السياحة التركية تحاول تخطي عراقيل التقلبات العالمية

تحاول السياحة التركية مقاومة المنغصات الكثيرة التي أثرت على تعافيها وأدت إلى تقهقرها خلال الأزمة الصحية، والتي عكستها الأرقام الرسمية، ولكن حتى مساعي إعطاء نفس جديد لها لمغادرة مربع الركود قد لا تجد نفعا في ظل التكاليف الباهظة وضبابية الأسواق الدولية.
أنقرة – تجمع أوساط السياحة في تركيا على أن القطاع يحتاج إلى المزيد من الدعم والوقت للتعافي من تأثير الأزمات المتتالية، بهدف التأقلم بمرونة مع الظروف الاقتصادية العالمية المضطربة، التي كبلت نشاطه خلال الأزمة الصحية ثم الحرب في شرق أوروبا.
وتنشر الحكومة بين الفينة والأخرى تفاصيل ما تقدمه من حوافز وجهود لإعادة القطاع إلى السكة، وأنه يتجه تدريجيا إلى التعافي، في محاولات منها لرفع معنويات العاملين فيه، على الرغم من أن التحديات والصعوبات لا تزال تحاصر هذا النشاط المدر للعملة الصعبة.
وتعرضت السياحة المحلية التي كانت تحاول الخروج من نفق الأزمة الصحية العالمية إلى انتكاسة لم تكن في الحسبان، مع بدء ظهور تداعيات الحرب بين روسيا وأوكرانيا وما تلاها من عقوبات غربية على موسكو قبل قرابة سبعة أشهر.
وتجلت تلك المشكلة بوضوح بعد أيام على اندلاع الأزمة في شرق أوروبا في العديد من المنتجعات والمطاعم والمرافق، حيث وقف العاملون بالقطاع على بوادر ركود غير متوقع، مع اختفاء الزوار من أهم بلدين يحركان القطاع وهما روسيا وأوكرانيا.
محمد إيشلر: لقد شهدنا موسما سياحيا جيدا رغم كل الظروف
وبعد أشهر من التقلبات العالمية اعتبر محمد إيشلر، نائب رئيس اتحاد المشغلين والعاملين بقطاع الفندقة، أن بلاده شهدت موسما سياحيا جيدا. وقال لوكالة الأناضول إن “تحقيق ذلك جاء رغم ظروف الحرب بأوكرانيا والانكماش بقطاعي الطاقة والغذاء بالعالم”.
وبحسب البيانات التي نشرتها وزارة الثقافة والسياحة التركية مؤخرا، فإن البلاد استقبلت أكثر من 23 مليون وافد أجنبي خلال الأشهر السبعة الأولى من هذا العام.
ويبدو أن انهيار سعر صرف الليرة الذي تسبب في إحداث حالة صدمة بين الناس مع تراجع قوتهم الشرائية بشكل كبير في ظل التضخم، كان أحد الدوافع التي جعلت السياح الأجانب الباحثين عن الصفقات الرابحة خلال ذروة موسم الصيف يتدفقون إلى تركيا.
ومع ذلك فإن في ضوء الأرقام المعلنة يبدو من الصعب أن تصل تركيا إلى هدفها، والمتعلق باستقطاب نحو 47 مليون سائح هذا العام، على أن يصل العدد إلى مستويات ما قبل الوباء خلال العام المقبل بوصول نحو 53 مليون سائح.
ويرى إيشلر أن تركيا تمكنت عبر اتخاذ خطوات سليمة في مجال السياحة، من التغلب على الأزمات التي واجهت القطاع السياحي العالمي خلال الجائحة.
ولفت إلى أن العدد الكبير للسياح خلال هذا الموسم يعتبر مؤشرا على النجاح الذي حققته السياحة التركية عبر التعاون بين القطاعين العام والخاص، بغرض إيجاد حلول فعالة للأزمات والمشاكل.
وأكد أن الأداء الجيد الذي حققه القطاع في أشهر الصيف، سيواصل تسجيل نجاحات مهمة خلال أشهر الشتاء.
