نقاط ضعف الجيش الروسي تُرجح سيناريو حرب استنزاف بأوكرانيا

كييف تستعيد 500 كيلومتر مربع من الأراضي في الجنوب.
الثلاثاء 2022/09/13
هجوم أوكراني مضاد يختبر ثبات الجيش الروسي

ساهمت إمدادات الأسلحة الغربية لكييف في صمود القوات الأوكرانية في وجه الغزو الروسي المتعثر منذ الرابع والعشرين من فبراير الماضي، إلا أن الدعم اللوجستي الغربي لأوكرانيا يرجح سيناريو حرب استنزاف طويلة الأمد.

كييف - قالت متحدثة باسم القيادة العسكرية في جنوب أوكرانيا الاثنين إن القوات الأوكرانية استعادت حوالي 500 كيلومتر مربع من الأراضي في جنوب البلاد في الأسبوعين الماضيين في إطار هجوم مضاد ضد القوات الروسية.

وقالت المتحدثة ناتاليا هومينيوك في إفادة صحافية عبر رابط فيديو “تقدمنا في قطاعات مختلفة بين أربعة وعشرات الكيلومترات. لقد حررنا مناطق تبلغ مساحتها الإجمالية حوالي 500 كيلومتر مربع”.

ووضعت المكاسب الأوكرانية السريعة في منطقة خاركيف قوات موسكو في مواجهة أخطر هزيمة لها منذ طردها من ضواحي العاصمة كييف في أبريل. وقد حرم هذا التقدم روسيا من مراكز لوجستية حيوية كانت تستخدمها لتوصيل الإمدادات إلى قواتها في شرق أوكرانيا.

ديمتري بيسكوف: العملية العسكرية مستمرة حتى تحقيق الأهداف المحددة

وبعد أشهر من الغزو الروسي لأوكرانيا، وعلى الرغم من مضاعفة الغرب لدعمه العسكري والاستخباراتي لكييف، إلا أن دعاية الكرملين لا تزال تروج بثقة لنصر روسي حتمي. غير أن عددا من الخبراء ينظرون إلى الأمر بشكل مختلف.

وكل يوم إضافي يمر، إلا ويؤكد أن رياح الغزو الروسي لأوكرانيا لا تجري بما تشتهيه سفن صانعي القرار في الكرملين. ورغم كل الانتكاسات، لا يزال الروس واثقين من النصر.

ونقلت وكالة إنترفاكس عن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قوله الاثنين إن “العملية العسكرية مستمرة وسوف تستمر حتى تحقيق الأهداف التي تم تحديدها في البداية”.

وفي نفس السياق، أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن “أوكرانيا يجب أن تربح هذه الحرب”، داعية إلى التفكير من الآن في إعادة إعمار البلاد واستغلال العملية كفرصة لإجراء إصلاحات عميقة. واستطردت المسؤولة الأوروبية موضحة “سنفعل كل شيء حتى تتمكن أوكرانيا من تشكيل مستقبلها”.

ولم تعد أوكرانيا تسعى للتفاوض مع روسيا في الوقت الحالي، وبدلاً من ذلك، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن هدف الحرب يتمثل في إعادة الجيش الروسي إلى مواقعه قبل الرابع والعشرين من فبراير.

وعكس ما توقعه الكرملين في بداية الغزو لأوكرانيا، تعثرت عمليات الجيش الروسي على عدة جبهات، إذ اضطر للانسحاب من محيط العاصمة كييف وتشيرنيهيف في الشمال نهاية مارس الماضي، فيما عرف شهر سبتمبر الجاري انسحابا جزئيا من خاركيف شرق البلاد. غير أن روسيا تمكنت من الاستيلاء على ماريوبول وتسعى للسيطرة على منطقتي دونيتسك ولوهانسك في إقليم دونباس الذي تتركز فيه معارك طاحنة، فيما تعرف باقي مناطق البلاد نيرانا أقل كثافة حيث تشهد عمليات قصف بالصواريخ بعيدة المدى.

ووفق مصادر أوكرانية فإن الجيش الروسي تكبد خسائر فادحة بمقتل أكثر من 29 ألف جندي وتدمير 1302 دبابة وأكثر من ثلاثة آلاف آلية مدرعة وما لا يقل عن 205 طائرات مقاتلة. غير أن الجيش الأوكراني نفسه يتكتم عن خسائره.

وباتت الخارجية الأوكرانية تتحدث عن هدف طرد الروس بشكل كامل من أوكرانيا كهدف للحرب، بما في ذلك المناطق التي ضمتها روسيا عام 2014 أو التي تم إخضاعها لسيطرة الانفصاليين الموالين لروسيا. ويشكك مراقبون في واقعية هذا الهدف.

