنفيذية لتجمع دول الساحل والصحراء إلى طرابلس”.
وأضاف سال أن “الاتحاد الأفريقي سيكون داعما أساسيا لتحقيق رغبة الشعب الليبي في إنهاء المراحل الانتقالية والذهاب إلى الانتخابات”.
استقبال الاتحاد الأفريقي لعبدالحميد الدبيبة كأول شخصية لا يعني أنه منحاز له أو أنه يدعم مقاربته لحل الأزمة
ومن جانبه، أكد الدبيبة “تواصله مع كافة الأطراف الدولية لحثهم على دعم ملف الانتخابات التي لن تكون مكتملة دون لقاء رئيس الاتحاد الأفريقي وتنسيق المواقف معه”.
وتأتي زيارة الدبيبة إلى داكار بعد أيام من تعيين السنغالي عبدالله باتيلي مبعوثا أمميا جديدا إلى ليبيا.
ويرى مراقبون أن الاتحاد الأفريقي يريد أن يلعب دورا مساعدا لباتيلي من خلال لقاء فرقاء الأزمة الليبية وحثهم على القبول بحل سياسي يهدف بالدرجة الأولى إلى إجراء الانتخابات بقطع النظر عن الحكومة التي ستتولى الإشراف عليها، هل حكومة من الحكومتين الحاليتين أم حكومة ثالثة جديدة.
ويشير المراقبون إلى أن استقبال الاتحاد الأفريقي للدبيبة كأول شخصية لا يعني أنه منحاز له أو أنه يدعم مقاربته لحل الأزمة، وأن اللقاء لا يعدو أن يكون جزءا من خطة تحرك أفريقية واسعة ستضم ولا شك مختلف الأطراف.
ولا يستبعد هؤلاء أن يسعى الدبيبة لتوظيف هذا اللقاء لإظهار نفسه وكأنه الشخصية المحورية التي تدور حولها التحركات الدولية خاصة بعد تحوله إلى تركيا ثم لقطر ثم السنغال، فضلا عن لقاءاته في طرابلس، لافتين إلى أن الدبيبة يشعر بخوف خاص من انقلاب الأمور في غير صالحه مع تولي باتيلي.
وفي الخامس عشر أغسطس الماضي، أعلن مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة رفض حكومة الوحدة تعيين باتيلي، وقال إنه “يجب التشاور معنا بشأن ترشيح الممثل الأممي للتأكد من نجاح عمله كوسيط”.
ولم تخف حكومة الوحدة الوطنية تفضيلها تعيين وزير الخارجية الجزائري السابق صبري بوقادوم الذي اعترض عليه عقيلة صالح رئيس مجلس النواب في طبرق.
ويحظى باتيلي بدعم كبير من فرنسا ومن خليفة حفتر، وكذلك من الاتحاد الأفريقي الذي تترأسه السنغال حاليا.
وما يثير قلق الدبيبة هو أن يلعب باتيلي، بضغط فرنسي، دورا في ترجيح فكرة تشكيل حكومة ثالثة، بتسهيل اتفاق بين مجلسي النواب والدولة يُنهي ولاية حكومة الوحدة.
غير أن ترحيب الدبيبة بتعيين باتيلي مبعوثا أمميا بعد نحو أسبوعين من الاعتراض يعكس فرضيتين؛ إما أنه لم يكن له خيار سوى القبول به، أو أنه جرى تقديم تطمينات له بشأن دور المبعوث الأممي الجديد.
وحكومة الوحدة حتى وإن كانت موافقتها على المبعوث الجديد غير ملزمة لمجلس الأمن، إلا أنها ضرورية لنجاح مهمته في الوصول إلى انتخابات شفافة يقبل بنتائجها الجميع.
ورغم استبعاد المندوب الفرنسي لدى الأمم المتحدة نيكولاس دي ريفيير لإمكانية أن تشكل معارضة حكومة الوحدة لباتيلي “مشكلة” في محاولة لإنهاء الأزمة السياسية في ليبيا، فباتيلي أصبح أمرا واقعا، لذلك سارع الدبيبة ومعه المجلس الرئاسي للترحيب بدعوته، وكذلك فعل فتحي باشاغا.
والملاحظ في بيانات الترحيب أن جميعها حددت لباتيلي كمهمة رئيسية “إجراء الانتخابات”، ولكنّ كلا منها وضع شروطا ضمنية.
الدبيبة مثلا ربط إجراء الانتخابات “بإصدار قاعدة دستورية توافقية”، وهو بذلك يرمي المسؤولية في ملعب مجلسي النواب والدولة.
وباشاغا ربط “إجراء الانتخابات” بضرورة “ترسيخ مبدأ التداول السلمي على السلطة”، ملمحا إلى رفض رئيس حكومة الوحدة تسليم السلطة “إلا لحكومة منتخبة”.
بينما شدد المبعوث الأميركي إلى ليبيا السفير ريتشارد نورلاند على وجود “حاجة ملحة للأطراف الليبية إلى العمل مع المبعوث الأممي الجديد لوضع خارطة طريق واضحة المعالم لإجراء انتخابات مبكرة”.
وتشهد ليبيا أزمة سياسية تتمثل في صراع بين حكومتين الأولى يرأسها فتحي باشاغا التي كلّفها البرلمان، والثانية حكومة الوحدة الوطنية التي انتهت ولايتها ويقودها الدبيبة الذي يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة تكلف من قبل برلمان جديد منتخب.
ولحل تلك الأزمة أطلقت الأمم المتحدة مبادرة تقضي بتشكيل لجنة مشتركة من مجلسي النواب والدولة الليبيين للتوافق على قاعدة دستورية تقود البلاد إلى انتخابات.
ولم تفلح اللجنة في التوصل إلى تلك القاعدة بسبب خلاف أعضائها حول بعض البنود، أهمها شروط الترشح للانتخابات الرئاسية، وسط دفع دولي لقادة البلاد من أجل تجاوز الخلافات والمضي قدما نحو الحل.