وقال “عندما يأتي السياح الأوروبيون إلى بلدنا، يستطيعون الاستمتاع بأجواء طبيعية هادئة ونظام غذائي صحي والتخلص من فواتير الطاقة الباهظة في بلدانهم، والحصول على خدمة جيدة، والمشاركة في مجموعة واسعة من الأنشطة الرياضية والاجتماعية”.
47
مليون سائح تطمح تركيا لجذبهم في 2022 بعد وصول 26 مليونا في أول سبعة أشهر
وبلغ عدد السياح الذين زاروا البلاد في 2019، نحو 52 مليون سائح، مما أدى إلى توليد حوالي 35 مليار دولار من العملة الصعبة.
وتشير التقارير التي تصدرها الجهات المشرفة على القطاع إلى أن ثمة توقعات تؤكد أن عائدات السياحة قد تصل إلى نحو 34.5 مليار دولار بحلول نهاية العام الحالي، أي عند مستويات ما قبل الجائحة.
وتعتمد تركيا على عائدات السياحة في تلبية احتياجاتها من العملات الأجنبية، في وقت تعرضت فيه لتضخم وصل إلى حد 70 في المئة وهبوط قيمة العملة المحلية أمام الدولار، والذي تفاقم بسبب الجائحة.
لكن البعض من المهتمين بالشأن الاقتصادي التركي يعتقدون أن تحقيق هذه الطموحات يبدو صعبا، خاصة وأن البلد يعتمد على السوقين الروسية والأوكرانية بشكل كبير.
ووفق وزارة السياحة، يشكل الزوار من روسيا وأوكرانيا وحدهما أكثر من ربع السياح الذين قدموا إلى هذا البلد في 2021. وقد جعلوا من إسطنبول والشواطئ التركية على المتوسط جنوبا أو على بحر إيجة غربا وجهتهم المفضلة.
وجاء السياح الروس في الصدارة بنحو 4.5 مليون سائح متقدمين على الألمان، ثم يأتي الأوكرانيون في المركز الثالث بنحو مليونين من 30 مليون سائح زاروا البلاد العام الماضي، لتنمو إيرادات القطاع 103 في المئة بمقارنة سنوية وتبلغ أكثر من 24 مليار دولار.
وكانت روسيا أكبر مصدر للسياح إلى تركيا خلال 2020، بمعدل 13 مليون شخص، على الرغم من قيود الإغلاق.
وتظهر بيانات وزارة السياحة للفترة الفاصلة بين يناير ويوليو الماضيين أن ألمانيا جاءت في الصدارة من حيث عدد مواطنيها الذين زاروا تركيا بنحو 3 ملايين، بينما حلّت روسيا ثانيا بنحو 2.2 مليون، ثم بريطانيا بواقع 1.8 مليون سائح.
وحتى تتمكن أنقرة من إنعاش القطاع اتخذت مبادرات لزيادة عدد السياح من أوروبا، وقال إيشلر “حاليا، تزداد الحجوزات لموسم الشتاء بنسبة 20 إلى 25 في المئة مقارنة مع العام الماضي”.
وأضاف “ننظم عروضا سياحية بإشراف باقة من المتخصصين تتضمن أنشطة رياضية واجتماعية، إضافة إلى عروض تتعلق بالسياحة العلاجية والأنظمة الغذائية”.
وتعتقد الأوساط السياحية أن الزيادة في الطلب على العروض السياحية ستساهم بشكل كبير في تنشيط الموسم وتزيد من نسبة الإشغال الفندقي.
وثمة رغبة تركية في أن تكون الفترة بين نوفمبر وأبريل المقبلين نشطة للغاية مع استمرار الدول في تخفيف القيود على السفر.
لكن قد تكون تكاليف الرحلات الجوية أو حتى البحرية والإقامة، التي باتت مرتفعة بسبب تكاليف الطاقة والغذاء، حاجزا أمام تحقيق أي فرصة في التعافي المطلوب.