وقال الخبير البروفيسور كارلو ماسالا من جامعة بوندسفير (الجيش الألماني) إنه “لم يحدث هجوم مضاد كبير لحد الآن من قبل أوكرانيا في دونباس، نجح الأوكرانيون جزئيًا في استعادة مكاسب على الأرض، لكننا نتحدث عن بضعة كيلومترات فقط”. واستطرد ماسالا موضحا أن بوتين “لم يعد بإمكانه الخروج من هذه الحرب مع حفظ ماء الوجه، لأن الجيش الروسي تلقى فعلا انتكاسات عسكرية، إذا نظرت إلى ما أرادوه في البداية، وما الذي يريدونه في هذه الأثناء وما يركزون عليه الآن، فعليك أن تقول: إنهم يعانون من هزائم عسكرية متتالية”.

رياح الغزو الروسي لأوكرانيا لا تجري بما تشتهيه سفن صانعي القرار في الكرملين
رياح الغزو الروسي لأوكرانيا لا تجري بما تشتهيه سفن صانعي القرار في الكرملين

وتشكل معركة سيفيرودونتسك، آخر المدن الرئيسية الخاضعة للسيطرة الأوكرانية شرق البلاد، نقطة تحول يرى عدد من الخبراء أنها ستكون حاسمة في الحرب.

ولعبت منطقة دونباس في جنوب شرق أوكرانيا دورًا رئيسيًا في خطط بوتين، حيث توجد أقلية روسية، ويعد وضع الحكم الذاتي فيها أحد أكبر نقاط الخلاف بين موسكو وكييف. وكان ذلك قبل عام 2014، عندما قام الجيش الروسي بغزو شبه جزيرة القرم قبل ضمها.

ويسعى الجيش الروسي لتطويق سيفيرودونتسك التي يبلغ عدد سكانها قبل الحرب مئة ألف نسمة، وذلك بعد المعركة الطويلة للسيطرة على مدينة ماريوبول الساحلية. وتحاول موسكو السيطرة على دونباس، التي تضم منطقتي دونيتسك ولوهانسك بأسرع وقت. وأدت الخسائر الفادحة التي تكبدتها خصوصا في صفوف الضباط إلى الاستعانة بمجموعات “فرانكشتاين” المكونة من قوات من وحدات مختلفة. وتشير كثافة الهجمات الروسية على دونباس إلى أن بوتين يريد الآن تحقيق “هدفه الأدنى من الحرب” بكل قوته وهو السيطرة على جنوب شرق أوكرانيا.

وأكدت تقارير أن الهدف الأدنى للروس والمتمثل في إخضاع منطقة دونباس والمناطق الانفصالية في لوهانسك ودونيتسك معرض لخطر عدم التحقق، بالرغم من التفوق العددي للقوات الروسية.

فون دير لاين: سنفعل كل شيء حتى تتمكن أوكرانيا من تشكيل مستقبلها

وأشارت التقارير إلى أن الروس يحاولون بكل قواهم تأمين دونباس والتقدم في منطقة خيرسون وتكثيف الضغط على أوديسا. غير أن الخبير العسكري ماركوس ريزنر، وهو رئيس قسم الأبحاث في الأكاديمية العسكرية بتيريزيان في فيينا، يرى أنه من الصعب على المراقبين في الغرب الحصول على تقييم موضوعي للوضع. ومن جهة أخرى يعتبر نجاح الأوكرانيين في الدفاع عن كييف انتصارا واضحا للجيش الأوكراني، إضافة إلى أن القتال في شرق أوكرانيا لا يسير وفق الخطة التي رسمها الكرملين.

وكشف الغزو الروسي لأوكرانيا نقاط ضعف الجيش الروسي والتي تكمن بشكل خاص في تردي مستوى تدريب الجنود والتنسيق بين مختلف أنظمة الأسلحة، وهذا ما يرجح سيناريو حرب استنزاف طويلة الأمد أمام مقاومة الجيش الأوكراني التي لم يتوقع الروس شراستها.

ورغم إلحاق الهزيمة باللواء 36 للجيش الأوكراني والسيطرة على 95 في المئة من أراضي منطقة لوهانسك وأسر آلاف من الأوكرانيين، غير أن الروس اضطروا على سبيل المثال إلى الانسحاب من محيط كييف وتشيرنيهيف. كما تورط بشكل محرج في مدينة بوتشا. ويرى عدد من الخبراء العسكريين في الغرب أن الانتصارات التي حققتها الآلة العسكرية الروسية تعود إلى استخدام القوات الجوية والقوة النارية للمدفعية والاعتماد على قوات جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك إضافة إلى الوحدات الشيشانية.

وبالنسبة إلى أوكرانيا تكتسي هذه الحرب طابعا وجوديا، فخسارتها ستعني بكل بساطة اندثار أوكرانيا كما يعرفها العالم، فيما سيكون من الصعب على الروس تصور الهزيمة لأن ذلك سيعني انهيار قوة الجيش الروسي من حيث الردع وبالتالي إقبار الأحلام الإمبراطورية لموسكو.

وترجح كل هذه العوامل حرب استنزاف قد تكون طويلة الأمد وقد يصعب على أي طرف تحقيق انتصار حاسم فيها.

5